أنجــال الرئيس
أسرة حسني مبارك وبداية نشوء دولة البقالين
ظاهرة أنجال الرئيس وزوجته إضافة إلى أصهاره وأنسبائه وأبناء شقيقاته وبقية القائمة من الحاشية ؛ سيكتب عنها التاريخ العربي لاحقا أنها شكلت إستفزازا مقيتا للشعوب. وكانت كعب أخيل هؤلاء الرؤساء والدافع الرئيسي الآخر (بعد الفساد) لنشوب الثورات العربية التي نشهدها ونمارسها الآن في كل ركن من أركان العالم العربي الكبير.
دلع وتجاوزات أنجال الرئيس . وتدخل زوجات الرئيس في الحياة السياسية والعامة في بلادهم هي ظاهرة حديثة بدأت خجولة على يد السيدة "جيهان السادات" زوجة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ، الذي تولى حكم مصر في سبتمبر 1970م عقب وفاة الزعيم القومي عبد الناصر رحمه الله . ثم إستفحلت الظاهرة على يد الأنجال خلال عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين والمصري حسني مبارك وحاكم ليبيا الأوحد العقيد معمر القذافي ، وأولاد الشيخ حسن الترابي في السودان ، دون أن ننسى محمود عباس وأنجاله في فلسطين وعلي عبد الله صالح في اليمن ؛ وأصهار التونسي زين العابدين بن علي .
وباتت هذه الظاهرة المستجدة تشكل أزمة إجتماعية حضارية عانى منها المجتمع العربي برمته ، بعد أن تعمقت كالسرطان في مفاصل الدولة. فشملت الأمن والجيش والحزب الحاكم . وطالت الأنشطة الرياضية والأمزجة العاطفية من عشيقات وسهرات وحفلات وليالي حمراء ...... وحولت الدولة العربية من دولة "ذات سيــادة" إلى دولة "ذات بـِقـَـالة".
وإمتدت ظاهرة "أبناء الرئيس" و "زوجاته" إلى مجال الأعمال والتجارة فبدأت وفود المغامرين تحج إليهم وإلى سماسرتهم من كل حدب وصوب في الداخل والخارج للحصول على إمتيازات وتسهيلات وتفضيلات تجارية وإعفاءات جمركية وضريبية .... إلخ .
وقد رشح ثم ثبت مؤخرا من خلال التحقيقات أن نجلي الرئيس المصري السابق حسني مبارك على سبيل المثال كانا يحصلان على 50% من صافي ارباح العديد من الشركات التجارية المصرية الكبرى كأتاوة .... ثم بدأنا نسمع عن ثروات بأرقام تتجاوز المليارات يمتلكها أبناء العقيد القذافي .....
وشيئا فشيئا تطور الأمر بعد أن طال أمد الجلوس على كراسي الحكم بمعظم الرؤساء خلال حقبة الخنوع العربي العام (التي سبقت إندلاع ثورة الشباب المصري في 25 يناير 2011م) جراء آثار إتفاقية كامب ديفيد عام 1979م ..... فبدأت تطفو على السطح رغبات التوريث الرئاسي للأنجال . أو الإعداد والتمهيد الرسمي العلني لتوريث الإبن . فإن لم يجد فالبنت ، فإن لم يجد فإبن البنت ، فإن لم يجد فزوج البنت ، فإن لم يجد فنجل الزوجة الحديثة الحلوة الدلوعة ... وذلك أضعف التوريث.
وبالطبع فإن هذه الظاهرة المهينة للشعوب العربية لم تكن لتجد طريقها إلى السطح لولا هوان الشعب على رؤسائه الذين إبتعدوا عنه. وظنوا بأنفسهم الرفعة والسمو عن عامة الجنس البشري بفعل سحر الطنين المستمر على الأذن ، وغسيل المخ الذي مارسته عليه وعلى زوجته وأنجاله تلك الحاشية المشبوهة الهزيلة الثقافة العديمة المعرفة السطحية التفكير التي إجتمعت حولهم بمثل ما يجتمع الذباب فوق طبق العسل المكشوف.
..... وهكذا سولت لهؤلاء الرؤساء أنفسهم أن شعوبهم ليسوا سوى أغنام وخراف بل وحمير ضالة بلا صاحب . وأن أفضلهم ليس سوى مجموعة أفندية ومستجدي وظائف ومناصب ومكافآت ورواتب تجمعهم النقود ويفرقهم خوف الإحالة على المعاش المبكر . فانطلقوا على غير هدى يمارسون تجاه شعوبهم سياسة الإستهزاء والتغـنيم والتحمير والخرفنة على أوسع نطاق دون خجل ولا مداراة طوال الأربعة وعشرين ساعة.
في سوريا الشام نجحت حاشية الرئيس الراحل حافظ الأسد في فرض توريث الحكم لإبنه بشار حفاظا على مصالحها الخاصة التي تراكمت خلال عهد أبيه .. ,ومضى الحال رتيبا حالكا حتى ظننا واهمين أن الشعب هناك قد أدمن الذل والهوان وبات قطيعا من الماعز المستكين قبل أن تنتفض "درعا الكرامة" لتأتينا بالخبر السوري اليقين.
وفي العراق كان يجري الإعداد لتوريث الحكم لعدي. ثم جرى تجاوزه إلى شقيقه الآخر قصي وإبن قصي ؛ لولا أن إنتزعت الولايات المتحدة حكم العراق عنوة من بين أنياب والدهم صدام ....
في تونس ظل الجميع على قناعة راسخة بأن الطفل المعجزة "محمد الأول بن زين العابدين الأول بن علي الكبير" سيكون الرئيس القادم لتونس الخضراء واللبنة الأولى لإعادة النظام الملكي إليها . وقد عكف والده على إصطحابه للجلوس إلى جواره في كافة المناسبات الرسمية في سعي مستمر دؤوب لتهيئته نفسيا ودستوريا كوريث شرعي للإقطاعية التونسية .. وكانت الحاشية والإعلام الرسمي والوزراء والبروتوكول وأمن الدولة والخارجية التونسية يتعاملون تجاهه وفق هذه الحيثية بكل الجدية ورسوخ القناعة.
وفي مصر أم الدنيا والحضارة ؛ كاد أقطاب الحاشية صفوت الشريف ومحمد فتحي سرور وسوزان أن ينجحوا في توريث النجل الأصغر جمال حسني مبارك ملكية شعب تعداده 87 مليون نسمة ، لولا أن تداركت مصر ثورة 25 يناير فكفتها شر إستبدال حكم عائلة محمد علي باشا الألباني بحكم عائلة محمد حسني مبارك الفـلاح ....
وفي ليبيا ما فتيء سيف الإسلام القذافي يتدخل (بلا منصب) في السياسة والإقتصاد والإجتماع والتاريخ والجغرافيا والعلوم السلوكية والفلسفة والكيمياء وتشريعات الكتب السماوية الأربعة من توراة وزبور وإنجيل وقرآن ... ويدلي بتصريحات نارية وشتائم وأوصاف تهكمية تجاه معارضي والده من أبناء شعبه ؛ تتناقلها وكالات الأنباء بسرعة وجدية قصوى ؛ كأنه رئيس الوزراء أو النائب الأول للقذافي. ولكنه (سيف الإسلام) دون شك كان ولا يزال يجري إعداده ليرث بترول ليبيا وأغنام وزبالة ليبيا (كما وصفهم سيف الإسلام بلسانه) من بعد ابيه الراعي الموهوب معـمـر.
أحمد علي عبد الله صالح
وفي اليمن السعيد كان راعي الأغنام المطبوع في مرابع قبيلته خلال صغـره ؛ ورئيس الجمهورية في شبابه وكبره علي عبد الله صالح يهيء ولده وقائد حرسه الجمهوري "أحـمــد" كي يرث الحكم والرعية من بعده ؛ لولا أن عصفت رياح إعتصامات التغيير بأحلامه . فسارع إلى الإعلان عن أنه لا تمديد ولا توريث . والطريف أنه لم يجد آذانا صاغية تصدقه أو تقتنع بوعوده سواء في معسكر معارضيه أو مؤيديه على حد سواء. فقد إعتاد الجميع على أن لسان الرؤساء (ما عدا لسان القذافي الفالت) مدهون بالعسل والزبد عند بذل الوعود الزائفة .... وكلام الليل يمحوه النهار في عالم السياسة العربية ...
الزعيم القومي الخالد " أبو خالد "
رحم الله زعماء صدق لهذه الأمة العربية ؛ كان أبرزهم الراحل المقيم جمال عبد الناصر (أبو خالد) ، الذي وبرغم حب الجماهير المصرية والعربية له . والتي ما كانت من فرط حبها له وثقتها فيه وفي كل من ينتمي إليه ستعترض لو قدم أحد أبنائه الواحد تلو الآخر كي يرثوا الحكم من بعده .... ولكنه كان عفيف النفس نظيف اليد صادق القلب ... جاء ليخدم الأمة وليس بغية سرقتها ونهب خيراتها. وكذلك لم تكن حوله حاشية سوء تزين له إهانة شعبه وتصورهم له وكأنهم رعاع لا حول لهم ولا قوة. وتشجعه على السرقات وقبض العمولات وإرتكاب الأخطاء وخوض المعاصي ما ظهر منها وما بطن... أو ربما لأنه لم يكن ليسمح لأمثال هؤلاء بأن يقتربوا منه.
إذن وكمحصلة عامة يمكن القول أن سعي الرؤساء لفرض التوريث كان محصلة لواحد أو أكثر من الأسباب التالية:
1- رحيل الزعماء والرؤساء "الساسة" .... وفرض قوى الهيمنة الغربية لما يمكن تسميته بعهد الرؤساء "البقالين" . ...... رؤساء لا يهمهم أمر شعوبهم أو ماذا سيقول التاريخ عنهم بقدر ما كان كل همهم ملء جيوبهم الخالية وعيونهم الفارغة بأموال وثروات الشعب بأسرع ما يمكن؛ قبل الهروب إلى الخارج في حالة الإطاحة بهم.
2- توجه الزوجات لمشاركة أزواجهن في حكم الشعوب وطموحهن في الحفاظ على نفوذهن بعد وفاة أزواجهن عبر توريث السلطة لأبنائهن ؛ لتصبح "أم الرئيس" بعد أن كانت "زوجة الرئيس".
3- حرص الحاشية والطبقة العليا في الحزب التابع للرئيس على إستمرار نفوذها وصيانة مصالحها المادية بعد رحيل الرئيس ؛ عبر توريث إبنه مقاليد الحكم. أو بما معناه أن يبقى الحال على ما هو عليه. وبحيث تصبح البلاد بمن فيها من عباد مجرد أملاك لأسرة الرئيس وأقطاب حزب الرئيس.
التعليقات (0)