مواضيع اليوم

أمن البحر الأحمر.. التدويل قادم لا محالة بدر حسن شافعي ((منقووول))



اسلام اون لاين  منقووول (عذرا  الموضوع اعجبني فقررت ان يشاركني الفرحة الاخرون خصوصا وان الكاتب متميز ومحترم فله العتبي حتي يرضي)


هل هناك حل عربي لمشكلة الأمن في البحر الأحمر؟
فجرت أعمال القرصنة التي تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة قبالة السواحل الصومالية (خاصة بعد حادث السفينة الأوكرانية)، قضية الأمن في البحر الأحمر بمستوياته المختلفة، سواء الأمن القومي للدول الثماني المطلة عليه، أو الأمن القومي العربي، أو الأمن العالمي بوجه عام.
وثمة تداخل كبير بين المستويين الأول والثاني، فهناك ست دول عربية هي: (مصر، السودان، جيبوتي، الأردن، اليمن، والسعودية) تطل على البحر الأحمر، إضافة إلى دولتي إسرائيل وإريتريا التي هي بالأساس دولة عربية، وإن كانت قد أدارت ظهرها للعرب منذ استقلالها عام 1993 بإيعاز إسرائيلي أمريكي. ويجعل هذا الأمر البحر الأحمر عمقا للأمن القومي العربي على اعتباره أشبه ببحيرة عربية، سيما وأن إسرائيل ليس لها سوى منفذ صغير عليه عند خليج العقبة، وهو منطقة أم الرشراش العربية المعروفة الآن باسم إيلات.

وعالميا، يعد البحر الأحمر من الناحية الجيو/إستراتيجية أهم ممر ملاحي لنقل البترول العربي إلى الدول الأوربية والولايات المتحدة، كما أن مرور السلع الصناعية من هذه الدول إلى قارتي آسيا وإفريقيا يكسبه أهمية خاصة. ويكتسب أيضا أهمية عسكرية لا تقل عن ذلك خاصة لدى الولايات المتحدة التي استخدمته إبان حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت، كما أنه أداة الربط بين أسطولها السادس في البحر المتوسط، والخامس في الخليج العربي الموجود قبالة سواحل البحرين وأيضا أسطولها السابع الكائن في المحيط الهندي.

وبالرغم من أن أعمال القرصنة التي تقوم بها بعض العصابات الصومالية تتم قبالة السواحل الصومالية الطويلة على خليج عدن، إلا أن الحديث الدائر الآن في الأوساط العربية والدولية يتعلق ليس فقط بالحديث عن أمن خليج عدن، وإنما على أمن البحر الأحمر؛ نظرا لأن الأمن في هذه المنطقة الممتدة من البحر العربي وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر لا يمكن أن يتجزأ، بل إن البعض يضيف لهذه المنطقة قناة السويس وخليج العقبة (الأطراف الشمالية للبحر الأحمر).

وفي هذا الإطار يتم طرح التساؤل التالي: هل يتم الحديث عن حل عربي لمشكلة الأمن في البحر الأحمر(أي تعريبه إن صح التعبير)، أم البحث عن تدويل لهذا البحر على اعتبار أن أهميته الجيو/إستراتيجية تتعدى أهميته الجغرافية، ومن ثم فإن مسألة الأمن به لا تقتصر على الدول العربية الست المطلة عليه.

فوضى الصومال تنتقل للأحمر

لكن قبل البحث عن إجابة لهذا السؤال، فإن هناك بعض الملاحظات الأولية المرتبطة به، والتي قد تساعد في فهم ما يحدث الآن من ناحية، وإيجاد الآلية المناسبة لعملية التأمين البحري للبحر من ناحية ثانية.

الملاحظة الأولى: ارتباط أعمال القرصنة بتدهور الأوضاع في الصومال، وعدم تسوية نزاعاته إلى الآن بالرغم من موافقة مجلس الأمن الدولي على إرسال قوات دولية إلى الصومال بموجب اتفاق جيبوتي الذي تم توقيعه في يونيو الماضي، وينص على أن يتم إرسال هذه القوات لكي تحل محل القوات الإثيوبية في غضون أربعة أشهر (يفترض أن يتم إرسالها الآن)، لكن هذه القوات لم يتم إرسالها بسبب المماطلات الإثيوبية من ناحية، وعدم الرغبة الدولية في تدخل غير مأمون العواقب في المستنقع الصومالي من ناحية ثانية، وهو ما حدا بمجلس الأمن نهاية الشهر الماضي إلى تأجيل بحث نشر هذه القوات.

ومع أن إرسال مثل هذه القوات لن يوجد حلا للمشكلة الصومالية، فإن انتشار أعمال القرصنة مؤخرا قد طرح الملف الصومالي نفسه من زاوية أخرى، هي المتعلقة بكيفية مواجهة هذه الأعمال، ما يعني مواجهة الأزمة الخارجية وترك الأزمة الداخلية.

وقد تقدمت فرنسا بالفعل مؤخرا بمشروع قرار لمجلس الأمن بشأن وضع الآليات المناسبة لعملية التدخل في المياه الإقليمية الدولية بالرغم من وجود قرار سابق من المجلس بشأن هذا التدخل هو القرار 1816 الذي صدر في يونيو الماضي، والذي يسمح للدول التي تتعاون مع الحكومة الانتقالية الصومالية لمكافحة القرصنة والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية بدخول سفنها المياه الإقليمية للصومال، واستخدام جميع الوسائل اللازمة بغرض قمع أعمال القرصنة والسطو المسلح.

ومع أن القرار صدر قبل أربعة أشهر، إلا أن عملية تنفيذه لم تتم بالصورة المطلوبة حتى الآن، خاصة في ظل وجود بعض الصعوبات التي تواجه عملية الرقابة والتفتيش على هؤلاء القراصنة لعل أبرزها طول السواحل الصومالية (3700 كم)، ومعنى هذا أن التعامل الخارجي مع الأزمة لن يساهم في حلها، كما أن الرهان الدولي والأمريكي على الرئيس عبد الله يوسف لم يسهم في حل الأزمة. ومن المفارقات الهامة في هذا الشأن أن معظم –إن لم يكن كل أعمال القرصنة- تتم أمام سواحل إقليم بونت لاند الذي ينحدر منه الرئيس الصومالي، والذي كان رئيسا لهذا الإقليم قبل أن يتولى رئاسة البلاد.

الملاحظة الثانية: أن أعمال القرصنة كانت محدودة إلى حد كبير في ظل سيطرة المحاكم الإسلامية على مقاليد الأمور في البلاد في عام 2006، وهو ما يعني أن سيطرتها الأمنية الداخلية ساهمت في الحد من هذه الظاهرة، كما نجحت في تحقيق الأمن الداخلي عن طريق توحيد العاصمة مقديشو للمرة الأولى منذ عام 1991.

ومن هنا فإن السؤال الذي يدور الآن هو: هل من مصلحة المجتمع الدولي استمرار استبعاد الإسلاميين في الصومال عن الحكم، خاصة أنهم كانوا –إلى حد كبير- سببا في الحد من عمليات القرصنة خلال فترة سيطرتهم، في حين أن استمرار تدهور الأوضاع حاليا من شأنه تفاقم ظاهرة القرصنة، وهو ما أكده المتحدث باسم هؤلاء القراصنة في حوار مع مراسل صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية عبر الهاتف (جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 6 أكتوبر 2008)، حيث أشار إلى أن هدفهم من هذه الأعمال هو المال، وإن كان قد قام بتبرير القيام بذلك بأن هذه السفن تقوم بإلقاء النفايات السامة قبالة السواحل الصومالية، وأنها تقوم بعمليات صيد غير شرعية، ما يعني حديثه عن غياب الحكومة المركزية عن أداء دورها.

بين التعريب والتدويل

وبخصوص فكرة تأمين البحر الأحمر، وهل يتم ذلك في نطاق عربي أم في نطاق دولي، فينبغي تأكيد أن الحديث يدور حول منطقتين هما: خليج عدن من ناحية، والبحر الأحمر وباب المندب من ناحية ثانية. ولأن المنطقتين مترابطتان بصورة يصعب الفصل بينهما عمليا، كما سبق توضيحه، فإنه يصعب الحديث عن إحداهما دون الأخرى، كما يصعب في ظل ترابط المصالح الجيو/إستراتيجية العربية والدولية بهذه المنطقة الحساسة تقديم أطروحات تتجاهل هذا الطرف أو ذاك.

بالنسبة لعملية تدويل التأمين البحري في منطقة خليج عدن وباب المندب، فهذه مسئولية عربية دولية مشتركة، بمعنى أنها مسئولية عربية بسبب وجود دولتين عربيتين بها هما: اليمن وجيبوتي، لكن بهما تواجد دولي لا يمكن إنكاره أو تجاهله. وهذا التواجد ليس وليد هذه اللحظة، وإنما يرجع إلى عدة عقود مضت، وتحديدا بعد حرب 1973 وقيام القوات البحرية المصرية بمساعدة اليمن والصومال بإغلاق مضيق باب المندب، حيث تضمن الاتفاق الأول لفصل القوات مع مصر عام 1974 رفع الحصار العربي عن المضيق وحصول إسرائيل على تعهد أمريكي بعدم تكرار هذا الأمر ثانية من خلال أسطولها السابع المرابط في المحيط الهندي، وأعلن الرئيس الأمريكي آنذاك "كارتر" ما عرف في حينها بمبدأ كارتر عام 1976، والذي يسمح بالتدخل العسكري في المنطقة حال تهديد المصالح الأمريكية (وبالطبع المصالح الإسرائيلية)، وظهرت في حينها فكرة تشكيل قوات الانتشار السريع.

وفي عام 1982 تم إخبار إسرائيل بأن واشنطن عززت وجودها في البحر الأحمر لحماية حرية الملاحة، ومن بينها الملاحة الإسرائيلية.

وبعد أحداث سبتمبر 2001 قامت الولايات المتحدة بتعزيز وجودها في المنطقة في إطار حربها على ما أسمته "الإرهاب"، فنجحت واشنطن في الحصول على قاعدة عسكرية لها في جيبوتي بالرغم من وجود أكبر قاعدة فرنسية هناك، ثم نجحت في تشكيل تحالف دولي بحري في هذه المنطقة بهدف تأمين عملية "الحرية الدائمة "Enduring freedom، الخاصة بمكافحة "الإرهاب" في منطقة القرن الأفريقي، وكذلك تأمين عملية ما أسمته بتحرير العراق، بحيث يمتد نطاق هذه القوات البحرية التي عرفت باسم Combined task force-150من المناطق الواقعة جنوب البحر الأحمر، حيث سواحل إفريقيا الشرقية وحتى البحر العربي في اتجاه الهند وباكستان، وينتهي نطاقها عند المناطق التابعة للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين.

وبالتالي فإن استبعاد فكرة تدويل هذه المنطقة يعد أمرا غير منطقي بالنظر إلى معطيات الأمر الواقع، ويكفي للتدليل على ذلك أن قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين أعلنت أوائل سبتمبر الماضي (أي بعد تزايد أعمال القرصنة) عن تشكيل منطقة تأمين بحري في المنطقة الواقعة بين السواحل الصومالية وسواحل اليمن، على شكل مستطيل في منطقة خليج عدن مع التركيز على تخليص المنطقة من أعمال القرصنة، وأن هذه المنطقة سوف تتم مراقبتها من خلال سفن القوات المتحالفة. وصحيح أنها أعلنت أن هذا الإجراء هو حل على المستوى القصير وليس على المدى البعيد، لكن أي حل إستراتيجي لا يمكنه استبعاد هذا البعد الدولي.

أما بالنسبة لمنطقة البحر الأحمر، فهي أيضا ليست منطقة عربية صرفة، ويكفي أن وجود إسرائيل وإريتريا بها قد يجعل من الصعب الحديث عن تعريب للبحر، خاصة في ظل التطلعات الإسرائيلية ليس فقط من أجل ضمان مرور سفنها الحربية أو سفن البضائع الواردة إليها أو القادمة منها، وإنما سعيها لفرض سيطرتها كقوة إقليمية مهمة في المنطقة يمكن أن تهدد الدول العربية الواقعة عليه.

ومن هنا فإن طرح فكرة التعريب التي تقدمت بها اليمن مؤخرا قد تقابل بإجهاض من المجتمع الدولي، تماما كما أجهضت الدول العربية الفكرة الصهيونية بتدويل البحر (أي تدويل المناطق الحساسة به مثل قناة السويس، وخليج العقبة، وباب المندب)؛ ومن ثم فإن أي طرح عربي لا بد أن يتضمن رسائل تطمينات للدول صاحبة المصالح الإستراتيجية في البحر، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، بأن هذا التعاون لن يمس بأي حال بمصالحها المشروعة في المنطقة، كما أن أي تدخل دولي لا بد أن يراعي المصالح العربية وعدم المساس بها؛ لأن أي استخدام غير مشروع قد يدفع هذا الطرف أو ذاك إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي قد تؤدي إلى حدوث توترات جديدة في هذه المنطقة التي كانت مصدر توترات ونزاعات في الماضي، يمكن لها أن تنفجر مجددا في أي لحظة.


--------------------------------------------------------------------------------

باحث دكتوراه بمعهد البحوث الأفريقية -جامعة القاهرة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !