مواضيع اليوم

أمة تحتضر

 عبد الهادي فنجان الساعدي


خطفت مجموعة مسلحة ثلاثة شبان على طريق العظيم وهم في شاحنتهم وطلبوا الفدية من ذويهم. عندما اطلق سراحهم قالوا بان الذين خطفوهم ارغموهم على ان يصلوا مثل صلاة الخاطفين لان ما يخالف صلاتهم باطل !!!
يقول الرسول "ص" (لا يجوز ترويع المسلم وروعة المسلم ظلم) .. كيف تتلاءم الصلاة الصحيحة .. مع الترويع واخذ الفدية من المسلم المحمدي ؟!!
قال لي جاري بانه في احد الايام راى شابا سكرانا الى درجة انه فقد طريقه الى بيته فطلب منه ان يدله على الطريق . وفي هذه الاثناء جاء شخص اخر وقال لجاري : كيف تدله على الطريق وهو سكران. لقد ارسلته الى شارع اخر . التفت الرجل السكران وقال له (من صلى وصام بلا معروف فلا صلى ولا صام) !!! وعندما اوصلته الى بيته شكرني الا انني كنت اكثر منه امتنانا لأنه اضاف لي حكمة انسانية لا يمكن انكار علاقتها بالاسلام العقلاني .
أحد الأخوة في دولة اجنبية قال لي في التلفون : كيف تتقاتلون بينكم والقران يبدا بكلمة الرحمن الرحيم (فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم)!!!(1) قلت له باننا امة تحتضر .
يعلق الكاتب ادونيس في كتابه المحيط الاسود ص (184) على النظام العراقي السابق (كيف امكن ان يحكم فكر ونظام في هذا المستوى من الانحطاط رؤية وتعقلا واستبصارا طوال ثلاثين سنة بلادا هي التي افتتحت كتابة التاريخ البشري) .
لقد فات الكاتب والشاعر الكبير أدونيس بان النظام السابق هو نظام بلا فكر، فلقد اثبتت التجارب ودراسة ذلك النظام بانه لا يمتلك أي نوع من انواع الفكر التي تؤدي الى سلوك يمكن الاشارة اليه او التدليل عليه .. انما هي مجموعة طروحات مبتورة ومستنسخة من الفكر القومي الالماني ومن خطابات فيلسوف الامة الالمانية (فيخته) ومن الفكر الماركسي ومن العديد من الطروحات الصينية وفي ظنهم ان اللغة الصينية ليست في متناول المترجمين . أن اغلب الطروحات الرومانسية القومية كان من الممكن ان تخدم مرحلة من مراحل الاستقلال الوطني الا انها لا يمكن ان تبني نظاما يؤسس لوطن او دولة تحمل في طياتها حضارات امتدت في المكان والزمان دون أن يحدها او يوقفها غير انهيارها الذاتي (ترى أهناك بلدان – كما تتهدم الابراج ... تتهدم هي كذلك؟)(2).
يقول أدونيس في نفس المصدر (تسكنني كلمة لكونراد يقول فيها (ان نقتل او لا نقتل تلك هي الحقيقة ، لا الايمان او الالحاد ، لا الغرب ولا الشرق ، لا الشمال ولا الجنوب ، فالمشكلة الجوهرية هي هذه : هل لنا الحق في ان نقتل انسانا) .. استطرادا: أي مستقبل يبنيه هؤلاء الذين يؤسسون حاضرهم بالقتل؟!!
هل يكتب لهذه الامة ان تعيش بعد هذه القرون من الاحتضار البطيء ؟!! لقد بدأت اشك بكل ما يقال عن مستقبل مشرق .. او الوان وردية .. أو زهور .. وحتى الكلمات لم يعد لها غير طقوس المآتم .
ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية قال (قتلنا 300 فلسطيني منذ اختطاف الجندي الاسرائيلي لحد الان .. التصريح 29/10/2006 .
هل هناك امة تحتمل كل هذا القدر من القتل والاذلال وتمارس السبات ولا تفتش عن طريق الخلاص الا من خلال حمقاها .. (قتلنا 300 فلسطيني) .. من الذي قتلهم .. ايهود اولمرت أم من خطف الجندي الاسرائيلي .. وكان ليس هناك طريق للخلاص الا بالبندقية المجردة التي تشبه الى حد بعيد حاملها .. أو كأن حاملها هو الجزء البليد من الحديد البارد لهذه البندقية .
كنا نصف عامل البناء فنقول (عامل طين) .. في الحين الذي كان العامل في اوربا وامريكا يعمل في المعمل الذي يشكل جزءا مهما من حياة ومستقبل تلكم الامم . وحتى بعد أن تحول البناء من الطين الى الاسمنت والطابوق فما زال العامل عندنا يسمى (عامل طين) وعمال المسطر هم شريحة من افقر شرائح المجتمع واكثرها تحملا لذل الفقر وهجمات التكفيريين الدموية . لقد انحدرت المفاهيم الانسانية حتى لقد وصلت الى مرحلة التدمير الذاتي التي تمارسها مجتمعاتنا ضد نفسها .. انه ليس التيه ذلك الذي نمارسه ضد انفسنا ولكنه الانحدار السريع نحو الهاوية التي تقود الى مجموعة من الانحدارات نحو هاوية اخرى اكثر عمقا وظلمة (العامل التقليدي في مجتمع المعلوماتية صار يعمل في المصرف او في شركة حاسبات او مطعم او جامعة او في وكالة للخدمات الاجتماعية بدل العمل في مصنع للسيارات او معمل للحديد لقد تعاظم دور المعلومات والبراعة الذكية التي يمتلكها الاشخاص والمكائن المتقدمة بأطراد ، واحتل الجهد الفكري مكان الجهد البدني واصبح الانتاج معولما بعد ان فتحت تكنولوجيا المعلومات الرخيصة طرق انتقال المعلومات عبر الحدود القومية. بينما الغت طرق الاتصال السريعة بواسطة التلفزيون والراديو والفاكس والبريد الالكتروني الحدود التي كانت قائمة لحقب طويلة امام مجتمعات حضارية عدة)(3).
يقول نابليون (أما أن نكون ملوكاً او ان نكون عبيدا) وانني لاعجب لاصرارنا على ان نعيش الحالة الثانية ونمارسها كواقع بكل قناعة بالرغم من مظاهر الاصرار الكاذب امام الاخرين على اننا ملوك عبر التاريخ وما زلنا .. وبالرغم من وحل الهزائم .. وكوارث الذات العربية .
الحواشي:
(1) سورة فصلت الاية 34 .
(2) كتاب المحيط الاسود / أدونيس / ص189 .
(3) التصدع العظيم / فرانسس فوكوياما / ترجمة عزة حسين كبة / منشورات بيت الحكمة ص7 .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !