ممدوح الشيخ
"الحرب الباردة" مصطلح شهير يلخص حقبة من التاريخ المعاصر خاض فيها حلفا وارسو والناتو صراعا طويلا انتهى بانهيار الاتحاد السوفيتي، أما "الحرب العربية الباردة" فمصطلح صكه الكاتب الأمريكي مالكوم كير ليصف الصراع بين حلفين عربيين: الأنظمة "الرجعية" والأنظمة "الثورية"، وبعد ما يقرب من نصف قرن ما زال العالم العربي منقسما إلى: "محور الاعتدال" و"محور التشدد"، ومن الأحلاف إلى المحاور "يا قلبي احزن كثيرا"!
فهل معنى هذا أن العالم العربي فشل في تجاوز مرارات الحرب العربية الباردة.
ومن يتأمل المشهد الأوروبي عقب الحرب العالمية الثانية يدرك لأي حد نحن غارقون في ثقافة الخصومة، وصدق الرسول الذي أنبأنا بأن من سمات المنافق أنه: "إذا خاصم فجر". ورغم أن الأوروبيين نجحوا فإن طي صفحة الماضي بعد حربين عالميتين ضاريتين فإننا لم نستطع أن نفعل، بينما بعد عامين لا أكثر من انتهاء الحرب العالمية كانت فرنسا التي تعرضت للاحتلال الألماني تتجاوز إحساسها بالذل والمهانة وتجلس مع ألمانيا لوضع نواة الاتحاد الأوروبي. ورغم اختلاف أعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم ومذاهبهم كان الأوروبيون – خلال السنوات التالية – يقطعون خطوات واسعة على طريقة الوحدة، ليس فقط لأنهم انحازوا للمصالح على حساب المشاعر، بل لأنهم كانوا على استعداد لنسيان الماضي وبناء الثقة المتبادلة.
إن ما تشهده العلاقات العربية العربية من توترات لا تكاد تختفي من مكان إلا لتظهر في مكان آخر أحد مؤشرات كارثة الإخفاق العربي في بناء شيء ذي قيمة من توقيع اتفاقية تأسيس الجامعة العربية (1943)، فالثقة هي الأرضية الصلبة لأي تعاون إقليمي ناجح ورصيدنا منها "صفر"!
وقد توقفت طويلا أمام خبر نشرته الاندبندانت البريطانية قبل أيام، الخبر يقول الخبر إن الحكومة البريطانية باعت مصنع آلديرماستون للقنابل النووية والمشتري شركة أمريكية، وهو ما أثار حفيظة نواب بريطانيين لان مجلسهم لم تتم استشارته في القرار. وحسب الجريدة فإن بريطانيا لم يعد لها أي حصة في إنتاج رؤوسه النووية، وبالتالي فإن الأمريكيين سيتولون إنتاج وصيانة الرادع النووي البريطاني المستقل. وهناك استياء من أن تكون بريطانيا فقدت نهائيا السيطرة المباشرة على هذا المجال الحيوي. وزارة الدفاع من جانبها أعلنت احتفاظها بنصيب يمنحها حق التدخل إذا لزم الأمر.
والقصة مليئة بالدروس المهمة، أولها أن بيع المصنع الوحيد للسلاح النووي في بريطانيا لم يتحول إلى مأتم للوطنية البريطانية، ولا أحد اتهم أحدا بالخيانة أو العمالة أو بيع البلاد للأجانب. ولم يعقد أحد مؤتمرا لكشف أبعاد المؤامرة .... ولم يخرج أحد ليصرخ مطالبا بالاعتصام أو تشكيل جبهة أو لجنة، ولم يتطوع أحد بإصدار فتوى وطنية بأن هذا المصنع "مشروع استراتيجي"، إلى آخر مفردات معجم الوطنية المتطرفة الذي ساهم في تخلفنا وما زال .. ...
والدرس الثاني هو أن دولتين إحداهما كانت يوما ما تحتل الأخرى صارتا طرفي تحالف شديد الرسوخ، وهو ما لم يتحقق بين أي دولتين عربيتين رغم أننا ملوك ديبلوماسية توزيع القبلات وأصحاب الرقم القياسي الأهم عالميا في إنتاج الأغاني عن الوحدة. كما أن التصريح الرسمي المقتضب لوزارة الدفاع عن حق التدخل وضمان المصالح الاستراتيجية للبلاد كان كافيا لإقناع الناس بأن الأمن غير مهدد فلم يستخدم أحد قاموس: الحداية والكتاكيت.. ..
وقد ذكرني هذا الخبر بخطاب السيد حسن نصر الله في يوم تنفيذ صفقة الأسرى مع إسرائيل عام 2004، ومما قال فيها: "بالنسبة للعدو، هذا عدو بيننا وبينه حرب طاحنة، ونقر بوحشيته وهمجيته ولكن، حتى الإسلام يدعونا إلى أن نعترف بإيجابية عندما يكون لدى هذا العدو إيجابية. أيا يكن السبب لدى الصهاينة الذي يدعوهم إلى الاهتمام بأسراهم أو بموتاهم أو بأجساد موتاهم فهذا أمر يجب أن يحترم. نحن العدو اللدود لإسرائيل. أنا أقف اليوم وأحترم هذا العدو الذي يهتم بأسراه وبأجساد جنوده، ويعمل من أجلهم في الليل والنهار"
وأنا لا أطالب أحدا بأن يقف احتراما للعدو بل أدعو للتعلم من الدرس الأمريكي البريطاني، وهو جدير بأن نتعلم منه حتى لو رفضنا أن نقف احتراما لأمريكا أو بريطانيا !!!!!!
التعليقات (0)