أمّا التّرابُ و من عليه ؛ فصارَ يخجلُني
(عن وطنٍ لم يعدْ لي)
I
هذا المساءُ مهيّأٌ ؛ ترِفٌ ، (فعولنْ) 1 مثلُ نهديها ، شجيٌّ مثلنا ، وقحُ الغرائزِ ربّما ، لصٌّ ، نبيٌّ ، مولعٌ بالفتيةِ الصُّلعانِ ، مشدودٌ إلى وتدِ الدُّعاءِ ، مقامرٌ . فاخترْ قرينَكَ ؛ و اضربِ المعنى بكعبِ (مفاعلنْ) و استهجنِ (الخبنَ) 2 الشقيَّ و قُلْ له : أنّى ... إلخْ .
II
قُلْ : للحديقةِ لا الحقيقةِ سوفَ نعبرُ . ما الحقيقةُ غيرُ غربتِنا و فانوسِ التذكُّرِ ؟! و التذكُّرُ عملةُ الخُسران دومًا : كيف كُنّا ؛ كيف كان النّخلُ أطولَ ، و السّما أصفى قليلاً ، كيف كان الحبُّ أحمرَ ، كيف سالَ الوقتُ حين الطّالباتِ بساعةِ (الحَلَّةْ) 3 الشهيّةِ ، و الجنودِ بربكةِ (النَّهضَةْ) 4 الشقيّةِ ، و (السّراي) بزحمةِ (الجُمْعَةْ) 5 الندِيّةِ . ثُمَّ يبصقُني التذكُّرُ خُردةً : إذْ كيف كان (اللهُ) يقبلُ أن يبيعَ المرءُ بابَ البيتِ و (السُّرگي) 6 لكي يحيَا بشكلٍ هامشيٍّ ليسَ أكثرَ ؟! للحديقةِ لا الـْ ... إلخْ .
III
الموتُ موتُكَ ؛ فارتكبْ ما شئتَ من (مستفعلنْ) نَشوى . (مفاعلتنْ) لمن رقصَ الحصانُ على ضلوعهِ ، (فاعلاتنْ) هنَّ ذاتُ الغافياتِ على التأمُّل هل يعودُ ؟ و هل سينجو ؟ لمن يريدُ الموتَ من شبقِ الحياةِ (مفاعلنْ) ، و (الخزلُ) للموبوءِ من (متفاعلنْ) أو بلدتي الـ كانتْ بلادًا تُشتهى ، و (البترُ) في حلمي الذي أمسى كـ (فَعْ) ، و (القطفُ) 7 في عاقولِ قلبكَ يا (فعولُ) . الموتُ موتكَ لا ... إلخْ .
IV
وطنانِ لا وجهانِ ؛ هل شاخَ الفتى ؟ يا قادحَ الذكرى اعترفْ : إنَّ البسالةَ تخذلُ (المِعتازَ) 8 ، و الحزنَ استوى خَتمًا لـ (مُختارِ المحلةِ) ، و الوضيعَ موكّلٌ بالنّفْسِ و الأموالِ و الثّمراتِ ؛ حيثُ (اللهُ) مشغولٌ بشكلِ نموذجِ (الحُصَّةْ) 9 الكفيفةِ .. ثُمَّ حدّثْني عن الشّوقِ الرّتيبِ ، عن البلادةِ في الحنينِ إلى وطنْ . وطني القصيدةُ | فكرةٌ | حزنٌ | أسىً .. أمّا التّرابُ – و من عليهِ - فصارَ يخجلُني . أخي ؛ في الفقدِ لا (مستفعلنْ) صمدتْ و لا حتّى ... إلخْ .
V
أئذا حلَمنا دونَ ترتيبٍ - يقولُ الوالهانِ - تميلُ رجفتُنا كدرويشينِ يرتكبانِ في شفقِ الدّفوفِ الرّعشةَ اليَقظى ؟ أ نصحو كي نرى أنّ الـ (هناكَ) مهادنٌ ؟ أغفو ؛ أضجُّ بـ : هل سنعبرُ ؟ ثُمَّ أسمعُ (هذا مو إنصافْ منّكْ) 10 إذ عبورُكَ ليسَ همًّا ؛ فالنّجاةُ هي المُنى ، فاعلمْ : نجاتُكَ في يقينكَ ، وعدُكَ الأشهى خيالُكَ ، موتُكَ العاديُّ يومُكَ ، صوتُكَ الموّالُ | حظُّكَ ، و القصيدةُ أمُّكَ ، المنفى أبوكَ ، الماءُ باسمِكَ ، و المدى قبضُ السّرابِ ، الرّملُ خطوكَ ، و الـْ ... فأصحو : هل سننجو أمْ ... إلخْ .
VI
أُمِّي تصرُّ - و دونَ معطىً واقعيٍّ - أنّ ربًّا سوفَ يفعلُ ما بوسعهِ كي يخلّصَ شعبَهُ (التّلفانَ) 11 . خُضنا في كلامِ (اللهِ) ؛ لا صوتٌ يؤانسُ ، لا هدىً . مُنِّيتُ ؛ فانفجرَ التّمنِّي : يا رداءَ الغيبِ لُفّكَ ، غَطِّ سوءتَنا | الجُذامَ . و قلتُ عاجِلْني : (أريدُ الموتَ كي أنسى قليلاً ما جناهُ البدو في عُرسِ اليتيمةِ) 12 . لمْ أمُتْ إلاّ لأحيَا ؛ كي أرى (الحفّايَ) 13 ما زالوا بلا (نِعلانِ) 14 ، صارتْ كلُّ أحلامي (نعالاً) يستحقّه شعبُ ربٍّ سوف يفعلُ ما بوسعهِ كي ... إلخْ .
VII
سأقولُ : فعلاً ؛ ها هو المعنى تكشّفَ ، و ارتدى زِيَّ المكيدةِ . فاحترِسْ ؛ و اخترْ مماتَكَ لا مساءكَ ، كُنْ حزينًا دون (طُوبى) 15 ، أو نديمَ الرّملِ في (وادي السّلامِ) 16 . انحرْ رُهابَكَ ؛ و اعتقِدْ أنّ المساءَ يصيرُ معقولاً ! و كيفَ - تقولُ جارتُكم – و في العينينِ ملحٌ ، في الأكُفِّ بقيّةُ الغُيّابِ . لا قمحٌ هناك يُشيّدُ المعنى ، و لا هذي السنابِلُ (فاعلنْ) . ليستْ بلادُكَ في البلادِ ، و لستَ أنتَ السّومريَّ الـ غابَ عن حِضني و عادَ ليُودِعَ النّشوانَ حِصّتَهُ | الدّلالَ .. و يشعلَ المأوى . (مفاعيلنْ) دروبُكَ ؛ أنتَ .. أنتَ زِحافُها . سكّنْ حنينَكَ ، حرّكِ المنفى قليلاً ، و انتبذْ من (فاعلاتنْ) بينَ نهديها ، و كُنْ شيئًا غريبًا | غامضًا مثلَ المساءِ الـ كانَ معقولاً ... إلخْ .
حَزيران – تمّوز | 2009
اللوحة للفنان والأديب العالمي الفرنسي | الصّيني :
Gao Xingjian
هوامش :
1 فعولن ، مفاعلن ، مستفعلن ، مفاعلتن ، فاعلاتن ، متفاعلن ، فعْ ، فعول ، فاعلن ، مفاعيلن : تفاعيلُ وردت على التوالي في سياق النص .
2 الخبن ، الخزل ، البتر ، القطف : زِحافاتٌ و عللٌ وردت على التوالي في سياق النص .
3 الحَلَّةْ : بالعراقية الدارجة تعني وقت خروج الطلبة من مدارسهم .
4 النَّهْضَةْ : مرأب مزدحم في بغداد | الرصافة ؛ لنقل المسافرين داخل العاصمة ، أو إلى بقية محافظات العراق .
5 السّراي : سوق الورّاقين كما كان يسمى سابقا . عمره يزيد على سبعة قرونٍ . يتصل بـ (شارع المتنبي) الشهير , حيث يشكل امتدادا له . و كلاهما رئة للمعرفة و الثقافة والأدب في بغداد . الجُمْعَةْ : يوم الجُمُعَة حيث ينشط سوق السراي و شارع المتنبي .
6 السُّرگي : بضمّ السين أو فتحها أو كسرها ؛ تشير بالعراقية الدارجة إلى قفل الباب ، أو إلى جزءٍ من مكونات قفل الباب .
7 القطفُ علّة تلحق بالعَروض و الضّرب ؛ وهو إسقاطُ السّبب الخفيف و تسكينُ ما قبله في "مفاعلتن" لتصبحَ " فعولنْ" لا "فعولُ" . و كان بوسعي استعمال اسم زحاف مفرد كـ "القبض" لأتجنّبَ اللّبسَ و يستقيمَ المغزى العَروضيّ مع "فعولُ" الواردة أصلاً في السّياق ، إنّما سأخسرُ الصّورةَ الشّعريّة العالية ، تلك التي تفرض حضورها عبر تزاوج مفردات "القطف" بـ "العاقول" بـ خطف نون "فعولن" و إنضاجها على مِرجل صيغة المبالغة لا التفعيلة فقط ... لذا اقتضى التّنويه .
8 المِعتازْ : بالعراقية الدارجة تفيد العوز و الحاجة إلى المال .
9 الحُصّةْ : بالعراقية الدارجة تعني (الحِصَّة) ؛ إشارة إلى نظام الحصص التموينية الذي ساد في العراق منذ نهاية حرب الخليج الثانية 1991 مـ ، و الذي كان بالكاد يسد الحد الأدنى من احتياجات الغذاء للمواطن العراقي بسعرٍ رمزي تدعمه الدولة ، و ذلك لفحش الغلاء و الحصار الاقتصادي .. إلخ .
10 أغنية شهيرة للمطربة العراقية سليمة مراد [1905 – 1974 مـ ] ،
المعروفة أيضًا بـ (سليمة باشا) و (أم داود) .
11 التَّلفانْ : بالعراقية الدارجة تعني (التَّالِف) .
12 مقطع مقتبس من قصيدتي (لم نجد ربًّا لنحترفَ الدُّعاءَ) [اقرأ النّصّ هنا] .
13 الحفّاي : بالعراقية الدارجة تعني (الحُفاة) .
14 نِعلان ، نَعال : بالعراقية الدارجة تعني (نِعال) للجمع و (نَعل) للمفرد .
15 عبارة منسوبة لـ (المسيح) [4 قـ . مـ – 29 مـ] ؛
وردت في (عظة الجبل) حيث يقول :
(طوبى للحزانى فإنهم سيعزون) [العهد الجديد . متّى : 5 – 4] .
16 وادي السّلام : مقبرة في محافظة النّجف | العراق .
يُعتقد بأنّها أكبر مقبرةٍ في العالم .
سَعْد اليَاسِري
السويد
حَزيران | 2010
الموقع الشّخصيّ
التعليقات (0)