كنا نحن العراقيين أيام نظام الطاغية نتجنب بشدة أقحام أسم صدام أو أفراد عائلته أو أسم حزب البعث في أي نقاش علني عادي خوفا من بطش أزلام هذا النظام العفن . فلقد كانت تهمة سب (السيد الرئيس) أو (الحزب) من أشد التهم فتكا بالعراقيين مهما كانوا . وكانت أسهل طريقة للتخلص من أي شخص بينك وبينه عداوة أو خصومة على شيء ما ، هي أن تتهم هذا الشخص بأنه قد سب الطاغية أو الحزب . فعندها سيذهب هذا الشخص الى الموت تحت التعذيب لامحالة .
ولاأعتقد أن هذا الأمر بغريب على المواطن العربي في جميع بلداننا التي يمكنه أن يسب داخل حدودها حتى الذات الألهية "والعياذ بالله" دون أن يجرأ على سب الذات الملكية او الأميرية أو الرئاسية .
هذه الذكريات المؤلمة والحقائق المقززة قفزت الى رأسي وأنا أستمع الى التقارير الأخبارية اللتي حللت ونقلت خبر أستقالة عميدة الصحافة الأمريكية " هلن توماس " ذات التسعين عاما ،
لايمكن أن تغيب دلالات سكوت هذه المرأة ، وأمتناعها عن التعبير عن رأيها لمدة تسعين عاما قضت أكثر من ثلثيها في مهنة الصحافة ، مهنة التعبير عن الرأي ؟! . ما اللذي يسكت هذه المرأة اللتي تتبوأ عمادة السلطة الرابعة اللتي هي الأقوى من بين جميع السلطات في بلدان الغرب الديموقراطية ؟.
فما أن قالت هذه المرأة الحقيقة وكشفت عن سريرتها اللتي ترفض أن تسرق عصابة من اللصوص اللذين أنسلوا من ألمانيا وروسيا وبولندا ومن كل حدب وصوب ليسرقوا أرض شعب شبه أعزل تحت تهديد أحدث ما توصل اليه البشر من آلات الدمار وبمباركة الحاقدين على هذه البقعة من العالم اللتي باركها الله ، حتى أنهالت عليها تهم أقلها معاداة السامية "وكأن العرب ليسوا ساميين!" ، وعبارات التحقير والأستهجان . ولم يشفع لها تاريخها الحافل ولا حتى ظهور الرئيس أوباما وهو يشعل شموع عيد ميلادها الأخير ويقدمها بيده اليها لتطفأها وسط تصفيق جميع الصحفيين المتواجدين في غرفة الصحافة بالبيت الأبيض .
هذه المرأة سبت الحزب " حزب التآمر على أعداء الأنسانية اللذين يبيحون سرقة الممتلكات تحت تهديد السلاح " . فهي أذا تستحق أن تطرد من البيت الأبيض وأن تلوث سمعتها وأن تتهم بالخرف ومعاداة السامية (الصهيونية ) .
وهي أيضا قد سبت السيد الرئيس ( أسرائيل) . الذات العليا اللتي يمكن أن يسب الأله ، ولا يمكن سبها . وبذلك أستحقت هذه الصحفية أن تعدم معنويا . ونحن نعرف جيدا ماذا يعني الأعدام المعنوي في الغرب . أعدام يمكن مقارنته بالموت تحت التعذيب في سجون الطغاة .
كثيرون يعتقدون أن كرهنا للكيان الصهيوني والصهاينة هو كره نابع من صراع مادي ، أو صراع على قطعة أرض عادية كانت ملكا لشعب تربطنا به قربى أولها الدم وليس آخرها الجغرافيا والتأريخ واللغة والدين . وهذا أعتقاد ليس صحيح تماما .
أنا أكره الصهاينة ومن يحبهم لأنهم مثال حي قائم بيننا يكرس قيم الشر والبغض والظلم ، كما كرس نظام صدام هذه القيم المنحرفة في نفوس الضعفاء اللذين يفعلون فعله بالعراقيين اليوم .
أنا أكره الصهاينة ومن يحبهم لأنهم يعلمون الناس كيف أن قتل النساء والأطفال بالفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب بل وبالقنابل النووية حق لهم ، دون أن يكون لغيرهم الحق حتى بأمتلاك سكين مطبخ . تماما كما فعل صدام ونظامه بمدن العراق اللتي دكها بالصوارخ وبالكيمياوي وكأنها مدن الأعداء .
أنا أكره الصهاينة ومن يحبهم لأنهم يعلمون الناس أن سرقة الأرض وأنتهاك العرض والسطو المسلح هي وسائل مقبولة لأن نغير ملكية أي شيء لانملكه في هذه الدنيا ليصبح ملكا لنا مثل ما كان خال الطاغية وأعمامه يسلبون العراقيين ملكياتهم دون رادع .
أنا أكره الصهاينة ومن يحبهم لأنهم يعلمون الناس أن أستخدام السلطة والرشوة وشراء الذمم بالمال هي شيء حلال ، يمكن من خلاله تغيير أي حكم قضائي يدين السارق والقاتل ، أو يوقف تنفيذ أحكام القضاء بفيتو على أقل تقدير . وهذا ما كان يفعل أقارب صدام وعشيرته .
ومثل ما كان العراقي يموت تحت التعذيب أذا ما تجرأ وسب الطاغية . ها هي "هلين توماس" تموت معنويا بيد الجلادين . لأنها سبت الطاغية عندما قالت أن فلسطين هي ملكية خاصة سرقها الغرباء من أهلها بالأكراه وتحت تهديد السلاح .
أن صراعنا مع الصهاينة هو صراع عقائدي لا مادي . صراع من أجل الأنسانية والقيم النبيلة . صراع الحق مع الباطل . ولهذا ربط سبحانه وتعالى "ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" بين الحق والقيم الأنسانية السامية وبين تدمير هذا الكيان الطاغية .
"لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا عبد الله - أو يا مسلم - هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله". صدق رسول الله .
ولأني أكره الطاغية وأزلامه كما أكره كل الطغاة ، فأني أكره أسرائيل .
التعليقات (0)