.
ما هو الحب ؟
ليس هناك اتفاق علي تحديد معني الحب,
ربما لأنه استعصي علي التعريف,
وربما لأن أحدا لم يشغل فكره
بما قد يتصوره نوعا من( الترف الفكري) غير المفيد.
لكني وقد جعلت الحب قضيتي, منذ سنوات قليلة,
رأيت أن عدم وجود تعريف للحب
ينطوي علي امتهان لأسمي العواطف الإنسانية!!
ومصدر هذا الامتهان, أن الناس درجوا علي اطلاق اسم الحب,
علي أي علاقة بين رجل وامرأة!!
وترتب علي ذلك أن تداخلت الصور والمعاني,
وتدنت مفاهيم الحب إلي أدني درجة..
ولم يعد الإنسان قادرا علي( توصيف) مشاعره أو مشاعر الغير.
وهكذا رأينا من يسخر من وجود الحب,
لأنه مثلا اكتشف أن من أحبه. عذر به!!
ورأينا من يبكي علي حبيب غدر, أو هجر, أو فجر,
مع أن من مقتضيات الحب الأساسية,
الوفاء والقرب والتسامي. فلا غدر فيه ولا هجر ولا فجر!!
ورأينا المرأة بالذات تصغي لقلبها وإلي كلمات تظن أنها الحب..
حين تفيق, تجد أن أشياء كثيرة قد ضاعت منها..
كل ذلك لأن( معني الحب)
ليس واضحا, أو محددا.
والحقيقة أن الجانب الأكبر من مشكلات المرأة,
من خلال رصد دقيق لما يعرض لي من حالات وصلت إلي آلاف,
إنما ينبع من الاعتقاد( الوهمي) بأن ما عاشته المرأة,
كان( حالة حب)!!
إن السبب في هذا الخلط وذلك التداخل,
هو ان العلاقة بين المرأة والرجل تنطوي ـ في أغلبها ـ
علي بعض مظاهر الحب, كالشوق, وآلام البعاد,
واللهفة علي الوصال, وسهر الليالي والأرق!!
صحيح أن هذه بعض مظاهر الحب..
لكن منها مايصلح مظهرا لاعجاب, أو دليلا علي رغبة جنسية,
وعلامة علي( افتتان) بالجمال,
ونجد ذلك من مظاهر التقارب بين الذكر والأنثي.
من أجل ذلك لابد من الوصول إلي تعريف للحب,
يكون جامعا مانعا.
أي لا يختلط بغيره من العلاقات البشرية.
فلو قلنا إن الحب هو( ميل إنسان لإنسان بذاته)
فسوف يندرج تحت هذا التعريف, صور الإعجاب, والافتتان..
وصور التقارب بين أبناء الطائفة الواحدة,
وبين الغرباء في المهجر, وبين ذوي المصالح المشتركة..
وبين الوالدين والأولاد, والأسر بأفرادها!!
أي أن مجرد( الميل) ليس هو المعيار الدقيق لوجود حالة حب.
ولو قلنا إن الحب هو( الشعور بالارتياح لشخص معين),
لأندرجت تحت هذا التعريف عشرات الصور من
صور الارتياح بين البشر مثل الارتياح لشخص خفيف الدم
أو لمطرب أو لفنان معين, أو لمدرس, إلي آخر هذه الصور..
لكنها لا تدل أبدا علي وجود( حب)
من ذلك النوع الذي يسمو بالبشر.
ولو قلنا إن الحب هو
( الإحساس بالسرور أو السعادة مع شخص محدد)
فإن هذه التعريف غير واف بالغرض
لأنه يدخل في إطاره الأحاسيس الجنسية
واللقاء مع شخص ينفق عليك أو لمنحك هدايا أو مزايا...
وفي كل هذه الصور وغيرها كثير
نجد ان محورها يدور حول( سبب) للميل, أو للسرور
أو للارتياح أو للسعادة.
ولأن الصلة تدور مع المعلول وجودا وعدما
فإن انعدام السبب يعني انعدام النتيجة.
فإذا كان( يسرني) جمال الشخص
فإن سروري مرتبط بوجود هذا الجمال..
بحيث إذا فقد جماله فقدت سروري به.
وإذا كانت مظاهر سروري,
هي التشوق الجسدي لشخص بعينه فإن هذا التشوق
أو الافتتان سوف يفقد وهجه بمجرد تحقق الرغبة.
وفي كل هذه الصور
نجد أنه من السهل أن نطلق عليها( تجاوزا) اسم( الحب)..
أي أنه من السهل أو البساطة
أن تقول انك تحب هذه المرأة لمفاتنها أو لأنها مثيرة..
وعلي العكس, أن تحب هذا الواعظ, لأنه مقنع ولغته جميلة..
أو أنك تحب هذا الفنان لأن إبداعه يعجبك!!
نحن إذن نستخدم كلمة ( الحب)
استخداما دارجا في كل تعبير عن الميل أو الارتياح أو اللذة أو السرور.., ولاغضاضة في ذلك..
فأنت تحب( المانجو) او( تحب) خطيبتك أو زوجتك,
والفتاة تحب فستانها الابيض مثلا
, وتحب خطيبها الأسمر.
والفرق كبير
بين حب المانجو.. وحب الشخص..
لكن التعبير عن( الاستحسان) يتم بلفظ واحد, هو( أنا أحب)!!
ومن هنا كانت محنة الحب.. أو قل
, كانت النظرة المتدنية إليه من البعض
لكن ماهو تعريف الحب الحقيقي بين الذكر والأنثي!!؟.
ماهو المعني الدقيق للحب,
والذي لا يختلط بغيره من صور العلاقات بين المرأة والرجل.!؟
في اعتقادي بعد الملاحظة والتجريب والاستقراء,
أن تعريف الحب هو:
( انجذاب شخص نحو آخر, لأسباب غير معلومة بقوة قاهرة)!!
وعندي أن لفظ( الانجذاب) أفصح في الدلالة عن الحب من لفظ( الميل) وأقوي منه.
ثم إنه لفظ وثيق الصلة, بالسر الحقيقي للحب,
وهو القوة الكهرو مغناطيسية التي تنطوي
علي طرفين( جاذب) و(منجذب),
والتي تكمن في الإنسان وتتألف جزئياتها بين الطرفين,
بقوة إلهية لا يتحكم فيها الانسان!!.
ولا تكفي خاصية الانجذاب وحدها
, لأننا قد ننجذب الي الجميل.. أو المثير أو المريح..
لكن الانجذاب في الحب, محوره الأساسي, هو( انعدام السبب)!!
وانعدام السبب, يعني أن( المنجذب) لا يعرف لماذا انجذب!!
والجاذب أيضا لا يدرك سبب هذا الانجذاب.
وقد يندهش( الآخرون) حين لا يوجد( سبب منطقي) للانجذاب!!
قد يكون الشخص بلا أي مواصفات تلفت الانتباه.
ربما لا جمال فيه
ولا أناقة!!
ربما لا تناسب في العمر أو الديانة.
ربما لا وفاق ظاهريا لاي صفة بين الطرفين!!
هنا... حين نسأل( المنجذب), لماذا انجذبت أو أحببت فلانا!؟
نجد أنه لا إجابة عنده إلا كلمة( لا أعرف)!!
هذا هو انجذب الحب الحقيقي. هذه هي روح الحب.
هذا هو الوهج الذي سطع بقوة إلهية لا حيلة للبشر فيها...
تلك هي معجزة الحب!!
حين نكون امام منجذب, يعرف سبب انجذابه..
فلسنا أمام حالة حب حقيقية أبدا!!
فالذي( تجذبه) امرأة مثيرة, ليس في حالة حب لها..
انما هو في حالة حب لجسدها!!
لأنك إذا أحببت شخصا لا تعرف ما الذي جذبك إليه
فأنت تحب( الانسان) كله.
أريد أن أقول, إن الإنسان في تعريف مبسط,
عقل وروح, وقلب وجسد. وحين أحب العقل..
أو الروح..أو القلب, أو الجسد,
فأنا( محدود) في حبي بنطاق معين.
لكن الحب بمفهومه الشامل..
هو حب لهذا الإنسان! بعقله وروحه وقلبه والغلاف!!
أي والجسد!!
لكن لماذا.. لا أعرف!!
وقد يحدث( الانجذاب) مزدوجا, إما متزامنا بين الطرفين,
وإما أن يتأخر أحدهما عن الآخر.
والانجذاب الانفرادي هو أقصي أنواع الحب.
ذلك أن المنجذب, يرتطم بحائط من حقيقة تصفعه!!
فالطرف الآخر لا يشعر به ولا يحس.
والالتحام بين روح وروح, فيه سكون وهدوء.. وطمأنينة.. والتألف والتعارف بين جاذب ومنجذب,
فيه التحام بين اثنين, يندمجان في واحد...
فيهجع كل منهما للآخر, يذوب فيه ويتلاشي.. لنجد شخصية واحدة جديدة, مغموسة في عطر الحب!!
إن محنة المحب من طرف واحد, أنه منجذب بلا هوادة,
إلي حيث لا منتهي, إن ريحا تعصف به جذبا, بقوة هائلة,
إلي فراغ لا يسمع فيه إلا أنين الوحشة
ولا يحس فيه إلا بعذاب الاغتراب!!
يتحول المنجذب من طرف واحد, إلي طفل رضيع,
ألقت به أمه وسط عصف الريح موجعا بسياط الحرمان
التعليقات (0)