بينما كنت مهموما أتابع الاخبار وثوراتنا وسفك دماء الكثير من إخواننا سواء في فلسطين أو العراق أو سوريا وكثير من بلاد المسلمين وما أصابهم من مصائب، خاطبتني نفسي قائلة: يا هذا، أنت من يؤخر النصر عن هذه الأمة، بل وأنت سبب رئيسي في كل البلاء الذي نحن فيه !
قلت لها: أيا نفسي كيف ذاك وأنا عبد ضعيف لا أملك سلطة ولا قوة، لو أمرت المسلمين ما ائتمروا ولو نصحتم ما انتصحوا ..
فقاطعتني مسرعة: إنها ذنوبك ومعاصيك وتقاعسك وسلبيتك إنه زهدك عن دينك وعملك وأخوانك
قلت لها: وماذا فعلت أنا حتى تلقين عليّ اللوم في تأخير النصر ..
قالت: يا عبدالله والله لو جلست أعد لك ما تفعل الآن لمضى وقت طويل.
قالت : كيف تدّعي قدرتك على الجهاد ضد عدوّك والانتصار لدينك، وقد فشلت في جهاد نفسك أولا، كيف تطلب النصر، وأنت الذي لم يأتمر بأوامر الله ولم ينتهي بنواهيه، ولا متقنا لعمله ،ولا مساعدا لاخوانه، ولا ناصحا لاسرته وأحبائه؟
واستطردت: كيف تطلب تحكيم شريعة الله في بلادك، وأنت نفسك لم تحكمها في نفسك وبين أهل بيتك، فلم تتق الله فيهم، ولم تدعهم إلى الهدى، ولم تحرص على إطعامهم من حلال، وكنت من الذين قال الله فيهم: "يحبون المال حبا جما"، فكذبت وغششت وأخلفت الوعد فاستحققت الوعيد ..
قلت لها مقاطعا: ومال هذا وتأخير النصر؟ أيتأخر النصر في الأمة كلها بسبب واحد في المليار ؟
قالت: آه ثم آه ثم آه، فقد استنسخت الدنيا مئات الملايين من أمثالك إلا من رحم الله.. كلهم ينتهجون نهجك فلا يعبأون بطاعة ولا يخافون معصية وتعلّل الجميع أنهم يطلبون النصر لأن بالأمة من هو أفضل منهم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع سواء إلا من رحم رب السماء .. ما بالك بأمة واقعة في الذنوب من كبيرها إلى صغيرها ومن حقيرها إلى عظيمها .. ألا ترى ما يحيق بها في مشارق الأرض ومغاربها ؟
لم أكن أتصوّر ولو ليوم واحد وأنا ذاك الرجل الذي أظُنُه أحب الله ورسوله وأحب الإسلام وأهله،كيف أكون سببا من أسباب هزيمة المسلمين .. أنني قد أكون شريكا في أنهار الدماء المسلمة البريئة المنهمرة في كثير من بقاع الأرض ..
لقد كان من السهل عليّ إلقاء اللوم، على حاكم ورئيس، وعلى مسؤول ووزير، لكنني لم أفكر في عيبي وخطأي أولا .. ولم أتدبّر قول الله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
فقلت لها: فبماذا تنصحين ؟
فقالت: ابدأ بنفسك،صحح عقيدتك، إحرص على طاعة الله،جاهد نفسك،أنصر الله في حياتك ..في زوجتك..في أبنائك..في أهلك..في مجتمعك..في عملك، لا تترك فرصة تتقرّب فيها إلى الله ولو كانت صغيرة إلا وفعلتها، وتذكر أن تبسّمك في أخيك صدقة، لا تدع إلى شيء وتأت بخلافه فلا تطالب بتطبيع الشريعة إلا إذا كنت مثالا حيا على تطبيقها في بيتك وعملك ومجتمعك، ولا تطالب برفع راية الجهاد وأنت الذي فشل في جهاد نفسه، ولا تلق اللوم على الآخرين تهرّبا من المسؤولية، بل أصلح نفسك وسينصلح حال غيرك، كن قدوة في كل مكان تذهب فيه .. إذا كنت تمضي وقتك ناقدا عيوب الناس، فتوقّف جزاك الله خيرا فالنقّاد كثر وابدأ بإصلاح نفسك .. وبعدها اسأل الله بصدق أن يؤتيك النصر أنت ومن معك من العاملين ، وكل من سار على نهجك، فتكون ممن قال الله فيهم: " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقداكم " .. واعلم أن كل معصية تعصي الله بها وكل طاعة تفرّط فيها هي دليل إدانة ضدّك في محكمة دماء المسلمين الأبرياء ..
رفعت رأسي مستغفرا الله على ما كان مني
وقلت يا رب .. إنها التوبة إليك .. لقد تبت إليك ..
التعليقات (0)