كان يوما ماطرا و كنت رفقة صديقتي نتحدّث عن حالنا و كيف تغيّرت الظّروف و صرنا لا نهتمّ حتّى لأقرب النّاس إلينا تأثّرت كثيرا حين أخبرتني عن حكايا جدّتها....
كتبت هذه المحاولة و لم أدر إن كانت قصيدة نثريّة أم خاطرة
نشرتها في جريدة الجمهوريّة الأسبوعيّة بوهران .
جدّتك تعيد الحكاية
و أنت تحلمين بالوليّ القادم
تكفكفين دموعك و ترحلين
إنّهم استعادوا الأرض وزّعوا مناشيرهم
مابين الثّوب و الجلد
ينتظرون الأمير الصّغير
خلف سحابة خريف نازف
و أنت تحلمين
تنامين ..
خلف الحقائق المرّة
تودّين لو أنّ سفينة نوح عادت ...
تنتظرين ولي العهد القادم
الجدّة مبتسمة تنشر عطرها على المارّين
تحكي بجنون عن نوح
عن المرأة الّتي ثارت داخل السّفينة
و الغراب المنبوذ
و ألف جريمة و ألف جريمة ...
و هذا المساء ..
أنا قاتلت رجلا تسلّل إلى مدينتي مغرورا
مدينتي ترفض البكاء
ترفض الغناء
ترفض أن يحبّ الإنسان ساعة الموت و الميلاد
و يبكي على الحبّ القديم ....
مدينتي الهاربة حذّرتني من النّفاق
باعت شوارعها للبحر و انسحبت
تعانق قبّة الرّحمان...
و أنت تنتظرين السّفينة و الأمير
جدّتك تصرخ خلف صور المدينة
(حاصروك مزّقوا فيك وشاح الإنتصار
صلبوك يا ابن البحيرة المهجورة
لماذا لم تدخل قبل هذا اللّيل ؟
لماذا انتظرت مساء الشّؤم و الغياب ؟
رجعت تأكل بقايا الحلم المرفوض ...
تبعتك حكايتي الطّويلة , طاردتك ضفيرتي ...
طفولتي ....
شهرزاد بكت للمرّة الأخيرة ....
قرأت آية الكرسي و نامت ...
جئت يا ابن البحيرة المهجورة ....
تحمل في أعماقك أغانيك الحزينة ...
و نايا يغرّد بين الخطوات و الآهات...
تحاول أن توقظ المدينة ...
تحكي الذّكريات ...
عبثا يعود المطر , و نسيم الشّم البارد ...
شوارع المدينة خاليّة ....
نام الجميع ....
هي ترتعش في أعماق حلم دافئ ...
و الصّغار يستلطفون حكايات ألف ليلة و ليلة ...
لن يرحمك فراغ المدينة
عد يا ابن البحيرة المهجورة
عد إلى قفصك القاتل ...
مدينتي لفظتك
رفضت دموعك الزّائفة ...
رفضك كذبك ....
رفضت حروفك المرتبكة ...
مدينتي المجنونة
تبارك جنودها الواقفين على جسر الذّكريات
تصلّي و تموت
تموت حتّى آخر الكلام )
جدّتك تقول الحكاية
و أنا أعرف البداية
أعرف كيف وقفت ذات يوم
أعدّ الشّرفات
أمتصّ في أعماقي
أمل الرّجوع إلى الله و الصّلاة
أنا أعرف البداية
أعرف موقع الجرح الكبير
كنت أجلس خلف النّوارس
أبشّر بيوم ماطر
كنت أعرف البداية
أعرف الهزيمة و الإنتصار
أعرف أنّ فرعون مات
مات الخليل
و رفع عيسى
جدّتك تعيد الحكاية
سيعود عيسى
ستصلنا السّفينة
نوح أتعبته الخلافات الثّنائيّة
و الولد المتسمّر على قمّة الجبل
نوح أتعبته أنّه عاش طويلا
و لم يقس على المدينة
و أنت تنتظرين ولي العهد الآتي
تنتظرين من يمدّ مفتاحا
لهذه الأرض الحزينة
من يعطينا مخطوطات الطّب و الحكمة ؟
من يبيعنا ساعات الفجر الأولى ؟
من ينشرنا على صفحات القدر لنعرف العلّة ؟
جدّتك تعيد الحكاية
و أنا أعرف البداية
أعرف نهاية الحروب الأولى
مائة عام ألف قتيل و قتيلة
أعرف جنونهم
أعرف حكايات عشقهم القديمة
أعرف مدينتي حين ظُلمت
و حين باتت مظلومة
أعرف أنّ جدّي أكرم ضيفه
فاغتصبت أرضه
أعرف أنّه كان يلبس حزنه
يمشي كثيرا
و يرقص ساعة ميلاد ابنه
أعرف أنّه كان أسمر و طويلا
لا ينام من اللّيل إلاّ قليلا
أعرف جدّي المجنون
جدّي حين عجز عن حماية الصّلاة
استنجد بالمماليك
قتلوا فيه اللّغة
حكموه و حاكموه
لم يرحلوا إلاّ بعد أن قتلوه
أعرف جدّي
يرحل إليهم
يبحر في عيون النّساء
يرحلون إليه يستنزفون
ما أخفته الأرض عن السّماء
جدّتك تعيد الحكاية
و أنا أعرف البداية
أعرف مدينتي
أعرف جدّي
و أعرف ....
و أعرف ....
و أعرف .....
ليلى عامر وهران 1992
التعليقات (0)