وكما هي عادته دائما .. يرتقي الإنسان (الغربي) ويتطور في جميع مظاهر حياته المادّية ، لكنه يبقى حبيس رغباته ونزواته الحيوانية الدّنيا ، ويظل فريسة سهلة للإنحلال الأخلاقي الذي يُنزله ويهوي به وبحياته لأسفل السافلين !.. ربما ذلك نتيجة الفصل التام بين القيم المادّية والرّوحية ، أو نتيجة الإستخفاف بالجانب الروحي على حساب تنمية الأرصدة والحسابات المالية ؟!..
فبالأمس القريب فقط ، دوّت في أرجاء أوروبا والعالم فضيحة (من العيار الثقيل) ، لرئيس صندوق النقد الدولي الفرنسي الجنسية (شتراوس كان) ، والذي قامت الشرطة الأمريكية بإعتقاله لحظات قبل إقلاع الطائرة التي كان على متنها من مطار كيندي بإتجاه فرنسا ، بعد صدور مذكرة إعتقال بحقه بعد أن إتهمته (عاملة تنظيف) بالفندق الذي كان يقيم فيه بالإعتداء الجنسي عليها ؟!..
ووضع عاملة التنظيف بين عارضين ، ليس إنتقاصا من شأن المهنة التي تتخذها والدة تعيل أطفالها ، وتكد وتكدح في سبيل توفير إحتياجاتهم حتى أوقات متأخرة من الليل .. وإنما للإستغلال الرأسمالي البشع أحيانا للعمالة ، ومن صوره هذا المشهد للعجوز الرأسمالي المُتخم بمسك رامات النقود ، والذي يعتبر كل محتويات غرفة النوم التي يدفع ثمن المبيت فيها تحت تصرفه ، بما في ذلك عاملة التنظيف !..
علما أن المشهد يكون أكثر إغراءًا ، لو تصادف وأن كانت عاملة التنظيف من أصول أفريقية ، لأنها الأجدر بتمثيل دور (العبدة والأمة) التي يتم إغتصابها بوحشية ، والأقدر على تحريك مكامن السّادية في نفس (السيد) وتذكيره بحقوقه البائدة في الإستغلال ، والإضطهاد ، والإستعلاء !..
بالنسبة لأمريكا التي وقعت الحادثة الشنيعة على أراضيها ، فقضاؤها صارم في التعامل ـ على ما يبدوـ مع المتهم ، الذي يبقى متهما حتى يثبت العكس ، لذلك لم يقبل القضاء الإفراج عنه بكفالة عرضها محاميه وبلغت مليون دولار !.. ( وكأن كل شيء يمكن شراؤه بالمال حتى الضمائر الحيّة) ، ولم تتوانى قاضية أمريكية عن القول : (إن المتهم كان يشكل خطرا على الرحلة التي كان على متنها) !.. ولا أدري مدلول كلام القاضية المحترمة ؟!.. لكن ربما هي (فحولة) المتهم الزائدة ؟!.. المتهم بدوره عاتب السلطات الأمريكية ، واتهمها بالتعسف لأنه يعتبر نفسه بريئا ، وقارن واقعته بواقعة (بيل ومونيكا) بوصفها مثالا آخر لعلو المناصب وخسّة الخلق !..
أما بالنسبة للأوروبيين عموما ، فالموضوع ليس مُهما لتلك الدرجة ، لذلك إكتفى الإتحاد الأوروبي بالتعليق بأنه يتابع الموضوع !.. فيما إكتفت فرنسا بالقول إن (شتراوس كان) أضر بسمعة فرنسا الدولية لحساسية المنصب الذي يتولاه ، وبحسب المتابعين والمحللين للشأن الأوروبي والفرنسي خصوصا ، فإن الرد الفرنسي الرسمي بمثابة (الشماتة) في (منافس محتمل) لساركوزي أظهرت إستطلاعات الرأي تقدمه عليه في مستوى الشعبية ، ورجحت فوزه عليه أيضا فيما لو ترشح للرئاسيات القادمة (ممثلا للحزب الإشتراكي) !.. وهنا يتدخل (منطق المؤامرة) التي تحاك ضد الرجل ، للحد من طموحاته السياسية والقضاء على مستقبله المهني !..
أما بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين ، فزاوية الرؤية بالتأكيد تختلف ، والمقاييس أيضا تختلف ، لأن ركيزتنا روحية أكثر منها مادية ، على عكس الغرب تماما ، لذلك نعتبر فضيحة أخلاقية لرئيس هيئة مالية بحجم صندوق النقد الدولي ، بمثابة ناقوس خطر على أن أموال العالم في أيدي السّفهاء من أمثال شتراوس !.. ومولانا تبارك وتعالى ينهانا أن نؤتي السفهاء أموالنا في قوله :(( .. وَلاَ تُؤتُوا السُّفَهَاءَ أموَالكُم ..)) !..
ربما حان الوقت لدراسة مشروع إقتصادي عربي مشترك ، مبني على قواعد وأسس إسلامية وبعيدا عن تلك المهاترات وتلك التشوهات الخُلقية !.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن | 17 . 05 . 2011
التعليقات (0)