مواضيع اليوم

أنظمتنا الملكية في زمن الربيع العربي ...

سليمان الحكيم

2012-07-16 08:33:17

0

أنظمتنا الملكية في زمن الربيع العربي

كتب علي حمدان

يتقدم التاريخ من جوانبه الاكثر عفونة وإهتراءا، اي في الحلقة، والحلقات، الاضعف لمنظومة الانحطاط فيحطمها ويفتح الطريق امام زمن جديد لكل الحلقات في السلسلة المحددة. وتبين تجارب الشعوب بان هناك علاقة مباشرة بين مستوى العغونة وطبيعة سقوط مختلف الحلقات، فكلما زادت الاولى، اي العفونة، إتخذت الثانية، اي السقوط، طابعا مدويا واكثر مأساوية. والعكس صحيح حيث يتخذ السقوط طابعا إلتفافيا تغييريا متدرجا. في هذا السياق، وبعيدا عن أساطير الايديولوجيات والشعارات الرنانة وجدول اولويات الكثير من المثقفين، حطم، ويحطم، الربيع العربي الانظمة الاكثر طغيانا وفجورا وعفونة وفسادا في عصر إنحطاطنا، وكلها بالمناسبة أنظمة جمهورية، فاتحا بذلك الطريق امام كل الشعوب العربية، وباشكال مختلفة، للخروج من قمقم الرعايا الى رحاب مجتمع المواطنين الافراد الاحرار.

لقد حسمت الحياة نفسها الشك باليقين ان ما يسمى بالانظمة الجمهورية التقدمية والعلمانية والقومية في العالم العربي كانت، في حقيقتها الطغيانية الفاسدة، مرضا سرطانيا قاتلا لمجتمعاتها اكثر، وبما لا يقاس، من الانظمة الملكية المحافظة، التي دأبنا على نعتها بالرجعية.

هذا الواقع يثير موضوعيا العديد من الملاحظات النقدية في فكرنا السياسي، لعل من أهمها:

- ضرورة الاقلاع عن إعتبار الايديولوجيا والتوصيفات الذاتية المجردة والشعارات الرنانة معيار للحكم على النظام السياسي وعلى كل الاطراف المنخرطة في الشأن العام. ويحضرني هنا تعليق كتبته قبل فترة على الفايسبوك: ان تكون جمهوريا او ملكيا، "ان تسمي نفسك اسلامي او علماني، يميني او يساري، اشتراكي او ليبرالي أمر لا يعنينا، فهذا شأن يخصك وحدك. ما يعنينا هو سياساتك ومواقفك المحددة والواضحة تجاه القضايا الملموسة التي تواجه مجتمعاتنا ... تجاه الديمقراطية، تجاه حقوق الانسان كما أقرتها وثيقة الامم المتحدة، تجاه دولة المواطنين والقانون والمؤسسات، تجاه التعددية السياسية وحرية الرأي والرأي الآخر، تجاه حقوق المرأة والاقليات وغيرها من القضايا الهامة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعلمية والسياسة الخارجية والفنية والرياضية وغيرها".

- المعيار الرئيسي للحكم على النظام السياسي المحدد وعلى كل الاطراف المتعاطية بالشأن العام يرتبط بمدى التمثيل الفعلي، وليس النظري والنصوصي، للمجتمع وامنه واحتياجاته وطموحاته. المسألة هنا نسبية وتنطلق من الواقع الملموس للمجتمع المعني حيث لا يمكن المقارنة الميكانيكية بين واقع وآخر. فالواقع، وبالتالي، المعيار، يختلف في السعودية عنه في مصر، وفي قطر عنه في سوريا، وهكذا دواليك.

- الانظمة الجمهورية العربية "الثورية"و"العلمانية"، على أنواعها، اي الناصرية والبعثية والقذافية والصالحية والبورقيبية، لم تأت في سياق شرعية تاريخية طبيعية ومنسجمة مع تطور المجتمع نفسه وإنما فرضت بشكل قسري، فوقي ونخبوي، الامر الذي جعل هذه الانظمة تخاف شعوبها وبالتالي تتعاطى معها بالمنطق الامني وبالمنهج الالغائي. وما كشفه الربيع العربي في هذا المجال انه بقدر ما يزداد الطابع "الثوري"، اي المفروض عنوة على المجتمع، لهذه الانظمة، بقدر ما تزداد وحشيتها في قتل شعبها !

- الانظمة العربية الملكية، القائمة والتي أسقطت، وبالرغم من طابعها المحافظ، وحتى الرجعي في الكثير من الجوانب، تبين انها تمثل، ولو بشكل متخلف، مجتمعاتها المحددة بشكل اكثر شرعية وطبيعية وإنسجام من كل أنظمتنا الجمهورية القسرية. هذا الامر، بإعتقادي، يفسر الى حد كبير، وبالرغم من وجود الاستبداد والاضطهاد الامني، عدم ممارسة القتل الوحشي الجماعي بحق الشعب.

طبعا، فان هذه الملاحظات والتمايز النوعي في مستوى الاستبداد والعفونة والاجرام بين الانظمة الجمهورية والملكية لا يلغي الطابع الشامل للانحطاط العربي والمتثل بالعجز البنيوي عن تحقيق نهضة حقيقية تنقل مجتمعاتنا من مأساة التخلف الى رحاب التقدم.

الانظمة الجمهورية الطغيانية تتفجر تباعا ومارد المواطنين خرج من قمقم الرعية مزلزلا بحقه الهادر: الشعب يريد ... ! كفى إنحطاط وتخلف وذل وهوان ... كفى، يعني كفى، حيث نتبارى كعرب مع أفقر الشعوب الافريقية على إحتلال الموقع الاخير في سلم الحضارة الانسانية الحديثة.

لقد حسمت شعوبنا العربية امرها بقيادة نخبها الربيعية، العلمانية والاسلامية، وقررت ان تمسك بزمام الامور وتنتخب حكامها وتحاسبهم وتغيرهم وذلك كمقدمة اساسية وجوهرية لتجاوز الانحطاط وتحقيق النهضة التي تليق بأبناء الحضارة العربية الاسلامية العظيمة.

كرة النار، اي إستحقاق التغيير التاريخي، تقترب حثيثا من الانظمة الملكية، المطلقة وشبه المطلقة، والمصير الاسود للانظمة الجمهورية الطغيانية يعمي الابصار بسطوعه. الحذلقة والمال والتذاكي لا تنفع في وقف عجلة التاريخ !

نحن هنا، وبعيدا عن التفاصيل الزمنية والشكلية والعملية، امام واحد من خيارين،لا مجال على الاطلاق لاي إحتمال خارجهما: إما التكيف الجوهري مع الربيع العربي، اي مع إقامة دولة المواطنين الافراد الاحرار وذلك بالتحول من الملكية المطلقة وشبه المطلقة نحو الملكية الدستورية، وهنا الربح لصالح الجميع، وهذا ما نتمناه، وإما التصادم مع حركة التاريخ، وبالتالي، وفي سياق الجحيم الذي سينشأ، سنكون امام تضحيات مؤلمة لشعوبنا ونهاية مأساوية للمُلك والملكية، وهذا ما لا نتمناه !

 

التعليقات الثمانية الأولى منقولة عن الصفحة على الفايسبوك




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات