عادة ما تتكرر على مسامعنا كلمة مأثورة أوردها ابن كثير في كتاب " البداية والنهاية"، وأصبحت قاعدة فقهية تقضي بأن " ناقل الكفر ليس بكافر"، لكن يبدو أن هذه القاعدة لا تنطبق على حالة الصحفي المغربي علي أنوزلا الذي وجد نفسه معتقلا ( في حالة وضع تحت الحراسة النظرية باللغة القانونية) ومتهما بسبب شريط منسوب لزعيم " تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي " يحمل تهديدا للمغرب ويحرض بشكل صريح على تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف بلدنا، لذلك اعتبرت السلطات المغربية أن نشر هذا الشريط على الموقع الإخباري " لكم" الذي يعتبر أنوزلا مسؤولا عن نسخته العربية، هو بمثابة مشاركة من المعني بالأمر في التحريض على العنف.
موقع " لكم" أوضح في بيانه بعد اعتقال الصحفي أنوزلا أن الشريط المذكور نشر في النسخة الفرنسية للموقع، أما النسخة العربية فقد اكتفت بالإشارة إلى الرابط الإلكتروني الذي يحيل على الشريط المذكور نقلا عن جريدة " إلباييس" الإسبانية. وهذا يعني أن الأمر يتعلق بمادة إخبارية تندرج ضمن مهام العمل الصحفي انطلاقا من الحرص على الحصول على المعلومة وتنوير الرأي العام. وبالرغم من النفس التحريضي القوي الذي تضمنه الشريط، والذي يحمل تهديدا حقيقيا لأمن وسلامة المغاربة، مما دفع الحكومة المغربية إلى مقاضاة جريدة " إلباييس" استنادا إلى بلاغ وزارة العدل، بالرغم من ذلك إذن فإن تجريم أنوزلا لا يستند إلى قرائن واضحة، فالصحفي لم يعبر عن موقف إيجابي أو مؤيد لمحتوى الشريط، بل اكتفى بالإشارة إليه كمادة إخبارية. وقرينة التحريض على العنف غير ثابتة في هذا السياق، لذلك يبدو مستغربا اتهام ناقل الخبر بجريرة لم يقترفها. وبالعودة إلى البيان الصادر عن الموقع، يطرح سؤال المسؤولية نفسه: فلماذا قرر الوكيل العام للملك وضع أنوزلا تحت الحراسة النظرية دون " أبو بكر الجامعي" المشرف على النسخة الفرنسية، بالرغم من تحمله المسؤولية المباشرة عن نشر الشريط.؟. هذا الغموض الذي يحيط بالموضوع يعزز المواقف التي تذهب إلى القول بأن توقيف علي أنوزلا يأتي في سياق تصفية حسابات مرتبطة بالآراء والتحليلات الجريئة لهذا الصحفي، حيث تتجاوز كتاباته كثيرا من الخطوط الحمراء التي لا يجرؤ غيره على اقتحامها.
بيان السيد وكيل الملك بمحكمة الإستئناف بالرباط، الصادر على خلفية الاعتقال يتضمن كلمة توحي بإمكانية الزج بأنوزلا في متاهات معقدة خلال المحاكمة، فالإشارة إلى الإرهاب تعني أن الصحفي الموقوف قد يتابع وفق مساطر قانون مكافحة الإرهاب. والحال أن المعني بهذه القضية يعمل صحفيا، وهو يستحق على الأقل متابعة تستند إلى قانون الصحافة،( إن كان هناك داع لمتابعته أصلا). ومن تم فإن محنة أنوزلا تسيء لصورة المغرب في المحافل الدولية، وتعبر عن تراجع يهدد حرية التعبير، ويطرح علامات استفهام حقيقية حول استعداد السلطة لانخراط جدي في بناء المغرب الديموقراطي. إذ من الواضح، وارتباطا بالمهمة الصحفية التي يمارسها أنوزلا، أن هذا الإعتقال هو محاولة لتكميم الأفواه وخنق حرية الصحافة، خصوصا وأن سيوف الإتهام بدأت تنهال على الرجل حتى قبل الإنتهاء من التحقيق معه، والمتتبع لمواقف بعض الأحزاب السياسية - التي سارعت إلى إدانة أنوزلا وإصدار صكوك اتهام ليست من اختصاصها- يقف على هذه الحقيقة المؤسفة. وقد كان حريا بكل الذين نصبوا المشانق طلبا لرقبة أنوزلا أن يحترموا مبدأ استقلال القضاء، لأن هذه المواقف المحرضة يمكن أن يكون لها بالغ التأثير على مسار الملف.
علي متعود على زيارة الأجهزة الأمنية، فقد سبق أن تعرض للمساءلة في أكثر من مناسبة بسبب مقالاته المزعجة، لكن الطريقة التي تم اعتقاله بها هذه المرة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك، والمتتبع لما يكتبه أنوزلا يربط بشكل مباشر بين اعتقاله وقلمه المزعج . وهذا يعني أن حرية التعبير هي المستهدف الأول في هذا الملف.
محمد مغوتي. 21 – 09 – 2013.
التعليقات (0)