أنت تسأل والتوراة تجيب - نظرة الديانة اليهودية الى غير اليهود

 أنت تسأل والتوراة تجيب - نظرة الديانة اليهودية الى غير اليهود

سؤال : ما هي نظرة الديانة اليهودية الى غير اليهود ، وما هو موقف الشريعة اليهودية من أولائك الذين لا ينتمون الى الديانة اليهودية او الى الشعب اليهودي ولا يؤدون الفرائض المفروضة على اليهودي ؟؟

اولا وكمدخل لموضوعنا نذكر كمثال ما حصل الاسبوع الجاري في اسرائيل ، حيث وقع عشرات الحاخامات في اسرائيل على عريضة تنادي بمنع تأجير مساكن للطلبة العرب الذين يدرسون في كلية صفد الواقعة شمال اسرائيل ، وقد جوبه هذا الفعل باستنكار شديد اللهجة في اسرائيل والعالم فكتبت المقالات ونظمت التظاهرات وأطلقت عبارات التنديد ، وبالامس وقع اكثر من 500 حاخام يهودي امريكي على عريضة تدين (عريضة صفد) ، وعلى أية حال لم تسجل حوادث ذات بال بحق الطلبة العرب بعد هذا التراشق المتبادل سوى بعض المحاولات من طرف المؤيدين لعريضة صفد لممارسة ضغوط على بعض العائلات اليهودية لثنيها عن تأجير شقق سكنية للطلبة العرب ... علما ان صفد هي رابع اربع مدن يهودية مقدسة في ارض اسرائيل الى جانب أورشليم والخليل وطبريا حيث تحتضن صفد مراقد علماء يهود كبار وأولياء صالحين .. ويبرر بعض اليهود تأييدهم لعريضة صفد بالقول إن العرب يرفضون ايضا تأجير مساكن لليهود في البلدات العربية وما الى ذلك ...

وبطبيعة الحال وفي مثل هذه الظروف فقد حصل تراشق بفتاوى واجتهادات حاخامات يهود قديما وحديثا بشأن موقف اليهودية من الاغيار جنحت غالبيتها الى التسليم ببطلان مثل هذه المواقف التي عبرت عنها عريضة صفد ، وبرزت على الساحة العامة في اسرائيل مسلمات يهودية أخلاقية كانت ولا تزال تحظى بمنزلة سامقة في الفكر والثقافة اليهودية .. ونتناول في هذه المناسبة واحدة من هذه القواعد الذهبية التي تتناول طبيعة تعامل الشريعة اليهودية مع غير اليهود حيث تم التأصيل لهذه القاعدة على مر التاريخ اليهودي من قبل كبار الحاخامات والمفسرين استنادا الى ما ورد في التوراة , سفر العدد , 15 , 16 :

טז תּוֹרָה אַחַת וּמִשְׁפָּט אֶחָד, יִהְיֶה לָכֶם, וְלַגֵּר, הַגָּר אִתְּכֶם.

توراة واحدة ، وقضاء واحد ، يكون لكم ، وللغريب ، الذي يسكن معكم

ذاك طبعا فضلا عن عشرات الآيات التي تتناول موقف اليهودية من غير اليهود الذين يساكنون اليهود في ارض اسرائيل ، لكن ما يهمنا بطبيعة الحال هو الممارسة العملية والفعلية لهذه المسلمات الدينية والاخلاقية ... وهذا ما جعلنا نقوم بـ (نبشة تاريخية) ساقتنا الى تدوينات حاييم وايزمان احد أهم قادة الحركة الصهيونية واول رئيس لدولة اسرائيل تعود هذه التدوينات الى عام 1947 حيث كان زعماء الحركة الصهيونية يدأبون على صياغة صورة الدولة التي أعلن عنها في ذلك العام ... كتب وايزمان يقول :

ان شريان الحياة لأي مجتمع ينزع الى الاستقرار هو العدل ، وعلى كل أفراد المجتمع ان ينالون قسطا متساويا من هذا العدل. اما بالنسبة للدستور فلن يكون ثمة دستور لليهود وآخر للعرب. علينا ان نتمسك بتلك القاعدة الذهبية التي نعرفها جميعا لتكون نبراسا ينير لنا الطريق ، تلك القاعدة التي تقول : ((توراة واحدة، وقضاء واحد، يكون لكم وللغريب الذي يساكنكم)). من الطبيعي ان ما سيحكم نظرة العالم الينا انما هو طريقة تعاملنا مع العرب.

اما كلمة (جير) التي وردت اعلاه وتلفظ بالجيم المصرية فلا يقتصر معناها التوراتي على عبارة (غريب) التي وردت اعلاه.. فقد وردت هذه العبارة في التوراة في مواضع عدة .. وعند الحديث عن وضع غير اليهود في ارض اسرائيل تبرز دائما قواعد فقهية تداولها علماء يهود على مر التاريخ اليهودي.. وترتكز على آيات قطعية من قبيل (أحبوا جاركم الغريب فقد كنتم أغرابا في ارض مصر).. وعبارة (جير) او (غير) تمثل (الغير) وهو ليس بالضرورة نقيضا لـ (نحن) اي الشعب اليهودي.. وقد ذهب علماء الدين اكثر من مذهب في تفسير عبارة (جير) فمنهم من عمم فقال إن هذا التعريف ينطبق على كل من يسكن في ارض اسرائيل من غير اليهود وعليه يتوجب على اليهود ان يحبوا كافة هؤلاء.. ومنهم من قال إن عبارة (جير) تنسحب على كل انسان ينتمي الى شعب آخر ويقوم طواعية بالفرائض اليهودية او يقوم بـ (فرائض نوح) كحد ادنى فيشهر ذلك امام محكمة شرعية مؤهلة فهو بذلك ينضم رسميا الى شعب اسرائيل او في أقل الحالات الى ملة (ابناء نوح)...

وثمة من ذهب الى ان عبارة (جير) مشتقة من كلمة (مهجير) اي مهاجر.. بدليل ان الكنعانيين وهم من ابناء البلاد لم تنعتهم التوراة بوصفهم (جيريم) ، كذلك البلست الذين استوطنوا الشريط الساحلي لم تدرجهم التوراة ضمن الـ (جيريم) ، فيما نجد ان التوراة تعاملت مع بني اسرائيل ذاتهم بوصفهم (جيريم) بعدما هاجروا الى مصر وبقوا فيها ردحا من الزمن قبل ان يقفلوا عائدين الى ارض اسرائيل ، بل حتى موسى سيد الانبياء وصف نفسه باعتباره (جير) لخروجه من مصر وزواجه من مدينية نسبة الى مدين ..

اما موقف اليهودية من سكان ارض اسرائيل فواضح .. سواء كانوا يهودا او غير يهود ... فالديانة اليهودية تحرم عبادة الأوثان في ارض اسرائيل ، وعليه فلا مكان لعبدة الاوثان في ارض اسرائيل .. فما هو الحد الادنى اذن الذي تطلبه اليهودية من غير اليهود ؟؟ في هذه الحالة يتوجب على كل انسان، يهودي وغير يهودي، ان يطبق الفرائض والاركان الاساسية التي لا تقوم ديانة سماوية بدونها وتسمى هذه الفرائض في الديانة اليهودية (سبع فرائض أبناء نوح) ، من هنا خلص العلماء السلف الى نتيجة مفادها ان لقب (غير) او (جير) ينطبق فقط على كل من يؤدي فرائض ابناء نوح كأقل تعديل ....

واما مجموعة الفرائض التي تسمى فرائض ابناء نوح فان اسمها يوحي بان الله فرضها على كافة بني البشر ، فكل بني البشر بعد الطوفان هم ابناء نوح ، وتتلخص هذه الفرائض في التعاليم التالية :

1. يتوجب على كل مجتمع بشري ان يعين مجلس قضائي لتطبيق القانون والعدل

2. حُرّم على الانسان كل انسان النيل من الذات الالهية

3. البراء من عبادة الاوثان والشرك

4. حُرّم على الناس جميعا سفاح المحارم

5. حرمة قتل النفس

6. تحريم السلب والنهب والنصب

7. حرمة استئصال وأكل اعضاء حية

والسلام ختام