هل من بقايا شك بأنعدام أخلاقية حكومة الولايات المتحدة ونظرتها الفوقية والأستعلائية وقيمها المزدوجة ، وهل من يستطيع أن يشرح لنا موقف دول مثل ألمانيا وكندا الديموقراطيتين من حقوق الأنسان والأرادة الدولية دون التطرق الى تلاعاب الدول العظمى بهذه القيم بما يوافق مصالحها ، ومصالحها فقط .
عندما نقارن مواقف الولايات المتحدة من بعض القضايا العالمية اللتي عدها الكثيرون مبدأية ، مع موقفها الأخير بوقف دفع مساهمتها لليونسكو بسبب القرار التاريخي اللذي أتخذته دولها الأعضاء بمنح فلسطين كامل العضوية كدولة في المنظمة العالمية ، فلابد وأن نخرج بالأنطباع القديم الجديد اللذي يعرفه الجميع ، "السياسة لا أخلاق لها ، والدول ليست منظمات خيرية" .
فمن يستمع الى رايز وهي تخطب بعصبية وأنفعال في مجلس الأمن بعد الفيتو الروسي الصيني على قرار معاقبة طاغية سوريا سيعتقد أن الولايات المتحدة هي حامية الشرعية الدولية اللتي داست عليها روسيا والصين ، ولكن ما أن أجمع العالم على حق فلسطين بأن تتمثل في اليونسكو كما تفعل باقي دول العالم ، حتى ضربت أمريكا بالأجماع الدولي وبحق الشعوب في أن تعيش بكرامة وسلام بعرض الحائط .
قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس (ما غيرها ) "إن منح اليونسكو اليوم العضوية الكاملة للفلسطينيين يضر بشدة بالمنظمة ، ولا يمكن أن يمثل بديلا لمحادثات السلام مع إسرائيل " موقف مخجل بمعنى الكلمة ، فمساهمة الولايات المتحدة في أحياء التراث العالمي هو ثمن لسكوت العالم على جرائمها وجرائم ربيبتها ، وأثراء الثقافة والفن في العالم هو سياسة وحسابات مصالح ، ووقوف اليونسكو مع الحق "يضر بمصالحها" .
يتفق الكثيرون على أن الأبتزاز الأمريكي الجديد لليونسكو ليس بجديد ، وأن الأنحياز الأمريكي الغربي للكيان الصهيوني اللذي يجسد كل قيم الشر والأجرام بحق الأنسانية هو أنحياز معروف ولايحتاج الى أثبات ، ألا أن مايثير التساؤل والحيرة هو مواقفنا نحن كبشر من هذا التناقض الأمريكي الغربي اللا أخلاقي في مواقفها من قضايا حقوق الأنسان ، وأستعلائها على البشرية بأموالها وقوتها ، واللذي تمثل جلياً في جلسة اليونسكو .
فهناك من يحسب الغرب والولايات المتحدة راعية لحقوق السوريين والليبيين مثلاً ، فيكيل المديح للغرب اللذي يحترم حقوق الأنسان والعدالة والشرعية ، بينما يرى كثيرون عكس ذلك عندما يرى مواقفها من الثورة البحرينية والحقوق الفلسطينية .
وبينما يعتبر الكثيرون دعمها للكيان الصهيوني بالمال والسلاح جريمة ، نظراً للجرائم الصهيونية اليومية بحق الشعب الفلسطيني ، يرى كثيرون أيضاً أن غزوها للعراق على سبيل المثال تحريراً .
ما يعني أن معظم البشر لايعرفون الحق ليعرفوا رجاله " كما يقول الأمام علي عليه السلام" ، بل أننا كبشر لازلنا نعرف الحق بالرجال والدول والمصالح والأهواء ، فأذا كنت مستفيداً من موقف أمريكي فأن الحق مع أمريكا وأمريكا مع الحق ، أما أذا كان تدخل أمريكا مضراً بمصالحي فأن أمريكا هي الشيطان الأكبر .
قليلون في هذا العالم اللذين يقولون أن الديموقراطية الأمريكية جميلة ، ألا أن سحبها تمويل اليونسكو بسبب قرار عالمي أتخذ بتصويت ديموقراطي هو قمة الغطرسة والدكتاتورية .
قليلون يعتبرون أن ضرب البرجين بطائرات مليئة بالبشر هو جريمة ضد الأنسانية وفي ذات الوقت يعتبرون أن ضرب القرى والمدن بطائرات بدون طيار وغزو الدول لجعلها ميدان رماية لقتل الأرهابيين هو أستخفاف بالأنسانية وبحرمة الدم البشري ، وجريمة لاتغتفر .
وهكذا تكون مباديء معظمنا كمباديء أمريكا والغرب ، مباديء متلونة بحسب المصالح ، وهذا ما يعول عليه الطغاة ، اعطي هذا وخذ من ذاك ، أقتل هذا وساعد ذاك كي يعيش ، وفي النهاية يكون البشر أما ممتناً لهم ، أو محملاً غيرهم لمسؤلية جرائمهم أو ميتاً .
التعليقات (0)