اليمني أنور العولقي...
خليفة بن لادن؟
ياسين مشربش، فولكر ويندفور، وبرنارد زاند
اليمن ليست موطناً لمجموعة دموية تابعة لتنظيم القاعدة فحسب، إنما أيضاً للداعية الإسلامي النافذ أنور العولقي، الذي كانت تربطه صلات باثنين من منفّذي اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) ومرتكب جريمة فورت هود. لكن هل يستطيع هذا الإمام المولود في الولايات المتحدة الاقتناع بضرورة النأي بنفسه عن القاعدة؟
يقع المكان الذي بدأ فيه كل شيء وسينتهي أيضاً إن حققت الحكومة مبتغاها، بالقرب من المسجد الجديد في الشارع رقم 60 في حي حدّة في العاصمة اليمنية، صنعاء. يبدو سجن المدينة المحكم أمنياً، بجدرانه البنية اللون والمصنوعة من الطين وإطاره الأبيض أشبه بمنزل حديث مزركش إنما خاضع لحراسة مشددة.
كل من يقترب من السجن يواجه نظرات مشكّكة لجنود يدوّنون أرقام لوحات أي مركبة يرونها أكثر من مرة. هذا وتسود حالة من القلق بين صفوف قّوات الأمن في البلاد منذ عيد الميلاد الفائت، حين حاول النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي تلقى تدريبه في اليمن تفجير طائرة أميركية خلال اقترابها من ديترويت.
فرّ 23 عضواً من تنظيم القاعدة من هذا المبنى في 3 فبراير (شباط) 2006، على الأرجح بمساعدة الحرّاس. ساهمت هذه الحادثة في ولادة جيل ثان من عناصر القاعدة في اليمن، وفي تجدد دور شبه الجزيرة العربية كأرضية لتدريب المجاهدين الإسلاميين. حتّى ذلك الحين، بدا وكأن تنظيم القاعدة في اليمن قد هُزم، إذ قتلت إحدى الطائرات الأميركية من دون طيار آخر قادته في عام 2002، واعتُقل خليفته في عام 2003.
لكن منذ عملية الهروب من السجن في عام 2006، هاجم المجاهدون التابعون لزعيم القاعدة أسامة بن لادن السفارات، وفجّروا منشآت إنتاج النفط وقتلوا السيّاح. فضلاً عن ذلك، درّبوا النيجيري البالغ 23 عاماً وأرسلوه في مهمّة مع شحنة متفجرة في سرواله الداخلي بهدف أن يثبتوا، عبر انفجار مدو، ألا أحد في الغرب في مأمن منهم.
شائعات تجتاح صنعاء
يضع الصراع في اليمن الإرهابيين في مواجهة مع الدولة اليمنية. فقد تباهى هؤلاء بمزيد من الخطط لإطلاق هجمات، بينما تنوي الدولة اجتثاثهم رسمياً على الأقل. هكذا شنّت مسبقاً بالتعاون مع قوّات الأمن الأميركية ضربتين جويتين ضد معسكرات القاعدة المفترضة الشهر الفائت.
تجتاح الشائعات صنعاء اليوم. فالخميس قبل الماضي، مثلاً، قال البعض إن مجنّداً في القاعدة يبلغ 16 عاماً كان يسير بحرية في مرفأ مدينة عدن مزنّراً بشريط متفجرات. وبحسب شائعة أخرى، اختفت شاحنات عدّة تابعة لقوات الأمن ومليئة بمتفجرات وأسلحة. وأخيراً، يُقال إن أحد قادة القاعدة الذي قتلته قوّات الأمن على ما يُفترض قد لا يكون ميتاً في النهاية.
فجأةً، بعد تجاهل دام لسنوات، بدأ العالم ينظر بعين القلق إلى هذا البلد غير المستقر في خليج عدن القاحل الذي يفتقر إلى الموارد الطبيعة، غير الخاضع للسيطرة، المكتظ بالسكّان، والذي يواجه تمرّداً في الشمال والجنوب.
ما يزيد الطين بلّة المشاكل في الدول المجاورة. ففي الصومال، تدعو ميليشيات الشباب الإسلامية التي تسيطر على أراض واسعة من البلاد إلى فرض الشريعة الإسلامية وتسعى إلى بناء تحالف مع القاعدة في اليمن في شبه الجزيرة العربية. أمّا من جهة اليمن الشمالية فتقع المملكة العربية السعودية، أكبر دولة منتجة للنفط، وموطن أكثر مموّلي القاعدة سخاءً، وفي الوقت عينه أحد أهداف المنظمة الإرهابية.
في هذا السياق، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الفائت: {يهدد انعدام الاستقرار في اليمن الاستقرار الإقليمي وحتّى العالمي}. من جهته، وافق الرئيس باراك أوباما على وقف العملية المقرّرة لإطلاق سراح 40 يمنياً معتقلاً في سجن غوانتانامو. كان من المقرر أن يعود إلى اليمن قريباً معتقلون صنّفتهم الحكومة الأميركية بين أولئك الذين لا يشكلون خطراً.
من جهة أخرى، اقترح رئيس الوزراء البريطاني عقد مؤتمر دولي بشأن اليمن، ويؤّيده في الرأي أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. لم يول العالم أي اهتمام لليمن منذ عقود، لكن ذلك كلّه تغيّر اليوم.
يدّعي اليمنيون بأنهم يستطيعون التعامل مع الأمر من دون مساعدة دولية. فقوّات الأمن {قادرة على مواجهة التحديات والقضاء على المجموعات الإرهابية كافة وإحالة أولئك الخارجين عن القانون إلى القضاء}، بحسب ما جاء على لسان نائب رئيس الوزراء رشيد العليمي. لكن بالكاد يستطيع المرء التصديق بأن الإرهابيين سيجدون أنفسهم مجدداً في السجن الرئيس في صنعاء في وقت قريب.
{وجه القاعدة الذكي والنافذ}
أثبت المجاهدون مسبقاً قدرتهم على تنفيذ هجمات، وهم يحظون بدعم رجل يستطيع تحويل فرع القاعدة المحلي إلى عدو حقيقي وخطير للغرب: أنور العولقي، المولود في 21 أبريل (نيسان) 1971 من أبوين يمنيين في ولاية نيومكسيكو الأميركية. وقد اعتبرته قناة {فوكس} التفلزيونية الأميركية المحافظة مسبقاً تهديداً كبيراً. ووفقاً لإيفان كولمان، مستشار مستقل في نيويورك حول قضايا الإرهاب، العولقي هو {وجه القاعدة الذكي والنافذ، وبات اليوم شخصية بارزة في التنظيم}.
أمضى العولقي سنواته الست الأولى من حياته في الولايات المتحدة، حيث عاش طفولةً أميركية مليئة بـ «وجبات الهمبرغر وأشجار الميلاد}، بحسب ما ذكر أحد أقربائه. عاد والداه إلى اليمن في عام 1977، لكن المسلم الشاب رجع في النهاية إلى الولايات المتحدة، حيث ارتاد جامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن. فأصبح حينئذ إماماً للطلبة في سن الثالثة والعشرين، ما خوّله الحصول على تعليم مجاني.
بعد وقت قصير، أصبح إماماً في مسجد الرباط في سان دييغو، في كاليفورنيا. تعرّف خلال هذه الفترة، في حوالي عام 2000، إلى خالد المحضار ونوّاف الحزمي، من الخاطفين التسعة عشر الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر بعد عام. وبحسب ما أورد تقرير التحقيقات الرسمي الخاص بهذه الهجمات، رأى الرجلان في العولقي مثالاً دينياً وكانوا على علاقة وثيقة به.
على رغم أن العولقي ليس ضليعاً في الشريعة، إلا أنه ذكي، ويتحدث الإنكليزية بطلاقة، ومطّلع على ثقافة {الكفّار}. يعلم بالتالي كيف يستطيع تلامذته تطبيق الجهاد الإسلامي في العالم الغربي، وهو المترجم الأبرع.
بديل بن لادن
يرى العولقي نفسه بهذه الصورة أيضاً. فقد كتب في أحد مواقعه الإلكترونية في يناير 2009: {وحدها وكالات الاستخبارات الغربية تتكبد عناء ترجمة الأدب الجهادي إلى الإنكليزية وتنفق المال في هذا الصدد. من المؤسف أنها لا تريد مشاطرتنا هذه الترجمات}.
لكن العولقي يستطيع مساعدتهم في ذلك. فقد نشر كتيّباً على الإنترنت يتضمن {44 طريقةً لدعم الجهاد}، ويحظى بجمهور من المعجبين على موقع Facebook منذ سنوات، وتتوافر خطبه على أقراص DVD وعلى الإنترنت.
في خطاب وجّهه إلى الطلبة المسلمين في لندن في عام 2003، تحدّث عن {ولادة الأمّة من جديد}، والعودة إلى إسلام حقيقي قائم على نهج النبي محمد. يُعتقد بأن جمهوره يضم مفجّري قطار لندن الذين كانوا يحملون متفجرات داخل حقائب ظهر، والذين قتلوا 52 شخصاً وجرحوا 700 في هجمات عدّة على مترو أنفاق لندن وعلى باص مؤلّف من طابقين في 7 يوليو (تمّوز) 2005. ووُجدت الكتب والتسجيلات الخاصة بخطبه خلال عميات البحث عن مفجّري لندن.
بحسب صحيفة {دايلي تلغراف}، الإرهابي البريطاني محمد حميد الذي خطط لهجوم ثان على مترو أنفاق لندن، كان من أتباع العولقي. لكن الهجوم باء بالفشل لأن الصواعق هي التي انفجرت لا القنابل.
ابن أهم قبائل اليمن
كان العولقي على تواصل عبر البريد الإلكتروني مع الطبيب النفسي في الجيش الأميركي نضال حسن، الذي أطلق النار على 13 شخصاً في قاعدة فورت هوود العسكرية في تكساس في نوفمبر، وأرداهم قتلى. ومنذ بضعة أسابيع، التقى عبد المطلب، الذي كان ينوي تنفيذ عملية تفجير في ديترويت، في محافظة شبوة في اليمن. في هذا الإطار، ذكر نــائب رئـيس الـوزراء العلـيمي بـأن {النيجيري كان بلا شك على تواصل مع عناصر القاعدة، بمن فيهم أنور العولقي}.
لكن من هو هذا الرجل الغامض، الذي لا تتوافر عنه صور كثيرة؟ هل هو البديل الجديد عن أسامة بن لادن؟ أم أنه مجرّد متحدّث سريع يتمتع بمهارات في اللغة الإنكليزية؟
يلاحظ كل من يدرس شخصية العولقي وخلفيته أخطر المشاكل التي تتخبط بها اليمن، بما فيها جهازها الحكومي الفاسد، النقص النسبي في موارد البلاد، والخصومة التي لا تنتهي بين قبائلها.
ينتمي العولقي إلى أهم قبيلة في اليمن. فوالده ناصر كان وزير الزراعة خلال عهد الرئيس الحالي علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد كأب طوال 31 عاماً. فضلاً عن تحصيل العلم في الولايات المتحدة، درس أنور الابن في جامعة الإيمان في صنعاء (سيئة السمعة في الغرب)، التي أسسها الإسلامي عبد المجيد الزنداني المعروف باسم {الشيخ الأحمر}. قاتل الزنداني في أفغانستان إلى جانب بن لادن في ثمانينات القرن الماضي، وهو أحد المقربين من الرئيس. يلقي خريجو جامعته خطباً متشددة في نيجيريا والصومال وماليزيا أيضاً. كذلك لا يغيب هذا الشيخ الواسع النفوذ عن المناسبات الرسمية في اليمن.
لم يتحدث بعد هذا المقاتل المخضرم الذي حارب في أفغانستان عن تلميذه السابق. لكن العولقي لم يكن تلميذاً في جامعة الزنداني فحسب، بل علّم فيها أيضاً. كذلك أدار مع معلّمه جمعية خيرية مريبة طوال سنوات. وفي عام 2004، أضافت الولايات المتحدة الشيخ الأحمر إلى لائحتها من {الإرهابيين العالميين}.
يبدو الرئيس صالح مستعداً لبذل قصارى جهده ليمنع هذا الشيخ المتطرف من إعاقة جهوده لتشكيل جبهة موحدة في الحرب ضد الإرهاب. وكي يضمن ذلك، يقول إنه منع صديقه القديم من مخاطبة الشعب أو التكلم علناً.
حل يمني محض
يبدو أن المفاوضات تسير على قدم وساق في الكواليس. ويُقال إن الرئيس نفسه قدّم قبل أيام عرضاً للعولقي الإرهابي من خلال وسطاء، مقترحاً {حلاً يمنياً حقيقياً} يقضي بمعاملة هذا الإمام برأفة في حال تعبيره علانية عن انفصاله عن القاعدة.
يُعتقد أن العولقي مختبئ في محافظة شبوة في مكان لا يعرفه إلا أخلص أتباعه، في منطقة تتمتع فيها قبيلته بنفوذ واسع. ويصر أعضاء من عائلة العولقي على أن التهم الموجهة ضده جزء من مؤامرة حاكتها ضده وسائل الإعلام وأعداء الإسلام. فقد أخبر أحد أقاربه SPIEGEL أن تعاليم العولقي بلغت كثيرين من غير المسلمين وأنه يتمتع بنفوذ واسع كداعية، لأنه تمكن من التعبير عن رسالته بالإنكليزية. ويذكر أقارب آخرون أن العولقي كان تلميذاً مجتهداً وأصبح اليوم مناصراً متحمساً للإسلام. إلا أنه ليس، على حد تعبيرهم، متطرفاً ولا علاقة له بالإرهابيين.
لكن تصريحات العولقي نفسه تناقض هذه الجهود المبذولة لتصويره كرجل معتدل. ففي ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، روّج علانية للتضامن مع ميليشيات الشباب الإسلامية في الصومال، قائلاً: {يعتمد نجاحهم على دعمكم. من مسؤولية المؤمنين كلهم مساعدتهم بتزويدهم بالمال والمقاتلين}.
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2009، دعا العولقي المسلمين إلى المحافظة على لياقتهم البدنية والاستعداد للمعركة بالتدرّب على استعمال السلاح. وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن نضال حسن، مطلق النار في قاعدة فورت هوود الذي يعاني اليوم من شلل نصفي، بطلاً مسلماً. وفي مطلع شهر ديسمبر، التقى الصحافي اليمني عبد الإله شائع العولقي في قرية نائية طُلب منه عدم ذكر اسمها. يُخبر هذا الصحافي أنه استُقبل بحفاوة. وأفاد شائع أن العولقي لا يبدو بصحة جيدة. قال: {ما ينفك يتنهد بعمق. لا أقصد أنه كان يتنفس بصعوبة، إلا أن حالته كانت واضحة}.
ذكر شائع أن العولقي أخبره أنه تعرف إلى حسن، حين كان إماماً في مسجد دار الهجرة في فرجينيا. ويعتقد العولقي أنه أدى دوراً في تحوّل حسن إلى مسلم متدين قبل ثماني سنوات لأن هذا الرجل {وثق} به بكل بساطة.
عندما يحضر قادة الدول مؤتمر لندن الذي دعا إليه رئيس الوزراء براون في وقت لاحق من هذا الشهر، سيناقشون مختلف السبل للحؤول دون تحوّل اليمن إلى {دولة فاشلة}. وفي هذا الإطار، على حكومات الغرب معالجة مسألة تعاملها مع صالح، حليفها في القتال ضد الإرهاب، كجزء من المشكلة أو كجزء من الحل. وربما كان العولقي قرر حينذاك إذا كان سيقبل عرض الرئيس أو سيواصل دربه كمترجم للجهاد.
بعد أن قرأت المقال تساءلت .....هل صار اليمن معقل للارهابيين حقا أم هي غاية في نفس يعقوب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
التعليقات (0)