مواضيع اليوم

أمير التسكع

بوشعيب دواح

2010-01-09 15:13:38

0

قصة قصيرة :                                                                                                 أمير التسكع

                                                                                                            بقلم: ذ. بوشعيب دواح 


المؤذن ينادي لصلاة الظهر. "زارا" المتسكع لم يأكل منذ فطور أمس.غسل وجهه و هو منهوك القوى.  بدون تركيز تناول "الفيستة" الفرنسية الصنع و التي أصبحت متقادمة من كثرة امتصاصها لأشعة الشمس الساخنة و الحارقة في شهر أكتوبر . اليوم  الفيستة  شاخت و تراخت و استسلمت لجاذبية الأرض. بدون تفكير ها هو يتجه نحو وسط المدينة... هناك سيبيع الجرائد و المجلات و سيتناول خبزا و بيضا و ربما شايا أسودا المهم أن عصافير معدته ستسكت و سيعمي الجوع. يأكل قليلا ليقرأ كثيرا... يلقى ملاذه في السفر بعيدا و عميقا في بحار القراءة و الغوص في مسابح المقالات الصحفية . ربما سيصبح صحفيا ليس من أجل الشهرة و لكن للإجابة على سؤال مطروح عليه منذ عشر سنوات حينما كان في قسم الباكالوريا . كان يحرص على المشاركة في القسم و لو بسؤال أو سؤالين .سأل ذات آخر حصة أستاذة الطبيعيات في درس الولادة والوراثة: أستاذة من فضلك هل يمكن لكي أن تتحدثين لنا ولو باختصار عن الظاهرة التي تسمى بظاهرة" الوحم"؟.أجابت الأستاذة  ناصحة اياه بأن يتخصص في الصحافة.أما الجواب عن السؤال فان الأستاذة قالت أنها لم تدرس و لم يدرسوا لها هذه الظاهرة في مراكز التكوين. و لذلك ها اسم "زارا" اليوم يتصفح أول صفحة من صفحات جريدة وطنية بجانب اسم رئيس و مديرتحريرها و بذلك يكون قد أجاب عن السؤال المطروح. كم مرة راودته صفة كاتب و صحفي ، أو مفكر و صحفي ربما صفات أخرى الأيام حبلى بالصفات، كل ما لم تراه عيناك فالزمان سيقول كلمة الفصل و التي ما هي بالهزل.
على إيقاع أغنية عاطفية لفنان مغتال بالجزائر حيث يتغنى في أغنيته بفتاة اسمها" آمال" و التغني بالذكريات و الصور العالقة بالدهن تذكر "زارا"المتسكع ماضيه الماضي أصلا ،الموشوم بسموم أيامه وبرودة لياليه و أعشاشه الخالية. الأيام التي تركت أمير التسكع يسقط لينهض ليكمل الخطوات و هو يسوس بيديه الأتربة و الأشواك العالقة براحتي يديه و ركبتيه بدون الإلتفات إلى الخلف، الطريق الذي لطالما يئس و شكك من أن له نهاية.  لم يسبق له أن ولج ذاك العالم العاطفي ربما كان لا يمتلك كلمة سر للمرور إلى دواخله و الجلوس فوق ربواته للنظر في الأفق البعيد بغية اكتشاف عوالم داخلية . المتسكع " زارا" كان عندما يفكر في ذاك العالم المغري يتحسس عبر موجات فكره السارح أن هناك حواجز و حيطان ظلالها الفقر تقف في وجهه من كل جهة ، ما عليه سوى المضي إلى الأمام نحو درجات أكبر.
"هنا في هذا الوطن العزيز لا يمكن أن تبلغ سدرة الأفق دون أن تعرج على سماوات ترى فيها نفسك تعذب يقظة، في واضحة النهار و حتى في شفق الليل،أمام أعين المارة العادية و البادية. لا يمكن لأحد أن يتدخل ، الكل في حالة ارتباك ، لكل واحد منهم شأن يغنيه" يقول أفعوان المتسكع.
"الناس هنا آكلة الخوف منذ قديم الزمان كالحيوانات تأكل عصفا مأكولا. للأمة  احتياطي خوف كأحتياطي العراق من النفط و إن كانت الأوغاد و أحفاد القردة الملعونون في الكتاب قد هجمت عليه
و لكن الله متم نوره و لو كره أحفاد الخنازير. هنا على سطح الأرض لازال الناس يؤمنون بمقولة أطلع للكرمة لكي تأكل، انزل، من قالها لك؟ .الخوف هنا لا زال يسكن ذوات الصدور" يقول نسره كذلك.
"هنا بهذا البلد اذا كنت تريد أن تلبس ، لابد و أن تتعرى و تتجرد من كل ملابسك لكي تعرف بأنك انسان و بأنك تستحق ما تدافع عنه"يستطرد النسر.
" مادام أن أصحاب المسؤولية لا يسألون عنك و عن أي مكان أنت فيه لا تشعر بأنك تمارس إنسانيتك و تشعر أنك غير موجود في نظرهم"يرد الأفعوان على نسره.
جلس المتسكع في المقصف لكي يحتسي قهوته الرخيصة... كل من تجاذب معه أطراف الكلام يقول له عليك أن تغير الطريق ، تتمة مسارك خاطئة، مستقبلك موجود بأي مكان و ما عليك إلا أن تغير المسار، مسار النضال...
"كم من أحد يترقب يوم سقوطك أو يوم إفلاسك لكي ينقض على أشيائك التي لا تقدر على حملها ، هؤلاء إحذرهم ،يسكنهم الغدر. يتمنون أن يصيب البلد زلزال عنيف ،تسقط فيه الصوامع و تختلط في ذاك اليوم الجثث و البضائع و يتصور نفسه هذا الغادر ناجيا كي يقوم ليجمع المال و الذهب و نسي أن يكون هو نفسه من الغابرين.
تشرب سم القمع و التهميش الزعاف قطرة ،قطرة حتى لا تموت بين أيديهم. المهم هو أن تصير أمام أعينهم تتداخل فيك كل الصفات: صفة المتشرد،الصعلوك ، المتسخ، الجائع، المنهوك القوى ، سارق الأكل، المهم أن لا تموت بسرعة و إنما أن تموت ببطء... يتناقص نشاطك تدريجيا إلى أن تؤول دالتك إلى الصفر لكي يقولوا في النهاية كلامهم المشهور " مرض و مات". إن كان القدر بجانبك تقترب طائرتك من حافة اليابسة لتلامس شفاه الموت، لتعود بقدرة قادر إلى التحليق في السماء كطائر نورس فوق شاطئ محيط يصطاد بقايا أسماك... تنظر  من أعلى إلى أعدائك فيقعدون ، ينظرون اليك مذمومين، ملومين، مدحورين..". يردد الأفعوان و النسرفي آن واحد...و"زارا" المتسكع يغط في نوم عميق.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !