مواضيع اليوم

أمنيتي أن يستجيبوا.. و لكن !

عبدالقادر جمعر

2010-11-28 20:00:50

0

الرجل الذي يرى العالم في الخمسين من عمره مثلما رآه في العشرين من عمره، فانه أهدر ثلاثين سنة من حياته.
الملاكم العالمي محمد علي كلاي

في الكلمة التي ألقاها ، و هو يشرف على افتتاح السنة الجامعية الجديدة،لفتت انتباهي، الدعوة التي وجهها الرئيس بوتفليقة للأمخاخ الجزائريين المقيمين خارج الوطن. الرئيس وعد علنا بأن تقدم السلطات لتلك الأدمغة المهاجرة، نفس ما تقدمه لها الولايات المتحدة الأمريكية، و ليؤكد بوتفليقة، أكثر تمسّكه بهذا الوعد، قال أن من يعتبر الأمريكيون أن قيمته تقدّر بألف دولار، ستمنح له الجزائر ألف دولار.
الآن، لا اختلاف حول كون القائد الأعلى للبلد، تعهّد بأن يتقاضى ذوو الألباب الذين يعيشون بعيدا عن الديار، أجورا عالية في مستوى علوّ تحصيلهم العلمي، بالإضافة إلى تمكينهم من سكنات، إذا ما كان السقف واحدا من العوائق التي تحول دون عودتهم إلى الجزائر.
وعد لا أشك شخصيا في صدقه، و كلام جميل تحوّل في توّه إلى أمر لا أحد من الرجال أو من النساء سيتجرأ على الاعتراض على تنفيذه. لكن، هل ستستجيب له الأدمغة المهاجرة؟.. كم من أصحاب تلك الأدمغة سيحزم أمتعته و يعود إلى الجزائر؟
عن هاذين السؤالين، لا أغامر بتقديم أي جواب، لكني في المقابل أستطيع أن أضيف سؤالا ثالثا و هو: هل الأدمغة الجزائرية المغتربة، فضّلت مغادرة الجزائر، فقط من أجل الأجر المرتفع و السكن؟
بعبارة أوضح، هل ستقبل تلك الأدمغة بالعودة إلى الوطن بمجرد علمها أن السلطات الجزائرية تعدها بسكنات و رواتب في مستوى الرواتب التي كانت تتلقاها في الخارج؟
لا أجازف دائما بتقديم أي جواب، لكن ما أعرفه شخصيا عن بعض ذوي الخبرة العلمية، المقيمين ببلدان أجنبية مختلفة، هو أنهم يفضلون البقاء هناك، ليس فقط بسبب الرواتب العالية التي يتقاضونها و لا من أجل السكنات الجميلة التي يعيشون فيها، و إنما خصوصا من أجل ثلاث بيئات تختلف جذريا عن مثيلاتها الجزائرية. إنهم لا يستطيعون التفريط أولا: في بيئة مهنية، يشكّون في توفرها في الجزائر بين عشية و ضحاها، و ثانيا: بيئة اجتماعية بعيدة عن البيئة الاجتماعية الجزائرية، بعد السماء عن الأرض، و ثالثا: بيئة نفسية كلها استقرار و شعور بالطمأنينة و اللا خوف من مستقبل مجهول.
لو نسأل أي واحد من أولئك العلماء الجزائريين المغتربين - إن صح التعبير-: لماذا لا تعود إلى أرض الوطن، فالرئيس يضمن لك أجرا شهريا لا يقل عن ذلك الذي تتقاضاه أين تعيش حاليا؟ لأجابنا:" أولا، أنا لم أختر الاغتراب فقط من أجل الراتب الشهري، و ثانيا، حتى لو كان الأمر كذلك، أي أنني غادرت بلدي من أجل العائد المالي، فحيث أعيش الآن، يمكنني على الأقل أن أعيش كما يحلو لي بذلك العائد الذي أتقاضاه، بينما في الجزائر، قد لا أستطيع أن أشتري راحتي و سعادتي و سعادة أفراد أسرتي بالأموال التي يمنحونها لي، حتى لو يمنحون لي أضعاف ما كنت أتلقى بالخارج.. حيث أعيش الآن، أستطيع أن آخذ زوجتي و أطفالي و نتسوق معا، و نتنزّه في الحدائق أو نأكل في مطعم نظيف محترم أو نشاهد فيلما في قاعة سينما حقيقية أو نستمتع بعرض مسرحي أو نذهب إلى السرك.. أو حتى نمشي في شوارع نظيفة، جميلة و آمنة... حيث أعيش لا أضطر لأخذ 5 كيلوغرامات من الأوراق النقدية المتهرئة كي أستطيع أن أتسوق و أشتري ما أريد، بل تكفيني بطاقة مغناطيسية صغيرة.. حيث أعيش لا أحمل همّ نقل أطفالي إلى غاية المدارس التي يتعلمون بها، بل هناك من يتولى هذه المهمة بدلا مني و أحسن مني.. هناك من يأخذ أطفالي إلى غاية باب المدرسة، ثم ينتظرهم لدى خروجهم ليأخذهم من باب المدرسة إلى باب البيت... هناك أين أعيش، لا أخسر دقيقة واحدة من وقتي في الطوابير لا لاستخراج نسخة من شهادة ميلاد، و لا لتسديد فاتورة الماء و لا لدفع فاتورة الكهرباء و الغاز و لا لسحب مبلغ مالي من حسابي البنكي و لا لشراء طابع بريدي جبائي يقول لك العون في نهاية المطاف بأنه مفقود.. هناك أسدّد كل فواتيري إما ببطاقة صغيرة و إما عن بعد، بمجرد ضغطة زر من خلال حاسوبي الشخصي...هناك، إذا ما ارتفعت درجة الحرارة، أستطيع أن أستعمل المكيف الهوائي مثلما يحلو لي و من دون أن ينقطع عني التيار الكهربائي آلاف المرات في اليوم الواحد...هناك، لا أحد يحمل همّ الأنترنت، لأنه ذو تدفق عال، مضمون 24 ساعة على 24 و استعماله مجاني.. هناك، حتى الصحف نسبة كبيرة منها متوفرة لمن أراد أن يقرأها بالمجان... هناك، لا أخشى تطاول أي شخص علي، لأن العدالة لا ترحم الاعتداءات على أجساد و كرامات و ملكيات الناس، و هناك القاضي لا يخشى إلا الله - إن كان مؤمنا بالله-، ثم يخشى ضميره و القانون، و هناك القاضي يمكنك أن تطمئن لكونه ملمّا بكل صغيرة و كبيرة تتعلق بقضيتك، لأنه لا يُطلبُ منه أن يعالج و يفصل في ثمانين قضية في يوم واحد... هناك، حيث أعيش، ما من غذاء أشتريه، إلا و أنا متأكد من صحة اليبانات المتعلقة بالمواد التي دخلت في تركيبه، و كذا تاريخ إنتاجه و مدة صلاحيته.. هناك، حتى المتسوّلين متسوّلون حقيقيون و المجانين مجانين حقيقيون و ليسوا مزيّفين.. هناك الناس لا يكذبون، لأن الكذاب منبوذ عندهم.. هناك حيث أعيش، يمكنني أن أقابل أي مسؤول بشرط أن ألتمس منه أن يحدد لي موعدا و أن أبلغّه بموضوع المقابلة، و حينما أتوجه إليه في اليوم و التوقيت المعلومين، أجده ينتظرني لاستقبالي، و يستقبلني وحدي لا ضمن قبيلة بأكملها، و أثناء لقائي معه، لا يدخن و لا يرتشف لا شاي و لا قهوة و لا يرد على الهاتف و لا يبحث عن شيء مفقود في دهاليز أنفه، و لا يلعب بهاتفه النقال، و بينما أكون أتحدث إليه، يصغى إلي جيدا، و في نهاية اللقاء، لا أخرج من مكتبه قبل أن يفيدني برد واضح و موقف نهائي... هناك حيث أعيش، الطرقات للسيارات و الأرصفة للمشاة، و السكك الحديدية للقطارات، و المدرجات للطائرات، و المدارس للتعليم و المكتبات للمطالعة، و المساجد و الكنائس للتعبّد، و الخمارات للسكيرين، و المراقص للرقص، و قاعات السينما لعرض الأفلام و المسارح لعرض المسرحيات، و المسابح للسباحة، و الملاعب للرياضة.. هناك، حيث أعيش، لكل مقام مقال، و لكل مقال مقام... هناك "المير" "مير"، و " البريفي" " بريفي"( le préfet أي الوالي)، و الشرطي شرطي، و القاضي قاضي، و الوزير وزير، و الرئيس رئيس، و الأحزاب أحزاب و الخباز خباز، و الجزار جزار، و الحلاب حلاب، و النجار نجار ، و الميكانيكي ميكانيكي، و الصحافي صحافي، و التلفزيون تلفزيون و الإذاعة إذاعة، و الجرائد جرائد، و المطابع مطابع، و البهلواني بهلواني... و حتى الداعرة داعرة.. و القانون قانون... أو فهمتم الآن، لماذا اخترت الاغتراب على العودة إلى وطني، رغم أني أحب وطني و أحب من يحبّه و أحب كل من ينحدر منه و أفرح لفرحه و أحزن لحزنه و أبكي عندما أستمع لـ" قسما" و يقشعر بدني عندما أرى الراية الوطنية، و أصلّي كي يفوز الفريق الوطني ... أحب وطني، لكني لا أستطيع لا أن أعيش به و لا أن أعمل به !"
انتهى الجواب الافتراضي عن السؤال الافتراضي.
في بداية الألفية الحالية، و بموجب مراسم رئاسية أمضاها الرئيس بوتفليقة و هو لا يزال في بداية عهدته الأولى آنذاك، أُجريت حركة تعيينات واسعة في سلك مديري الجامعات و المراكز الجامعية. من بين مديري الجامعات الجدد الذين تم تعيينهم،واحد ابن بلدتي و هو أستاذ جامعي سابق. عندما اطلعت على اسمه في الجرائد بوصفه مديرا جديدا لأحد المراكز الجامعية، استغربت الموقف ! لماذا ؟ لأنه في ذلك الوقت كان حديث الذهاب رفقة زوجته للدراسة و العمل ببريطانيا، و لكني قلت، ربما يتراجع الرجل و يعود إلى أرض الوطن، مسرعا، بعدما تم تعيينه مديرا لمراكز جامعي، خصوصا و أن التعيين جرى على غير العادة بمرسوم رئاسي صادر عن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة و ما أدراك ما بوتفليقة، لكن الذي حدث بالنهاية هو أن صاحبنا، و رغم كل المحاولات و التوسلات رفض أن يعود.. حتى لو أصبح مديرا لجامعة!.. " يا ولدي يهديك ربّي.. عيب، لقد تم تعيينك من قبل الرئيس شخصيا !".. " والوا... ما نرجعش" ! السلام عليكم.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات