مواضيع اليوم

أنا والليل ... وثمة شيء من الجنون

فارس ماجدي

2010-05-01 10:49:10

0


 

جئت لأقول كلمة، وسأقولها، وإذا أرجعني الموت قبل أن ألفظها تقولها السماء حين تهل دموعها الثقال مطرا يغسل ذاتي ....
وكلمة مارقة ماكرة في مسامع المدنفين
ونسمة أنسية حالمة في قلوب المتعبين
ونورا سنيا يهدي التائهين
الى الضلال والمروق
في القلب جمرة
وفي الرأس خمرة
والروح سكرى من فيض الآلامها
والقلب كسير ....
أتصور ذاتي في لحظة هاربة من رجع صدى الكون الغارق في سباته . صدا يطوف على الآفاق لكنه صدا أخرس .....
أصرخ صراخ الطائر الجريح
منحدرا نحو الهاوية السحقية غيابا ، وحضورا وتجردا من رداء العقل ... وأقماط الذات
هنا ترحل ذاتي ........
إلى ما وراء نقاط الانفصام باحثة عن أصل وطبيعة الرمز والتعلل والرؤية والعجز والاستحالة، أوليس القصد من الوجود أن يفهم هذا الوجود .
، أيها الكون ألقي في روحي بذرة من بذور حكمتك لتنبت نصبة في غابتك وتعطي ثمرًا من ثمارك، فأنا لا اقدر على تحديد الفكر والعاطفة ولكنني كائن يعرف أنه يعرف وكلما ازداد معرفة ازداد عماء ...
إن الحقائق العظيمة هي عظيمة ولكن بواسطة اللغة
بواسطة الكلام البشري المتعارف عليه، لكنها تختار السكينة بين النفوس. إن أعطيت النفس الصمت.......
اقتحمت غمرات الليل وفضضت سكونه
أنا هو الجوهر الفرد طارت نثار نفسي هناك
واستحالة هباء
في سجف الخيال ثمة معنى .... أي معنى يقتات وجوده من الحرف
وتغذوه الكلمة ....

ذلكم هو سطر قد خط وفضت بكارته وانتهكت حرمته
ما زلنا في مطلع الرسالة في مستهلها في اطلالتها المنذرة
لفك إسار المعنى من قيود الزمان والمكان، لاختزال المعنى إلى كل المعاني ولإسقاط مجموع المعاني على كل معنى. وهاهنا يتفجر التساؤل مرة أخرى: أين
وجهي، افتقدت أناي، فهل ؟

إننا نخطئ إذ نشتق المعنى نفضه نمزق براءته ونهتك عذريته ....
تزعم كل فكرة أنها البداية بقدر ما هي النهاية غير آبهة بالمعنى الذي لا وجود له دونه. إن الفكرة لتذهب إلى حد إسقاط المعنى.
إيه....
أيها الجبار الواقف بين أقزام غيوم المغرب وعرائس الفجرالوضيء ، المتوج بالقمر، المتشح بثوب السكوت، الناظر بألف عين إلى أعماق الحياة، المصغي بألف إذن إلى صوت العدم القادم من هناك ..........
أنت أيها الليل أيها المارد الجبار انت ايها البهاء الذي
يرينا أنوار السماء...........
، أنت أمل يفتح بصائرنا أمام هيبة اللانهاية، .
بين طيات أثوابك المتشحت بالسواد
يسكب المحبون أنفاسهم، وعلى قدميك المغلقتين بقطر الندى يهرق المستوحشون قطرات دموعهم،
وفي راحتيك المعطرتين بطيب الأودية يبث
الغرباء تنهدات شوقهم وحنينهم، فأنت نديم المحبين وأنيس المستوحدين ورفيق الغرباء والمستوحشين.
في ظلالك تدب عواطف الشعراء، وعلى منكبيك تستفيق قلوب الأنبياء، وبين ثنايا ضفائرك ترتعش قرائح المفكرين، فأنت ملقن الشعراء والموحي إلى الأنبياء والموعز إلى المفكرين والمتأملين.
لقد صحبتك أيها الليل حتى صرت شبيهًا بك، وألفتك حتى تمازجت ميولي بميولك، وأحببتك حتى تحول وجداني إلى صور مصغرة لوجودك، ففي نفسي المظلمة كواكب ملتمعة ينثرها الوجد عند المساء وتلتقطها الهواجس في الصباح، وفي قلبي الرقيب قمر يسعى تارة في فضاء متلبد بالغيوم وطورًا في خلاء مفعم بمواكب الأحلام، وفي روحي الساهرة سكينة تبيح بمفاعيلها سرائر المحبين وترجع خلاياها صدى صلوات المتعبدين، وحول رأسي غلاف من السحر تمزقه حشرجة المنازعين ثم تخيطه أغاني المتشببين.
أنا مثلك أيها الليل،
أنا مثلك وكلانا رعشة ابدية حركتها يد عابثة
أنا مثلك ساكن حد الثورة الصاخبة وثائر حتى حد السكون
أنا مثلك وإن تهتك المساء على ذاته
أنا مثلك وإن لم يرصع الصباح أذيالي بأشعته الوردية.
أنا مثلك وأنت مثلي كلانا متشابهان .....
في عينيك كواكب وأقمار، وفي سكونك تهدأ البلابل والحساسين وتسكن حناجهرها الوردية لتنثر موسيقاك من قيثارتك الأبدية ممزوجة بهمهمات مياه الجداول العابثة وأنداء الخلود .

