مرض ابن عمي ذات سنة ..قبل أكثر من عشرين عاما .. وكان يعاني من صداع نصفي شديد ، حتى انه كان يرتمي أرضا ، ويدخل في نوبة تشبه التشنج ، وكان في هذه الأثناء مجندا في خدمة العلم ( لمدة سنتين ).. وأنا أكبره بسنوات .. وكان بمثابة الأخ الأصغر .. وكنت انظر الى أمر رعايته كواجب تقتضيه الأخوة .. والسن أيضا ..
فذهبت به الى المستشفى العسكري وكنت يومها موظفا ، وشرحت حالة ابن عمي لطبيب الحالات الطارئة ، ولاحظت عدم انتباهه لكلامي ، واخذ يكلم ابن عمي ويتجاهلني ، ثم اقترب منه طبيب آخر ، وراحا يمطرن ابن العم بسيل من الأسئلة التي لو كانت لصحيح الجسم غير عليل لضاق بها صدره ، وفقد صبره ، وثارت ثائرته ..
ثم اجمعا على أن المجند ( وتكلما هذه المرة مع بعضهما البعض باللغة الانجليزية الركيكة ) وقد ظنا أن من يسمع لا يفهم ..
وتلك حالة نصادف منها الكثير أثناء المراجعات الحكومية .. حيث يبادرك الموظف بكل استهتار وهو لا يعرف انك ربما تكون اعل منه درجة وشهادة وفهما .. المهم اجمعا اثنا حديثهما على أن المجند ( ابن عمي ) متمارض لغايات الحصول على إجازة طبية ، ربما تعفيه من أيام من الخدمة العسكرية الإجبارية .. وبناء عليه كتب له الطبيب على ورقة اسم الدواء ( وكان اسبرين ) .. ورجعنا مثلما ذهبنا .. وهو يعتصر ألما .
وعندما وصلنا البيت ، ربطت خالتي ( والدته ) رأسه بمنديل .. وراحت عمتي تقرأ أية الكرسي والمعوذات .. واتبعتها بدعوات وقراءات وكلمات لست افهم منها حرفا واحدا .. وهي تشبه طقوس قبلية .. ترش خلالها بعض الحبوب كالقمح والشعير ( الذي كانت قد قرأت عليه قصة المولد النبوي الشريف ) ثم تنثر بعض رشات من الماء حوله وهو ممدد أمامها يتلوى ألما ..
غابت عمتي في حالة من القراءة .. أخذت معها تتثاءب نعسا ( وهذا من دلائل نجاح العملية ) ولان التثاؤب عادة معدية اخذ كل من في الجلسة وهم صامتون يتثاءب .. وهذا أيضا من علامات نجاح العملية .. التي تقودها عمتي باقتدار ودراية .. كنت قد خبرتها بنفسي أكثر من مرة .. حينما كان يصيبني ( حاسد بعين ) .. او امرض لسبب ما ..
تحت تأثر التعب نام ابن العم .. وظن الجميع انه قد شفي .. وكانت تلك من ثمار ما تقطفه عمتي من الثناء .. والمدح .. ومن بعدها الشعور بالتفرد والتميز على الآخرين .. حيث منحها الكثير من الاحترام والتقدير ليس الطقوس تلك وحده السبب ولكن بما تمتلكه من قدرة على الإقناع وثقة عالية بالنفس والكرم والشجاعة واتخاذ القرار الصارم السريع في الوقت المحدد .
بعد أيام سمعت عجوز تسعينية ، سوداء ، ( تعد من سلالة العبيد للعائلة قديما ) ... سمعت العجوز بما يحدث لابن عمي .. فطلبت أن تراه .. فأخذناه إليها أنا وابن عم لنا آخر اكبر منا عمرا ، ثم سألته عما يحدث له ، وماذا فعل كعلاج لهذا ، وهل استفاد منه ام لا ..
ثم طلبت منه أن يتمدد على ظهره أمامها : وقالت له : هل أنت ( زلمة ) قد حالك ، تتحمل الألم والوجع للحظات ، تقصد هل أنت رجل . فقال نعم ، تحسست مكان الصداع النصفي ( شقيقة ) ثم أخذت تضغط بالإبهام من مكان ما قرب صدغه . وكانت تتبع عرقا الى اسفل الرقبة ثم نزلت الى الفخذ فالساق فالقدم فإبهام القدم اليسرى .. وضغطت بقوة .. وقالت : هل تشعر بشي عندما اضغط هنا وضغطت الإبهام بقوة :
قال: نعم .
قالت : ضع يديك على جنبيك ، واستسلم بلا حركة .. ثم طلبت مني أن اجلس فوق صدره ممسكا بذراعيه .. وطلبت من ابن عمي الأكبر أن يجلس فوق ركبتيه ضاغطا فخذيه للأسفل ... وأعطته منديلا وقالت له عظ عليه .. وكانت خلفنا ( ظهورنا اليها ) فسمعنا ه يصرخ بأعلى صوته واستمر بالصراخ فترة ليست بقليلة حتى كأنه أغمي عليه .. ثم قالت انهضوا واتركوه قليلا .. سوف يرتاح .
كانت العجوز قد عضت إبهام ابن عمي حتى نز منها الدم ، وتركته ينزف نزفا يسيرا .. وقالت موضحة : هذا العرق اكتنز فيه الدم وزاد عن الحد ، فهو الذي يسبب له وجع الرأس .. ومن الآن لن يشعر بالألم ... كنت في داخلي مستهترا بكل ما تقول وتقوم به هذه العجوز .. ولكن كثرة من يرتادها للعلاج تفند ما انا اعتقده .. اليوم ابن عمي يعيش حياة سعيدة وهانئة .. ولم يشعر بالألم الذي عانى منه لسنوات كثيرة ..
اليوم ..تتردد في الأوساط الطبية .. العودة الى البيئة .. والعودة الى الطبيعة .. والعلاج الطبيعي .. وطبيب الأعشاب .. والإبر الصينية .. والحجامة ... وو..
رحم الله أم داهود رحمة واسعة .. كانت تعرف ما تقوم به .. واثقة من النتائج .. دون كبر او تكبر .. دون اجر فقط كلمة شكر ...
التعليقات (0)