أمريكا والثورات العربية : تقاطع مصالح ام تعارض ؟
عرفت بلدان الربيع العربي خاصة مظاهرات بلغت حدّ العنف على خلفية فيلم "براءة المسلمين" المسيىء للنبي الكريم، يبدو أن هذه الاساءة أضحت سياسة اعلامية متعمدة تنتهجها جهات اعلامية غربية تحت ذريعة " حرية الرأي والفكر" لهذا أعلنت فرنسا استنفارها عبر سعيها لغلق وتأمين سفاراتها وعدد من مدارسها ومعاهدها في أكثر من 25 بلد عربي واسلامي بسبب الصور المسيئة للنبي والتي قامت صحيفة فرنسية بعرضها ...
إن الردّ المتشنج واللعب على الردود العاطفية للمسلمين والذين من حقهم الدفاع عن مقدساتهم ولكن بعيداً عن العنف المادي يجعلنا نطرح الأسئلة التالية :
- هل الغرب وأمريكا خاصة يتربص بهذه الثورات من أجل افشالها ؟
- أم انّ أمريكا والغرب هم حاضنون للثورات الربيعية العربية ؟ ولم ؟
بالنظر للشق الأول من السؤال وعندما نضع الردود الغربية الاولى تجاه الثورات العربية وقد تراوحت بين الترقب ومساندة الانظمة الشمولية الى حدود لحظة السقوط كما فعلت فرنسا مع بن علي وامريكا مع مبارك (وللذكر ان اسرائيل أقامت مواكب عزاء حين رحيل فرعون مصر)، كما أننا نلاحظ أن التراخي في دعم الثورة السورية يصب في نفس مسار الموقف الغربي من الثورات العربية.
واذا أضفنا اليها توقيت بثّ هذا الفيلم الامريكي وبدعم إسرائيلي لتجييش مشاعر المسلمين وكأن الغرب يريد أن يقول لشعوبه "ان هذه الاقطار لا تعرف معنى الديمقراطية ولا تلائمها بدليل أن أعنف المظاهرات عرفتها بلاد الثورات "، "فهي شعوب لا تعترف بالآخر ولذا أليس من الافضل المحافظة على الانظمة الديكتاتورية التي تحفظ مصالحنا ومصالح شعوبنا "، ونستدلّ على سلبية الاعلام الغربي في ظلّ غياب مظاهرات تدعم الثورة السورية بسبب غياب التغطية الحقيقية لمعاناة السوريين، اذا هو اعلام تدجيني بامتياز ...
ولكن لو قلبنا المسألة على وجهها الثاني من السؤال، فهل تستطيع أمريكا ايقاف قطار الثورات بعدما شق طريقه في العالم العربي وأصبح حقيقة وواقع. إن الغرب وعلى رأسه أمريكا والمدفوع دائماً بالحفاظ على مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية وأغلبها مع العالمين العربي والاسلامي وأمام هذا الواقع الجديد مضطرّ للتعامل معه ولكن برؤية مغايرة، هذه الرؤية التي تجاوزت مرحلة التابع او العدو الى مرحلة البحث عن مشترك جامع، فالشعوب الثائرة أعادت صياغة العلاقة مع الغرب والذي كان تعامله معنا يتم عبر الأنظمة الحاكمة لتصبح العلاقات تنسج مع الشعوب والتي كانت مقصية ومهمشة وتعامل كقطعان الغنم.
الأمر الثاني وبالنظر للتغييرات الدولية والاقليمية فأمريكا الاكيد أنها تراقب تمددّ غريمها الاقتصادي التنين الصيني داخل مجال نفوذها في الشمال الافريقي بل داخل القارة الافريقية والخارطة العربية أيضا وهذا ناقوس خطر يدق داخل أمريكا ولدى الرساميل الغربيين والامريكيين عموماً خاصة وأن الصين لا تشكل لدى العالم العربي والاسلامي قوة إستعمارية بل يمكن ان تكون لهم قدوة في بناء نموذج اقتصادي ناجح خاص بهم ...
ومن خلال ردّ أوباما وكلينتون بإعتبار الفيلم قذر ولا يمكن أن يتسبب في إفساد علاقتهم بالعالم العربي، هذا يعكس حرصهم ليس فقط على شعرة معاوية بل على مستقبل اقتصادهم والمرتبط عضوياً خاصة بالعالم العربي ولا سيما الخليج منه والأكيد أن تجربتهم في العراق ستجعلهم في حالة يقضة من تفادي الاخطاء القاتلة التي إرتكبوها هناك وجعلتهم يدفعون فاتورة باهظة الثمن ...
أعتقد أن العقلاء في الغرب ولا سيما في أمريكا مهما كان جزعهم من الثورات الربيعية والتي أطاحت بمخططهم الشرق الاوسط الجديد وسدنته في الشرق، فإنهم سيأخذون في الاعتبار أن الشعوب التي أطاحت بسدنتها لن ترضى بعد اليوم بوصاية داخلية وخارجية وأنها لن تسمح بالمساس بمكتسبات دمائها أيّ كان يسكن البيت الابيض.
التعليقات (0)