وحينما رفعت الكأس إلى شفتي ألفيتُها مِلحة كالدموع. فوضعتها جانبًا، وسألتك بحرقة العطاش وحيرة التائهين:
- "دموع مَن في الكأس، أيها الليل
فما أعطيتني جوابًا.


وما هي غير ساعات قصيرات حتى وجدتُني قابعًا في زاوية من زوايا بيتي، وأمامي موقدٌ فيه حطبات نحيلات تلحس أبدانهنَّ ألسنةُ نار لعوب طروب، فيقهقهن ويزغردن، وتطفر منهنَّ قلوبُهنَّ شراراتٍ راقصات، ويرسب ما تبقَّى منهنَّ في أسفل الموقد رمادًا بلا حراك.
والريحُ في ثورة وجنون، والبرقُ ينهش جِلد الجَلَد، والرعدُ في غضبة الموتور، والبَرَدُ كأنه وابلٌ من الرصاص، والظلمةُ قد دغمت الأرضَ بالسماء.
وعندما خمدتْ أنفاسُ ناري، ونضب الزيتُ في سراجي، أويت إلى فراشي – وكان كأنَّه من جليد – وقلت في نفسي: هنيئًا لمن له مأوى وفراش في مثل هذا الليل، وإن يكن مأواه من طين وفراشه من جليد!
لكن نومي كان سهادًا، وكان سهري وإياك جهادا ألقيت بعواصفك الهوجاء الى مكنون ذاتي وضلت عواصفك
تدور وتدور، نافخةً بأبواق الجنِّ صافرةً صفير الهاويات السفلى، معولةً عويل الثكالى، عاويةً عواء الذئاب، زائرةً زئير الأسود، صاخبةً، ناقمةً، مولولة. وللرعد قصفٌ ودويٌّ وترجيع، وللبَرَد على سطح بيتي ونوافذه وجدرانه قعقعةُ آلاف الطبول يرشقها آلافُ الصبية بالحصى، وللصقيع في بدني لسعاتٌ موجِعات.

عبثًا حاولت أن أصمَّ أذنيَّ دون الفحيح والصفير، وأن أزرع فيهما أغاني الجنادب، وزقزقة العصافير، وحفيف الأوراق، وخرير الجداول، حتى نقيق الضفادع في ليالي الصيف المقمرات. فما كنت أسمع غير هدير الرياح وزمجرة الرعود.
فرأيتني صغيرًا، وصغيرًا جدًّا، ورأيتني ضعيفًا، وضعيفًا جدًّا،
وكان آخر لليل – ولكلِّ ليل...... آخر ....... كان آخر اخرك صبَّحتْني بمثل ما مسَّتني من الضجيج والصخب، وبزمهرير أشدَّ من زمهرير المساء. وما بُحَّتْ لها حنجرةٌ ولا وهنتْ عزيمة.

ابها الليل
في وسط الكلِّ، ومن حول الكلِّ، ومن فوق الكل، تغمرهم ببسمة من بسماتك، وتُحْييهم بنسمة من نسماتك، وتهمس في كلِّ أذن من آذانهم:
"مَنْ لم يرتوِ بدموعه لن يرتوي إلى الأبد"
"مَنْ لم يتغذَّ بقلبه لن يشبع إلى الأبد"
"ومَنْ لم يُحرِقْ عينيه لن يبصر إلى الأبد"
والذين ما سمعوا وما فقهوا اليوم سيسمعون – لا شكَّ – في الغد يفقهون.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !