الشيخ حمد امير دولة قطر يعزي بأستاذه
كانت هذه أول مرة أسمع فيها عن اسم المواطن المصري أحمد علي منصور ، الذي نشأ وتربى في حي الظاهر بوسط القاهرة ثم ذهب للعمل في قطر قبل حوالي خمسين عاما مدرسا للعلوم الاجتماعية ، ولكني عرفت الاسم وقرأته مرارا هذا الأسبوع مرفقا به اسم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الذي حرص على تقديم واجب العزاء في المواطن المصري أحمد منصور في بيت الأسرة هنا في القاهرة ، عندما علم بوفاته يقوم الشيخ حمد بزيارة للقاهرة ، لأسباب عديدة ، بعضها سياسي ، وبطبيعة الحال تكون زيارته عادة لمقابلة الرئيس مبارك نفسه أو جمع من الملوك والرؤساء في مؤتمرات القمة ، بيد أن الزيارة الجديدة كانت مفاجئة عندما تسرب خبرها لوسائل الإعلام ، بما أعطى انطباعا أن تحولات مهمة للغاية أو خطيرة في العلاقات المصرية القطرية على وشك الحدوث خلال ساعات ، مما استدعى القيادة القطرية إلى هذا التحرك العاجل والسريع وغير المعلن عنه ، غير أن الذي حدث أن السلطات المصرية نفسها فوجئت بطلب الزيارة العاجل من القيادة القطرية فلم يسعفها الوقت لترتيب استقبال رفيع يليق بقادة الدول ، فجرت عملية استقبال بسيطة ومتواضعة للضيف الكبير في مطار القاهرة ، حيث كان في استقباله المهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة ، ولم يمر الموكب الأميري على أي قصر جمهوري أو مقر رسمي وإنما اتجه الموكب من مطار القاهرة مباشرة إلى شقة بحي المهندسين ، لم يصحب الأمير أي مسؤولين أو شخصيات رفيعة وإنما اصطحب معه كريمته الأميرة هند ، وفي شقة بالمهندسين مكث الشيخ حمد وابنته خمسة وأربعين دقيقة مع أسرة مصرية يقدم لها واجب العزاء في وفاة والدهم المواطن أحمد علي منصور ، ثم انطلق بعدها إلى مطار القاهرة مغادرا البلاد .
لم يكن هناك أي وسيلة إعلامية تفهم أو تدرك ما الذي يحدث ، حتى انتهت الزيارة ، فعلم الجميع أن أمير دولة قطر علم بأن المدرس المصري أحمد علي منصور الذي كان يدرس له العلوم الاجتماعية وهو طفل صغير في مدرسة ابتدائية بالدوحة صباحا وفي القصر الأميري مساء، ثم أشرف على تعليمه أيضا في المرحلتين الإعدادية والثانوية قبل أن يذهب لاستكمال تعليمه في الجامعات البريطانية ، قد توفي ، وأن سمو الأمير رفض أن يكتفي بتقديمه واجب العزاء لبعض أبنائه ممن لا يزالون يعملون بالدوحة ، كما رفض أن يكتفي ببرقية عزاء ، أو أن يرسل السفير القطري بالقاهرة أو الملحق الثقافي أو التعليمي من أجل تقديم واجب العزاء نيابة عنه ، وقرر أن يأتي بنفسه من الدوحة من أجل أن يقدم واجب العزاء في أستاذه الذي يبدو أنه ترك فيه بصمة لا تمحى عبر الزمن .
لم يشغل المواطن المصري أحمد علي منصور أي منصب رسمي رفيع ، في القاهرة أو الدوحة ، هو مدرس للعلوم الاجتماعية في المرحلة الابتدائية ، ولكنه بأخلاقه وأدبه وإخلاصه ملك على "الأمير" قلبه ، وجرت العادة على أن مدرسي هذه المرحلة بالذات يطبعون أسماءهم وسماتهم في أعماقنا ونحن صغار ولا ننساهم مهما امتد بنا العمر ، ولكن أن يصل الوفاء والنبل بحاكم دولة إلى أن يترك أي مشاغل أو بروتوكلات أو أعراف رسمية ، لكي يسافر إلى دولة أخرى من أجل تقديم واجب العزاء في مدرسه الذي كان يدرس له بالمرحلة الابتدائية قبل خمسين سنة ، فهو موقف يستحق أن نتوقف عنده طويلا .
هذه اللفتة الإنسانية البسيطة والرائعة من الشيخ حمد كانت تساوى جهد سنوات لكسب القلوب والخواطر في مصر ، والشعب المصري يأسره مثل هذا النبل والتواضع والخلق الكريم ، ولقد هز الموقف مشاعر الكثيرين في الإعلام والشارع العادي الذي لم يصدق فيه بعضهم هذا الموقف التلقائي الإنساني ، وأيا كان تقديرك أو تقديري للخلاف السياسي أو الإعلامي مع هذه الدولة أو تلك ، أو هذه القيادة أو تلك ، إلا أنه من الصعب أن يختلف الناس على تقدير هذه المشاعر الجميلة والمفعمة بالتواضع والخلق الكريم .
شكرا سمو الشيخ حمد ، .. هكذا يفعل النبلاء .
جمال سلطان
المنبر العربي
التعليقات (0)