كان الحلم متداخلا وباهتا وبالكاد يبين ، ذاك الذي راودني واستفقت منه على نداء بعيد وواضح ! .. النداء لم يختفي بعد عودتي إلى الواقع كما هو حال أغلب الكلمات التي نقولها أو نسمعها في الأحلام ، والتي ننساها وتختفي في النهاية ! .. ذلك النداء لم تنقطع به السبل في بوابة الزمن مابين الحلم والواقع ، وظل صداه يرتدّ داخل عقلي وكأنه يُلح عليّ أن أحفظه ! ..
(أُمّة الغضب) .. هكذا كان الصوت يتردد قويا ومجلجلا في رأسي! .. ورغم أنه كان سبب يقظتي من حلمي المتداخل إلا أن سماعه لم يفاجئني كثيرا ، لأن الوضع الراهن للأمة العربية تراءى لي ، وأوحى لي بمنعطف تاريخي في سيرتها كأمة مستكينة وضعيفة ، وخاضعة وخانعة وجاهلة بحقوقها ، وراضية بالذل وبالهوان ! ..
فالأمة العربية التي تقف على صفائح ساخنة من المحيط إلى الخليج جديرة بلقب (أُمة الغضب) ، لأن غضبها جعل العالم يقف مذهولا من رياح التغيير التي هبّت فجأة على المنطقة ، فلاقحت ما بين الشعوب والديمقراطية ، ووحدت ما بين الطوائف والقبائل والعشائر على كلمة حق واحدة في الحرية والإنعتاق من القمع والظلم والإستعباد ! ..
الأمة العربية التي لم تكن حتى وقت قريب سوى منبع للإرهاب العالمي ، وبؤرة للفساد السلطوي ، ومرتعا للدكتاتوريات ، والعائلات الحاكمة التي تستبد بشعوبها ويفعل أمراؤها في خدمهم ، وحيث يُقتل العبيد فيما لو رفضوا الإنصياع والرضوخ لنزوات الأسياد المنحرفة تحت تأثير المشروبات الغازية والنارية والشيطانية ، في فنادق أوروبا وفي مخادع المومسات والعاهرات حول العالم ! .. أصبحت تحتل واجهة الأحداث اليومية المثيرة والحضارية لوسائل الإعلام ، وحتى أعرقها وأرقاها التي كانت تتشدق بالحرية والديمقراطية ، وكانت تصور العرب على أنهم ليسوا أكثر من مهوسين بالمتعة والعربدة والجنس والإنبطاح ، أوهمج وإرهابيين متشددين ومتخلفين !..
الأمة العربية إستطاعت قلب عقليتها بطريقة فجائية إنطلاقا من القاعدة الشعبية ، واستطاعت إسماع صوتها بحناجر جماهيرها الطبيعية والمنزوعة الدعم من المايكروفونات ، فيما مرّغ الرؤساء والملوك كرامتها في الوحل بتأمينهم فيروس إسرائيل وإحاطته بجدران الحماية ، وبإنغماسهم في عبادة الدنيا ونسيان الحقوق والواجبات والحساب والآخرة ! .. وإستطاعت إستبدال آفيشاتها القديمة عن الخنوع والخضوع والإستكانة والجُبن والتخلف والرجعية ، في منتدى الأمم بأخرى جديدة كلها نخوة ورجولة وشجاعة وشهامة ! ..
الأمة العربية أثبتت بما لايدع للشك مجالا أنها ليست بن لادن والقاعدة ، وطالبان وقادة طائرات الحادي عشر من سبتمبر ألفين وواحد فقط ، بل هي أيضا شعوبٌ راقية على بساطة أحوالها ، وشريفة على مرارة أوضاعها ، وصبورة وكاظمة للغيظ على دموية الأنظمة وساديتها ! ..
الأمة العربية أثبتت ـ بشعوبها ـ أنها قد يتم تغييبها ، وقد يتم تهميشها وحتى الإنتقاص من شأنها ومكانتها ، لكنها في النهاية تنتصر لنفسها أيضا بشعوبها ، وبهم تنتفض من تحت ركام التسلط والطغيان ، وبحناجرهم تطلق صرخات الغضب من أجل الحق والإنصاف ، وبسواعدهم وصدورهم العارية تكسر أصنام المتألهين ورموز الجبروت ! ..
الأمة العربية أثبتت أن غضبها ليس لنفسها ، بل للحق في العدل والمساواة وفي الحرية والديمقراطية والعيش الكريم ! .. فهنيئا لنا بإنتمائنا لهذه الأمة العظيمة ، التي قد تخبوا لكنها أبدا لاتموت .. وقد تكبل إرادات شعوبها وتكمّم أفواههم ، لكنهم أبدا لايُصابون بعاهة (البُكم) الدائمة !.
فليس غريبا إذن أن تكون الهبّات الشعبية والثورات الجماهيرية بتلك القوة الكبيرة التي أطاحت بأقدم الحكام ، وبتلك السرعة الفائقة في إجتثاث أنظمتهم المعمّرة لعقود طويلة ، والتي لم تصمد طويلا أمام عمليات الإقتلاع الشعبية الفورية .. لأنها مشحونة بالحق ، وبه مدفوعة ، ومن أجله هي غاضبة .. وأنّى لشيء ـ ومهما كان ـ أن يقف في وجه الحق ؟! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 22 . 02 . 2011
التعليقات (0)