هي الوحيدة التي تسبح في الشرايين وفي الخيال وفي الأحلام وفي قصص العشق والغرام..
هي السيدة بحق .. وكأن لقب السيدة قد خلق لها .. ولم يعد يليق من بعدها لأحد سواها..
هي كوكب الشرق المضيء بنور الهوى والحب والعشق والوطنية والانتماء..
سل أي مصري .. بل سل أي عربي في المهجر..في الغربة.. حين تنقطع به الأسباب إلى أهله ووطنه ويشعر بوحشة الاغتراب ...
سله حين يتناهى إلى سمعه صوت أم كلثوم في قصيدة الأطلال ماذا يصيبه ؟!
سل عاشقاً مدنفاً تقلب على جمر الهوى حين تعترض أذنيه أغنية "فكروني" أو "هجرتك" ماذا يعتريه من أحاسيس؟!
أم كلثوم .. لحن العرب .. وقيثارتهم الخالدة.. ولغتهم الموحدة.. وقلبهم النابض حباً وعشقاً وهوى وعذوبة وحياة ..
هي التي وحدت العرب على اختلاف أشتاتهم .. ولهجاتهم .. ونوازعهم .. وأهوائهم .. وأمزجتهم .. وأفهامهم على حبها والإنصات الخاشع لصوتها والتدله عشقاً لقصائدها وأغانيها ..
ليلة الخميس من كل شهر .. يذوب الوطن العربي جميعه من محيطه إلى خليجه منصهراً في بوتقة الانتظار ..
الشعوب العربية جميعها في سوريا والجزائر والسودان والمغرب وليبيا والعراق وتونس والأردن وباقي أمة العرب ..
في هذه الليلة تخلو جميع شوارع الوطن العربي من المارة والعابرين .. تخال أن شعوب العرب قد هجرت أوطانها ..
تلتصق آذان الناس بالمذياع "الراديو" في المقاهي .. في المنازل.. في الشوارع.. في الحوانيت.. حتى في السجون ..
الكل في انتظار الحفلة التي ستشدو فيها كوكب الشرق .. السيدة أم كلثوم ..
وحين تنطلق أم كلثوم وتهتز حنجرتها وترتفع بالغناء..
وما أن تنتهي أم كلثوم من وصلتها حتى تنفجر الشعوب العربية صدحاً.. وترديداً.. واستعادة لموسيقى اللحن من بدايته وحتى نهايته ولكل حرف من حروف القصيدة أو الأغنية ولكل إيماءة وحركة وإشارة استشعرها المستمعون من أم كلثوم ..
أم كلثوم هي الوحيدة التي حفظ العامة والأميون والبسطاء لها ومنها وعنها أصعب القصائد وأعقد الأبيات من عيون الشعر العربي .. تجد الفهكاني والمدرس والمهندس والميكانيكي والخباز والسائق يتغنون بقصيدة الأطلال ..أو هذه ليلتي.. أو أغداً ألقاك ..أو أغار من نسمة الجنوب.. أو سلوا كئوس الطلا.. أو من أجل عينيك عشقت الهوى..
تجد الفلاح يحدثك "بطلاقة " مستشهداً بأبيات من قصيدة أراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني.. .. أو لغيرك ما مددت يدا أو سلوا قلبي.. أو رباعيات الخيام.. أو حديث الروح .. وغيرها وغيرها ..
أم كلثوم .. معجزة عصر.. وفخر مصر.. ولحن عصي على المحاكاة .. وأنشودة من أناشيد الخلود..
أم كلثوم قبضة من طمي النيل نحتتها أنامل السحر وصقلتها شمس الأصيل وروتها قلوب الشعب العربي حباً وشجناً وعشقاً .. وكللتها بتاج السمو .. وأجلستها على عرش أفئدتها ..
فكانت أم كلثوم .. أم كلثوم .. وفقط ..
كثيرون من الأجيال الحالية لا يعرفون الكثير عن حياتها وأثرها وتأثيرها .. والتحامها بقضايا بلدها ووطنها العربي..ورسالتها التي ترتقي بالمشاعر.. وتسمو بالأحاسيس .. وتنأى عن مشاغلة الغرائز.. والأهواء..
بل تخاطب القلوب بلغة السمو الروحاني والرقي العاطفي ..
رغم رحيلها منذ زمن بعيد .. إلا أنها لا زالت تتربع على عرش الغناء العربي كما لو كانت حية بيننا .. أغانيها لها السبق دائماً في البيع والتوزيع والاستماع..
لم تهتز مكانة أم كلثوم برحيلها بل بقيت درة تاج الغناء في عالمنا العربي.. .
لذا وجب علينا بعد هذا التمهيد أن نفسح مساحة نعرض فيها لأم كلثوم ..
التعليقات (0)