أنت يهودي؟ اذن انت على باطل!

 أنت يهودي؟ اذن انت على باطل!

عندما طالعنا التعليقات على طرحنا الأخير (ماذا يجني العرب من إنكار المحرقة) بدا جليا ان اليهود بنظر غالبية العرب المسلمين يعتبرون دائما على باطل! بغض النظر عن الأسئلة والحقائق والمعلومات التي نطرحها في مقالاتنا.. فلقد طرحنا في مقالنا المذكور، تساؤلات عدة حول الوضع في فلسطين-ارض اسرائيل عشية المحرقة، وكررنا هذه التساؤلات خلال ردودنا على تعليقات القراء، موضحين ان لا علاقة بين المحرقة وقيام دولة اسرائيل. كما ذكرنا بإيجاز شديد بعض ما خلصت اليه الجمعية العلمية البريطانية لتقصي الأوضاع والحقائق في فلسطين-ارض اسرائيل. لكن ردود المعلقين على تساؤلاتنا ظلت نمطية، تخضع لتصورات مسبقة، مفادها (كذب اليهود ولو صدفوا).. وفي رواية أخرى (كذب اليهود ولو صدقوا)..؟!

ونخص بالذكر مجموعة من المعلقين والمدونين على صفحة ايلاف، بأسماء مستعارة وغير مستعارة، نطلق عليهم (جبهة الرصد والتصدي) تيمنا بما يردده هؤلاء في مقالاتهم وتعليقاتهم على طروحاتنا وقولهم انهم يقفون بالمرصاد لما نكتب ويتصدون لما نورد من حقائق، نذكر منهم: ربيع العاملي وعبدالغفور وعبدالحميد وأوس العربي ومرتاد مدونات ايلاف وعبدالله عبدالرحمن وغيرهم. فقد اجتهد هؤلاء من خلال مقالاتهم، وتعليقاتهم الأخيرة على طرحنا المذكور بنقل أبحاث ودراسات جاهزة ومقصوصة تستفيض في محاولة انكار حدوث المحرقة اليهودية، ونفي حقائق من قبيل أفران الغاز وعدد الضحايا اليهود خلال الحقبة النازية وما الى ذلك، مستندين الى أبحاث قام بها كوكبة من الباحثين الغربيين الذين ينكرون الهولوكوست. متجاهلين تماما التساؤلات التي طرحناها في مقالنا المذكور. مما عزز لدينا الأنطباع ان ثمة شريحة من العرب المسلمين تنتقي المقالات والردود بعناية بما يتوافق مع رؤية نمطية تجاه اليهود. ولا زلنا نتسائل: عندما تقصون مقالات جاهزة تتماهى ومعتقداتكم السابقة حول تاريخ اليهود الا تعتقدون ان هذا الأسلوب يخالف النظرة العلمية المحايدة الى الأمور؟ فالنزاهة العلمية تحتم على الباحث او المدوّن او المعلق مقارنة الأبحاث المؤيدة والمعارضة للوصول الى نتيجة معينة. فهل راجعتم المصادر وما اكثرها التي تؤيد حدوث المحرقة وتقر بإبادة ستة ملايين يهودي..؟ هل زرتم بأنفسكم معسكرات الإبادة النازية مثل اوسفيتش وغيره؟ هل راجعتم الأبحاث المضادة التي ترد على منكري الهولوكوست من أمثال ديفيد ايرفينغ وروجيه غارودي وغيرهم من الباحثين الذين استشهدتم بالنتائج التي خلصوا اليها؟ هل راجعتم بروتوكولات المحكمة وسير عملية المحاكمة لهؤلاء المنكرين؟ هل نبشتم الوثائق التي قدمها دارسون يهود وغير يهود للمحكمة؟ هل سألتم أنفسكم لماذا تراجع غالبية النافين للمحرقة عن آراءهم خلال محاكمتهم؟ هل حاولتم ان تعرفوا لماذا أدانت المحاكم جميع هؤلاء المنكرين في نهاية المطاف؟

اما إجاباتكم عن هذه الأسئلة فكما هي العادة ذهبت الى ان هؤلاء تراجعوا عن آراءهم حول الهولوكوست تحت تهديد ووعيد اليهود وخشية من خسارة وظائفهم ومراكزهم وخوفا من التشهير بهم..؟! وان مراكز القرار في العالم تخضع لسيطرة اليهود؟! وان المحاكم المذكورة تخضع هي الأخرى لنفوذ اليهود؟! وان الغرب هو مجموعة من البسطاء والسذج والمخابيل يصدقون كل ما يقوله اليهود؟! وان الترسانة الاعلامية اليهودية تبسط نفوذها على العالم وتمرغ بالتراب كل من تسول نفسه بمعاداة اليهود؟! وربما تحركت ايضا "الحكومة اليهودية العالمية" التي تعمل بالخفاء لوأد محاولات هؤلاء النافين للمحرقة في مهدها؟!! او ان "بروتوكولات حكماء صهيون" تضمنت سحق كل من ينفي حدوث المحرقة؟!! وما الى ذلك من شطحات الخيال العربي ...

