أنني أحترم رأيك .. فهل تحترم عقلي ؟
تساءلت مع نفسي ، وبعد المزيد من الأخذ والرد .. مع نفسي أيضا ! وجدت أننا مجتمع نميل للمنع أكثر مما نميل للتفكير ، فنمنع أكثر مما نسأل ، ونفرض أكثر مما نقنع ، ونحكم أكثر مما نبحث .. !
فلو وجدنا – على سبيل المثال فقط – أن نسبة الأطفال المعاقين بسبب – لا حظ " بسبب " – زواج الأقارب ، وبالطبع وكما هي عادتنا استنتاجنا مبني على مصادر معلوماتنا التقليدية وليس على نتائج البحث العلمي .. إذا ، لو وجدنا أن هذه النسبة مرتفعة فلن نتردد في إصدار فتوى دينية تحرم زواج الأقارب تحت أي مسمى ! وسوف نسوق الأدلة تلوى الأدلة ، والمسوغ تلوى المسوغ ، وسوف نعود للماضي البعيد ونغوص في ثناياه نفتش ونقلب صفحاته لحشد المزيد من السلفيات . وسوف نحشو العقول بحاملات الوعيد لمن تزوج عمدا من ابنة عمه أو خاله . وسوف نشحن نفوس التابعين الآمين ضد المخالفين لهذا المنع والرأي المبني عليه بصفتهم تغريبيون أذياليون .. !
بعض المنع غير الديني قد يكون مبررا من حيث المبدأ لاعتبارات اجتماعية كالخصوصية التي نتميز بها ، أو ثقافية كالعادات والتقاليد ، أو تكوينية كانتماءاتنا الاجتماعية والفكرية .
ولكن الإشكال أننا قوم لا نفرق بين أدوات المنع وآلياته ، ومسوغاته ، وسلطاته التنظيمية والشرعية ، وسلطاته التنفيذية ، فتختلط لدينا الأمور وتتداخل السلطات ، ويمتزج لدينا الاختلاط للرقص مع الاختلاط في ميدان العمل الشرعي المباح ، والخلوة مع الاختلاط . ومصنع الخمر مع " المعاكسات " والجريمة الأخلاقية مع " السير عكس الاتجاه ".. وهكذا.. نسير !!.
لا نفرق بين المنع لعلة حرمة الممنوع دينا وشرعا بنصوص دينية ثابتة ، وبين المنع نظاما أو تشريعا قانونيا تنظيميا تقره المصلحة العامة أو الثقافة الاجتماعية .
كما لا نفرق بين المنع تطبيقا لنص شرعي قطعي وبين المنع تطبيقا لرأي واجتهاد شخصي ولاختلاف أقوال الفقهاء ، فنجعل مسوغ المنعين في منزلة واحدة ، ونساوي بين مخالفة الممنوعين ( بفتح العين ) في الإنكار على المخالف .
لذلك قد نساوي بين مخالفة دينية قطعية وبين قيادة المرأة للسيارة في الإنكار على المخالف وفي " الجرم المشهود " وفي " الضبط " ! .. وهكذا تتعقد إشكالاتنا وتزداد حدة تصادماتنا .. !!
خلاصة القول : إقحام الدين كأداة للمنع وإحلاله محل تشريع بعض الأنظمة لاعتبارات قد تكون مقبولة باعتبارها تقوم على مسوغات اجتماعية أو ثقافية كبعض العادات والتقاليد الاجتماعية يوقع الكثيرين في إشكالات تصادمية ، وقد يوقع البعض في مواقف متناقضة فيحرم شيئا ويبيح نفس الشيء تبعا للموقف أو المكان أو الغاية ...
لذلك نقول لعلمائنا : نحن نحترم آرائكم ونجلكم ونعتقد أن عقولنا جديرة باحترامكم فدعونا وإياكم نفرق بين نتائج مخالفة القطعي المهلكة لنا جميعا وبين النتائج المحتملة والنسبية المسوغة للمنع القائم على مبدأ الذريعة فقد يكون العكس هو الصحيح .. دعونا نقول جميعا : هذا ممنوع شرعا لأنه محرم وهذا ممنوع نظاما لأنه يخالف عاداتنا .
دعونا كما نسمع ( صلصلة ) سيوفكم عند أبواب الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة و" منصبها القيادي " ووجها ، وصوتها .. دعونا نسمعها ( تصلصل ) عند أبواب الفقر ، والبطالة ، والفساد المالي والإداري ، والأنظمة المتهالكة ، والاحتكار ، وأمية مخرجات التعليم ، وانتشار الجريمة ، وأسباب الانتحار .
وحقوق المعاق ، وحوادث طرق وزارة النقل المميتة ، وكرامة وحقوق المواطن ، ووجوب دعم ونشر التفكير الإبداعي .
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)