أمطار السودان والإهمال المزمن
تصنف الأمطار في شمال ووسط السودان على اعتبار أنهـا موسمية . أي بمعنى أنها تهطل في أوقات محددة من كل عام ما بين شهري يوليو وأكتوبر .... وهو ما يجعل بالإمكان الإستعداد لها بما يمكن من تلافي اضرارها والإستفادة القصوى من إيجابياتها .... هكذا تظل الفرضيات.
لكن الحال يظل على ماهو عليه منذ سنوات عديدة . فلا إهتمام ولا إستعداد ولا حياة لمن تنادي ؛ وإنما وعود عرقوب وكلام ليل معسول تمحوه شمس النهار ، فيصب جميعه في قنوات ومصارف اللامبالاة وعدم الإكتراث والإهمال الذي جبلت عليه الإدارة العامة للدولة في دول العالم الثالث عشر المزمن ، والفريد التخلف بدرجة Hopeless case.
وقد شهدت مدن العاصمة السودانية الثلاث بالإضافة إلى العديد من المدن والمناطق السودانية الأخرى أمطاراً غزيرة يوم الأربعاء المنصرم 1 أغسطس 2012م .... استمرت زهاء ثمان ساعات متواصلة وتراوحت مقاييس هطولها مابين 27 و 53 مل.
وقد تسببت هذه الأمطار في ‘حداث سيول وإغراق وقطع وطمر للطرق والشوارع . ثم مالبثت أن تفاقمت الماسـاة بإنهيار آلاف المنازل في الأماكن الطرفية من العاصمة السودانية ؛ حيث يقطن الفقراء في بيوت تم تشييدها بإمكانيات مالية بسيطة .. وقد إنهار على سبيل المثال عدد 4000 منزل في منطقة سـوبا جنوب الخرطوم . كما تساقطت العديد من المنازل في مناطق متفرقة وأحياء سكنية أخرى فقيرة مثل الكلاكلة بجنوب الخرطوم وأم بدة جنوب أمدرمان .....
المثير للغضب أن هذه الظاهرة تتكرر كل عام بذات السيناريو ولنفس الأسباب ؛ وجراء الإهمال الحكومي المبالغ فيه . وعدم إكتراث السلطات الولائية المختصة ؛ التي لاتعير إهتماما في مجال شق قنوات تصريف مياه الأمطار ولا تشغل نفسها بتحديد ورقابة تشييد المنازل ..
إن التساؤل الذي يبقى ويطرح نفسه دائما ؛ يظل عن جدوى منح تراخيص إستهلاك محلي لبعض المواطنين الفقراء لتشييد منازل دون مواصفات سلامة ودون تخطيط ومد للخدمات العامة ، وبزعم أن ذلك يساهم في حل ضائقة السكن .. ثم تكون النتيجة إنهيار وذوبان تلك البيوت كقطع البسكويت داخل إناء من الحليب الساخن ؟ .... فيكــون المواطن الهلكان قد غرق في الديون واضـاع تحويشة عمره من جهة .. وغرق وذاب منزله من جهة أخرى ؛ قبل أن يعود هو واسرته للشارع العام بخفي حنين.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله عند هطول الأمطار بقوله: "اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام و الأجام و الأوديه و منابت الشجر " .. ..... يرجو بذلك أن يتركز هطول الأمطار الغزيرة في البادية والخلاء ؛ لتمتلي الأودية ويجري الماء فتخضر المراعي وينبت الزرع ويمتليء الضرع ويشبع الناس ؛ في الوقت الذي تنجو فيه المدن والقرى من السيول ولا تتساقط البيوت ..
لكننا وللأسف نسينا تعاليم وسنة سيد الخلق بسبب الطيران والقفز والركض المحموم كالمجانين خلف الدنيا وزينتها . منشغلين بجمع المال من كل مصدر. لايهم حلاله من حرامه لغرض إرضاء نزواتنا وخفة عقل نسائنا وخراب عيالنا .. نسينا فأنسانا الله أنفسنا ؛ فلم يعد يهمنا لاعلينا ولا حوالينا......... ولا حول ولاقوة إلا بالله.
والمصيبة أن صور الأقمار الصناعية تنبيء بأمطار أخرى قادمة ... وأن السماء فوق حزام إفريقيا الذي يقع ضمنه السودان ملبد بالسحب الماطرة.
صورة بالأقمار الصناعية لأفريقيا توضح تعرض السودان للأمطار .. وربما يكون القادم أسـوأ
التعليقات (0)