تزعم الإدارة الأمريكية : أنها على الحياد التام " كالصراط والقسطاس " ، بين الجنة والنار ، بين الجلاد والضحية ، بين فرعون وموسى ، بين ميدان التحرير وشرم الشيخ ..
جميل هذا .. فهي إن كانت صادقة مع نفسها ومع الشعب المصري ، فإننا نريد منها أمرًا هامًا وبسيطا جدًا :
نريد منها أن تتمسك جيدا بموقفها الحيادي " الرائع " هذا ، إلى أن تنتصر انتفاضة الشعب المصري على جلادها ، وتفرض الحكومة الوطنية التي تتلمس قضايا شعبها الوطنية ، والقومية ..
وأن تتحدد هوية النظام الجديد بانتمائه العروبي المعادي للصهاينة ..
فقط .. نريد من الولايات المتحدة الأمريكية ـ ببيتها الأبيض ، وبوزارة خارجيتها ـ أن تبقى على هذه الحيادية ، وأن تتمسك بها حتى النهاية احتراما " لموقفها المبدئي " بالتزام " الحياد " بين الشارع والسلطة في مصر ..
وحيادهم هذا ، يَفترض عدم التدخل منهم في توجهات الحكم الجديد وسياسته ، أيا تكن هذه السياسة التي سيتبناها ثوار ميدان التحرير ..
أليس هذا شرطا لازما من شروط التزام الحياد ؟؟!!
ما رأي البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ؟؟
لكن ، ماذا بعد أن تغيّر الحرباء لونها .. وتخلع الأفعى ثوبها ؟؟
لا شيء .. إنها تتجدّد .. وتجدّد علينا كذبها الذي لم يبدأ فقط غداة غزوها العراق ، ولن ينتهي مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ..
والحرباء ، يقولون : إنها تدافع عن نفسها بتغيير لون جلدها ..
لكن أمريكا .. ولأنها أمريكا .. الإمبراطورية الأعظم ، حاليا ، لا أظن أنها تحتاج لأن تدافع عن نفسها ..
ثم ، أمام مَن ستدافع عن نفسها ، وخوفا ممن ؟؟
إنها أمريكا .. وكفى ..
فهي ليست مضطرة للدفاع عن نفسها ، حتى على الصعيد السياسي .. إنما ، ما تنثره من " مساحيق " على وجهها الدبلوماسي ، بهدف " التجميل ، والتلميع ، والتحسين " وليس الدفاع ..
ناهيك عن الصعيد العسكري والإعلامي والاقتصادي .. فبينها وبين دول العالم بون شاسع ، تتقدمهم بسنوات طويلة ، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية أن تدركها أو تقترب منها أي دولة ، على الأقل ، في المدى المنظور ..
والسؤال :
ما دامت هي على هذه الحال من الأفضلية والسبق ، وما دامت هي على هذه الحال من القوة والجبروت ، فهل هي مضطرة للمداهنة والنفاق ؟؟
وبالتالي ، هل هي مضطرة لاتخاذ وضعية الحرباء فيما يخص بعض القضايا العالمية ، وليس كلها ؟؟
كل هذه المقدمة ، في الواقع ، هي للوصول إلى النقطة التي توقفتْ عندها الإدارة الأمريكية أمس ، بخصوص موقفها من الأحداث الجارية في مصر ..
فقد أعلنت أكثر من مرة باسم البيت الأبيض ، وباسم وزارة الخارجية ، أنها تقف على مسافة واحدة من الشعب المصري وحكومته الحالية ..
وهذا موقف تخاذلي تأباه الأخلاقيات التي تتغنى بها إدارات البيت الأبيض ، ومبادئ حقوق الإنسان وشرعته المتصاعدة من برج هيئة الأمم في نيويورك ..
وفيما يلي جردة بسيطة لبعض المواقف الأمريكية القريبة الحدوث :
1 ـ فأمريكا وقفت إلى جانب الثورة الشعبيةالبرتقالية في أوكرانيا ، ضد نظام الحكم فيها ..
2 ـ وأيدت الشعب الجيورجي ضد حكومته ودعمته ماديا ومعنويا ، وأغضبت موسكو من أجل ذلك ..
3 ـ وهي طالما أيدت التحركات الشعبية في إيران ضد حكومتها ، وحرّضت عليها ، ودعمتها بكل الأسباب ..
4 ـ ووقفت في لبنان موقفا منحازا كليا لفئة ضد أخرى .. فأيدت وناصرت ودعمت قوى ما كان يسمى " 14/آذار " وفعلت الأفاعيل بقوى " 8/ آذار " ، وما تزال تتخذ نفس الموقف في لبنان ..
5 ـ وأيدت الشعب التونسي بعد تردد لا يذكر ..
6 ـ وتؤيد " الإرادة الشعبية " في الجنوب السوداني وتحارب العالم كله من أجل فرض هذه الإرادة القاضية بتقسيم السودان وتجزئته ، ولو على حساب القسم الآخر من الشعب السوداني في الشمال ..
هذه ستة مواقف أمريكية دولية ، وقفتها في أحداث مشابهة لما يجري في مصر الآن ، لكنها مغايرة لموقفها من أحداث مصر ، ومعاكسة لمواقفها السابقة ، وخارجة تماما على ما تدّعيه الإدارة من " دعمها للديمقراطيات الناشئة " ومعاداتها للديكتاتوريات والأنظمة المتسلطة ..
فما بال الإدارة الأمريكية الآن ، في موقفها العجيب مما يحدث في مصر الآن ؟؟!!
أين الموقف الأمريكي الحالي بالنسبة لأحداث مصر من تلك المبادئ ؟؟!!
أليست ذرائعها " بالوقوف على الحياد " كذبة ًكبرى ، وتضليلا ً، وادعاءاتٍ سخيفة تناقض مبادئها التي تبشر العالم بها ليل نهار ، وتصرعنا بجعجعتها ؟؟!!
يبقى السؤال الكبير :
لماذا وقفت أمريكا إلى جانب تلك الشعوب في الدول التي سبق ذكرها ، بينما تدعي أنها على الحياد فيما يتصل بمصر ؟؟!!
(( ولو أنني أرى : أن الحياد الأمريكي المزعوم إنما هو خديعة تضليلية ، وأنها كلما أكدت على حياديتها ، ازداد دعمهما للنظام الحاكم ، بعكس ما تدعيه )) ..
فحيادها المزعوم هنا ، هو انحياز تام ، ودعم مباشر " للنظام المتهالك المتداعي ، الذي هو رأس حربتها فيما يسمى " دول الاعتدال العربية " ..
ويبدو أن الشعب المصري لا يستحق من الإدارة الأمريكية موقفا داعما ولا مشجعا ولا مؤيدا .. فالشعب المصري شعب معاد للتطبيع ، وللصهاينة .. بينما إرادة " اللا مبارك " تعاكس إرادة شعبه ، وهي التي فرضت الاستسلام والتطبيع " الصوري " فرضا على الشعب المصري ..
من هنا ، يتضح لنا سبب خشية الإدارة الأمريكية الوقوف إلى جانب الشعب المصري ..
ومن هنا نفهم : لماذا خانت الإدارة الأمريكية مبادئها ؟؟
ومن هنا نعرف ، كم للشعوب العربية عندها من قيمة ووزن ، عندما يتعلق الأمر بالمقارنة بين هذه الشعوب ، والمصالح الصهيونية ..
فلو لم تكن مصر على حدود فلسطين ، لتغير الموقف الأمريكي بالتأكيد ..
لكن سوء حظ الشعب المصري ، أنه على مسافة أشبار من الحدود الفلسطينية .. من جهة ..
وأنه لن يقبل بنظام سياسي جديد ، يخرج من الأحشاء العفنة الخائنة للنظام الحالي ، من جهة ثانية ..
وهذا هو سر الموقف الأمريكي " الحيادي " المخادع والمزعوم ..
إنها ما تزال تقول نعم ، وألف نعم " لمبارك " ثان وثالث وعاشر ، ولو فني الشعب المصري كله ، ما دامت هذه الأنظمة تحقق للصهيونية مظلة أمنها وعنجهيتها ..
وهي إن تخلت عن اللا مبارك ، كشخص ، لكنها ـ لو استطاعت ـ فلن تتخلى عن اللا مبارك كنظام ، وذلك ، عن طريق دعم أعوانه وأزلامه ..
لكن .. " لن تتلقح هذي الأرض بغير اللغة العربية ..
فيا أمراء الغزو ، فموتوا " ..
ولن يكون هناك " الخراب " الذي يرد عقب تلك الأبيات من قصيدة " مظفر النواب " الشهيرة : وتريات ليلية ..
الثلاثاء ـ 01/02/2011
التعليقات (0)