يلفت الى ان الغرب بمن فيه مؤسساته القضائية يتهاون مع العرب الذين يعيشون على أرضه في موضوع المحرقة، ويتغاضى في الكثير من الأحيان عن المنشورات والنشاط العربي في هذا الشأن، ادراكا من هذه المؤسسات ان الأبحاث العربية في مسألة المحرقة ما زالت مبتسرة وغالبا ما تكون أهدافها سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية .. وعليه نتغاضى نحن ايضا احيانا عن الأبحاث المنتقاة بعناية التي يغرق بها العرب الشبكة العنكبوتية إدراكا منا ان هذا الوضع سيتغير حتما مع ازدياد الترجمات العربية التي تنقل الرأي الآخر. من هنا ارتئينا ان مثل هذا الموضوع الذي لم تتسع له المجلدات لا يمكن ايفاءه حقه وقدره من خلال بضعة تعليقات ستجر حتما مزيدا من عمليات القص واللصق للمقالات الجاهزة وادراجها كتعليقات ويمكن ان يستمر هذا الوضع الى ما لا نهاية ويقينا انه سيكون عقيما وغير مجدي في المرحلة الآنية. وبدلا من ذلك فضلنا ان ندرج مستقبلا بعض الأبحاث المترجمة الى اللغة العربية حول موضوع المحرقة.

وللمزيد من التوضيح وتسليط الضوء على هذه النقاط نسوق بعض الأمثلة من خلال المقالات الأخيرة التي نشرت على صفحة مدونات ايلاف:

نشر المدوّن عبدالله عبدالرحمن مقالا منقولا قبل يومين للباحث الاسلامي عدنان سليم ابو هليل بعنوان (هل لليهود حق في القدس وفلسطين؟).. يستهله ابو هليل بالحديث عن مناظرة تلفزيونية بين حاخام يهودي وأحد المفاوضين الفلسطينيين أفضت الى خسارة مهينة للدكتور المفاوض على حد تعبير الباحث المذكور. ويتسائل ابو هليل ( كيف يكون هذا مأمونا على تمثيلنا في مفاوضات حول فلسطين ومقدساتها ومياهها واستقلالها وشعبها وتاريخها في مواجهة يهود حيّروا سيدنا موسى عليه السلام من أجل بقرة أمرهم أن يذبحوها ؟! ).. نرى هنا بوضوح ان الباحث ابو هليل يستوحي أبحاثه التاريخية من القرآن؟! ثم يسهب الكاتب في محاولة دحض الروايات التوراتية على طريقة "من فمك أدينك".. وقد تسائلنا سابقا مرارا وتكرارا ولم نسمع جوابا: اذا كان المسلمون يعتبرون التوراة محرفة فهل يجوز ان يستند الباحث المسلم في أبحاثه الى مصدر يعتبره مزيفا!!؟ اما في حالة كان ليس من بد من الرجوع الى التوراة فهل يجوز انتقاء الفقرات التوراتية بعناية بما يتساوق مع آراء الكاتب دون الأخذ بالحقائق التوراتية كاملة!؟ ما زلنا ننتظر الجواب .. وهناك فقرة أخرى لفتت انتباهنا يتسائل فيها الكاتب: (ان تاريخ فلسطين المدوّن والمعروف يتجاوز الخمسة آلاف عام؛ فهل يلغي قليلهم كثير غيرهم؟ وإن كان التاريخ يعطي حقا فماذا عن حق أهل البلاد قبلهم وبعدهم لآلاف السنين؟ وأخيرا هل يقبل الذين يؤيدون الاستدلال بالحق التاريخي أن يطالب المسلمون بالأندلس التي حكموها ثمانمائة سنة؟ ).. ونحن بدورنا نسأل الكاتب: عن اية خمسة آلاف عام تتحدث؟ هل هذا تاريخ عربي؟ ما هي أدلتك ومصادرك؟ هل ثمة نقوش او أسفار او مخطوطات بالعربية تؤيد زعمك بأن الشعوب القديمة التي عاشت في فلسطين-ارض اسرائيل كانت عربية؟ اما الأندلس فهي شأن اسلامي مسيحي علما ان اليهود والمسلمين طُردوا من الأندلس في نفس الفترة. لكن هل نشأ العرب في الأندلس كما نشأ شعب اسرائيل في ارض اسرائيل؟ وهل نشأت أعياد المسلمين في الأندلس كما نشأت أعياد اليهود في ارض اسرائيل؟ وهل تحتضن الأندلس أقدس مقدسات المسلمين كما هو الحال مع ارض اسرائيل بالنسبة لليهود؟ وهل الأندلس هي وطن المسلمين الوحيد كما هو حال ارض اسرئيل؟ ألم يدخل المسلمون الأندلس غزاة كما دخلوا ارض اسرائيل وغيرها فهل يسقط حق هذه الشعوب المحتلة مثل الاسبان واليهود بالتقادم؟ واذا كان المسلمون يؤيدون الاستدلال بالحق القرآني فهل يعقل ان آية قرآنية واحدة تتحدث عن الأقصى على طريقة السرد التاريخي كافية لتجعل ارض اسرائيل حقا اسلاميا خالصا، فيما التوراة والمراجع اليهودية كلها تتحدث بصورة مباشرة عن شعب اسرائيل وارض اسرائيل؟ ولماذا هذا الصمت القرآني المطبق عن (فلسطين العربية) أمام هذه الاستفاضة في موضوع بني اسرائيل التي قد تصل الى ثلث القرآن ..؟