صارت الأشواق خطايا تكلّفنا غاليا لو حمّلناها همّ المسافات..
ها هي العصافير على غير عادتها،
توقّفت فجأة عن الغناء ، و استلّت صوتها لذبحي
كيف لي نسيان آهاتها و هي ترقب عمري..
و تصحو تتتبّع حبّات المطر على وجهي.
ذنب من ؟ تساءلت العصافير
******************************************
أيّتها الفاكهة المقدّسة ، فجّرت في قلبي الينابيع ، فرحماك ردّي لإسماعيل حنانها و لمسة الأب على يديه....
من أنا ؟
و هذي المرايا تتعثّر أمام جنوني ؟
تسرقني اللّحظات فلا أتعرّف على كفّ يدي و لا على لون العصافير الّتي استكثرت على قلبي بعض الغناء.
من أنا ؟
و داخل عمري تجاويف عذاب تتكاثر منذ سنين ، لم أعرف أنّ الرّبيع يتلوّن دمعا و أسى، و لم أعرف كيف تسرّبت لعنة " الجورنيكا" إلى صباحاتي المتثائبة..
هل كان بيكاسو يرسم آلامهم على زمني ؟ أم هو لوني الّذي أخفته سعادتي المزيّفة ؟
من أنا يا سيّدي الّذي تلحّ في رصد أيّامي ، و تجازف خلف المسافات تتتبّع خطواتي المذعورة ؟
لا تغرق سفنك في بحري العميق ، فأنا لم أعرف نفسي بعد ، لم أعرف نقطة التّحوّل في عمري ....
و أندهش كيف أتنفّس بعد غياب الأكسجين في هواء مدني ؟ أندهش كيف تتواصل الحياة في دمي
و هو الّذي جفّ مرّتين ، و ارتسم خطّ النّهاية على شاشاتهم المرعبة ..
لا ترسم آهاتك على نوافذ الانتظار ، فالغريق أنانيّ بتهوّر ، يهوي إلى القاع و معه جواهر قلبه الثّمينة.
يا سيّدي ... !
أنا لا أعرف عنّي غير التّراجع و الانكسار، و مواقد نار باردة ، خذلها الشّتاء فسلّمها للنّسيان.
ليس لي سوى بعض الذّكريات عن طعنات و دمع وداع ، عن موتى غادروني بلا رحمة ..
لا أعرفني ...
كيف تسقط القلوب من حولي فلا تحدث أثرا على مسامعي ، و تنزف الحروف فلا يحرّكني نزيفها ؟
تطفو" الرّمّانة " فتقلّب مواجعي و تعيدني إلى واحة الحزن الكبير؟
كيف لهم أن يُسكنوه تحت جسر بارد مع جثّة الماضي الهامدة ؟
كيف لهم أن يعمّقوا جراحه و يلتهموا طفولته كفاكهة مقدّسة ؟
كيف لهم ذلك ؟
وأنت سيّدتي أسميته و منحته عناقيد السّلام..
أيّتها الأسطورة الأمازيغية أدخلته دوائر الحزن ، وأسكنتني خلف السّياج أراقب رمّانتك النّازفة كقلبي.
ما أشقاك أيّها الصّغير، الكبير !وأنت تصارع لحظات الفراق، و حولك كلاب تعوي فتزيدك رعبا وفزعا.
ما أشقاك إسماعيل بهذه الحياة الّتي رفضت طفولتك و حمّلتك هموم الكبار.
حرّكتني مشاعرك فوددت أن أستدرجهم نحو المشرحة ، هاهنا جثّته المجمّدة ...
في المدينة الّتي سرّبت أسراري ، فسبقتني همومي إليهم ، جثّته هنا ، و هو الفرح الكاذب في ذاكرتي ، ببدلته البنّية و نظرته العميقة ، و الشّتاءات الّتي شهدت حكايتنا..
ما أشقاك إسماعيل !تشبهني أحزانك و الموت الّذي لم تفهمه بعينيك الغائرتين.
أيّها الصّغير الباكي ....
دمعك و أنا و صاحبة النّزيف ندور معا في سماوات أحزانك،نحاول أن نصنع لك عشّا دافئا و نحيي الماضي كي يضمّك و يقبّل جبينك البارد ، يمنحك لهفة الأمّ و هدايا الأب الّتي لا تعرفها.
أيّها الصّغير المتشرّد بعيدا عن عيون الكبار، و الحفلات الرّاقصة المذيّلة بمواعيد الخيانة ....
بعيدا عن وجوه الأمراء و خلفاء العصر الحديث ، الّذين ذابوا كالجليد تحت السّيقان العارية ، و أبهرتهم الشّفاه المنفوخة بحقن التّجميل..
بعيدا عن موائد الطّعام الفاخرة ، و حمّامات السّباحة المغطّاة بأوراق الياسمين ، بعيدا عن الأفرشة النّاعمة و الأزرار الّتي تغيّر الفصول و تطيل مواسم الغناء ، بعيدا عن جنّتهم المزيّفة تعيش واقعك و كلاب الصّيد تحاصر ماضيك المسجى ..
بعد كلّ هذا كيف أعرفني ؟
و أنا مازلت خلف السّياج أراقب من بعيد نزيفها و جراحك ، أحاول الخروج من هذه التّجاويف الّتي وثّقت رباطي و أسرتني ، و ذاك القلب يتبعني يفتّش عنّي رغم غروب شمسي و انهياري.
لا أعرفني يا صغيري ..
فأعيد لمشهدك ألوانه و فراشاته و ضمّة المرأة الّتي أحبّتك ،لا أعرفني يا إسماعيل ، كي أكوّر لك قمرا يضيء عمرك و شمسا تذيب الجليد من حولك ،سامحني فأنا تتبعني حكايات موت و دمع و وداع ، تتبعني خطوات ظلّي المنكسرة ، و معركة خاسرة لم يبق منها سوى بعض البقايا ، و خربشات حزينة لامرأة مهزومة ، قاومت زمنا ثمّ استسلمت لريّاح قويّة.
ليلى عامـــــــــر
23 سبتمبر 2010
التعليقات (0)