[ أنفلونزا الغذاء عند الأغنياء ... بقلم: فيليب حردو ] مقالات وآراء
أليس من الكفر أن نرى شعوبا تموت من الجوع وأخرى تموت من الشبع؟ ففي خلال الخمسين سنة الأخيرة تغير النظام الغذائي في الدول المتحضرة ودول النفط إلى حد جلب معه الكثير من الويلات الصحية والاقتصادية لهذه الشعوب.
نظرة إلى الماضي:
تقليديا لقد تعود الإنسان على تناول الأطعمة الفصلية، أي حسب توافرها السنوي وهذا النظام الغذائي المكتسب والمنظم حمى الإنسان من الكثير من الأمراض المرتبطة مباشرة بالغذاء. و\"دواء الغذاء\" هذا ليس بجديد فقد وصفه الطبيب اليوناني القديم أبقراط (460-377 قبل الميلاد) وشدد عليه قائلا \"ليكن غذاؤك دوائك، ودوائك غذائك\" هذه المشورة العجائبية التي توارثها الكتاب والأطباء عبر العصر وتبدلت كلماتها بعض الشيء إنما لم تفقد صلاحيتها وجوهرها حتى يومنا هذا. فقد تعودنا عبر العصور أن نأكل الخضار متى ظهرت في موسمها والفاكهة متى نضجت في وقتها واللحوم متى توفرت بكثرتها وكان \"للصيام الحقيقي\" دورا صحيا داعما لهذا. وكان هناك توازن بين استهلاك الإنسان للموارد وكرم الطبيعة من أجل مصلحة الطرفين.
ماذا تغير اليوم؟
لكن في عصرنا هذا بدأت تتوفر في الأسواق كل أنواع الخضار والفواكه ومن أنحاء العالم وأيضا اللحوم بأشكالها طوال السنة. فبإمكانك مثلا، أن تأكل العنب والفريز والباذنجان والخيار... متى شئت. هذا \"النظام الغذائي الجديد\" والمصطنع خلق لدينا بالفعل اضطرباً هائلاً في جهاز الهضم وغير \"البيئة الجرثومية الدورية\"المتبدلة بشكل فصلي Cyclical changes والمتوازنة إلى بيئة جرثومية شبه ثابتة. بالإضافة إلى ذلك فقد بدأنا نتعرض إلى الوجبات السريعة ونعشقها والأطعمة المعلبة بما فيها من ملونات ومواد حافظة وهرمونات مخفية ونتناولها لسهولة توفرها... وأيضا الى الدهون الزائدة والزيوت المقلية تكرارا وغيرها. أضف إلى ذلك لم يعد هناك وقتا ثابتا لوقت الطعام وخاصة لدى العمال. فعلى سبيل المثال إن تمشيت في شوارع لندن في اي وقت تجد الناس هنا وهناك تأكل وتشرب حيث غاب نظام الثلاث وجبات في حياة الكثير. وحصيلة كل هذا التغيير السريع والمخيف في نظامنا الغذائي والذي حصل بهدوء وبفضل التناغم بين المستهلك والمصنع أكتسبنا الكثير من الويلات الصحية العصرية!!!
ما هي إذا الأمراض الناجمة عن النظام الغذائي الجديد؟ إنها كثيرة ومتنوعة وأختصر الشائع منها:
1. تشنج الكولون وفرط الحساسية للأمعاء. لقد كانت هذه الشكايات قليلة عند بداية ممارستي الطب هنا في بريطانيا منذ 30 سنة،ولكن الآن هي من أكثر الأمراض الهضمية شيوعا والأصعب علاجا.
2. سرطان الكولون. يشكل اليوم مشكلة صحية كبيرة في أوروبا وأمريكا وأيضا بدأ في ألأتساع في الدول النامية وفي بعض دول الخليج مثلا حيث لم يعد غريبا ملاحظة حالات بسن الثلاثينات او اقل. وعموما فان سرطان القولون يحتل المركز الاول في سرطانات جهاز الهضم والثاني عند النساء بعد سرطان الثدي والثالث عند الرجال بعد سرطان الرئة والبروستات.
3. تشحم الكبد. وهو مرض حديث وشائع وسببه التخمة في نظامنا الغذائي. فهو يصيب حوالى 20 في المية من سكان بريطانيا ومثلها في دول الخليج والسبب ربما يلخصه لنا الاستاذ انيس منصور في إحدى مقالاته في جريدة الشرق الأوسط عن الشراهة ويقول: \"لا داعي لأن أذكر الأطعمة التي وضعت أمامنا ولكن كان عددنا خمسة والطعام الذي امامنا يكفي لعشرين وبلهفة امتدت أيدينا وشربنا وأكلنا وشربنا أكثر وبسرعة شبعنا\".
4. الجلطة القلبية ويعرف عنها الكثير.
5. البدانة: وتعتبر البدانة برأي وباء العصر الصامت وأكثر فتكا من أية انفلونزا. فقد قدرت منظمة الصحة العالمية في العام 2005 عدد الذين يعانون من الوزن الزائد في العالم بنحو 1,6 مليار شخص وهو في أزدياد مستمر. ويبدو كما ذكر ال ب ب سBBC أن الغرب بدأ يصدر البدانة الى العالم الثالث. ففي المؤتمر العربي للسمنة والنشاط البدني 2005 قدمت فيه ورقة نتائج بحوث النشاط البدني والصحة لدى السعوديين جاء فيها أن نسبة الخمول البدني كانت حوالي ٦٠ % لدى الأطفال و٨١ % لدى الرجال. وكانت نسبة البدانة لدى الرجال 41 % وهي طبعا نسب مقلقة للغاية للنظام الصحي والاجتماعي والاقتصادي.
وفي بريطانيا حذر الخبراء من أن ثلاثة أرباع السكان يمكن أن يصابوا بالبدانة في السنوات العشر أو الخمس عشرة القادمة وستكون السبب الأول للوفاة في بريطانيا. والبدانة تكلف الاقتصادي الوطني في بريطانيا نحو ملياري جنيه إسترليني كل سنة. أما في أمريكا فعمليات تصغير المعدة وشد صمام المري هي الأكثر شيوعا من اي وقت مضى لهذا السبب.
6. السكري. وهي مشكلة العصر للدول الغنية وفي بعض الدول النامية بسبب التغير الغذائي المفاجئ فيها. ففي السعودية مثلا، هناك زيادة مقلقة للمرض حيث ذكر الدكتور توفيق بن أحمد خوجة المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون أنه منتشراً بصورة وبائية في المجتمع الخليجي، وأن النسبة الحقيقية الحالية للإصابة بداء السكري في السعودية هي مابين 24 و 28 في المائة وقد ارتفعت من 2.2 في المائة في منتصف السبعينيات إلى 24 في المائة في عام 2004 م وفي عام 2006 م وصلت إلى 28 في المائة. وأضاف الدكتور خوجة أن دراسة حديثة أجريت في مدينة الرياض اتضح أن 32 في المائة من المرضى المنومين في المستشفيات مصابون بالسكري، إنما أدخلوا المستشفيات إما لأسباب تخص السكري وإما لمشكلات صحية أخرى.
وهناك دوما أمراض جديدة ويعتقد بعض الخبراء الطبيين بأن للأغذية دور فيها، أو على الأقل إلى تفاقمها مثل آلام المعدة المزمنة، والقلس، والصداع النصفي، والأكزيما، والعقم عند النساء وأمرض المفاصل ومشاكل التنفس مثل الربو...الخ.
لقد أجتاح العالم مؤخراً قلقاً كبيراً بسبب وفاة المئات بسبب الأنفلونزا من النمط A/H1N1 وأنفلونزا الطيور بينما يفتك بنا وبهدوء أنفلونزا الطعام!!!. فهل هناك حاجة أكثر من ذلك لإثبات بان نهم الطعام هو الوباء الصامت للبشرية؟
ما العمل مستقبلا إذا؟ المهة ليست سهلة وتحتاج إلى التعاون والتنسيق مع منظمة الصحة العالمية وإلى جهد أعلامي عصري تتعاون فيه كل مؤسسات الدولة.
وأقدم هنا بض الاقتراحات:
1. إدخال مادة الغذاء الصحي نظريا وتطبيقيا في المدارس كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية.
2. تشجيع الناس على زراعة بعض الخضروات في بيوتهم . فلو زرع مثلا مليون بيت البندورة في الفرندة أو الحديقة وجنا منها 5 كغ يعنى ذلك إضافة 5 مليون كيلو للإنتاج المحلى سنويا.
3. تخفيض الضرائب على الأطعمة الطازجة وتسهيل زراعتها.
4. إعادة النظر بحملات الإعلامية للعناية الصحية وخاصة في الدول النامية والاستعانة بخبراء إعلاميين في هذا المجال. واقترح على اتحاد وزراء الصحة العرب التنسيق الإعلامي واطلاع قناة فضائية عربية موحدة: القناة الصحية العربية.
د. فيليب حردو FRCP
03 / 06 / 2009
التعليقات (0)