مواضيع اليوم

ألوحده الاسلاميه في القرأن الكريم للسيد الدكتور ابراهيم الجعفري

فهد العراقي

2011-10-19 09:25:25

0

 المقدمة

 

ليست الكلمات أدوات ساكنة، بقدر ماهي ذوات مفكرة، ومتحركة، وفاعلة، في عالم الإنسان، وإنسان العالم، من جهة تحديد مساره، وجعله  قادراً على إعمار الأرض .. وليس هذا الكلام من قبيل الترف العقلي ، فهو غاية ، وحتمية ،  على حد سواء . وإلا ّ كيف نفسر المعجزة النابضة بالحياة إلى هذه اللحظة ، وحتى قيام الساعة ، ألا وهي معجزة القرآن الكريم ، ذلك السفر الكوني الذي لن يجد إليه الباطل طريقاً، لا من بين يديه ، ولا من خلفه . وفي ذلك يقول الله جل وعلا:

((أفلا يتدبَّرون القرآن أم على قلوب أقفالها))

والتدبر هنا بإجماع المفسرين هو التفكر . وفي هذا الصدد يُنبهنا مشكاة ُالوجود الأقدم ، سيدُنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهمية هذا الأمر وخطورته؛ فيقول واصفاً آيات القرآن الكريم:

(ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتدبَّرْها).

وفي ذلك دعوة صُراحٌ إلى التفكر ، والتفكير ، وهي مسؤولية كبرى، ملقاة على عاتق المسلمين خاصة والناس على وجه العموم  ؛ لذلك نجد الخطاب القرآني دقيقاً عندما يصف الظواهر في قوله مرة : بـ ((يا أيها الذين آمنوا))، وبـ ((يا أيها الناس)) مرة أخرى.    ولعل ذلك يوفر حُزمة من الضوء؛ لإلقائها على موضوعة الوحدة في كتاب الله العزيز؛ لنرى كيف عرضها السياق القرآني، وبالمقابل، كيف تم التعامل بها من قبل الأمة الاسلامية .

وانطلاقاً من مبدأ عالمية الرسالة المتحقق في آية ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، واتساقاً معها جاءت الوحدة في الاسلام  كنمط  حياة، وممارسة ضرورية لابد منها؛ لتحقيق الاندماج الاجتماعي الأمثل.. فهي تفرض علينا السماح للآخر المختلِف بأن يتنفس بالقرب منا من دون التفكير ولو لحظة بإقصائه، أو تغييبه، أو إسكاته.

فعلى الرغم  من عدم وجود مشترك الثقافة فإن ذلك لا يشكل عقبة إذا ما تــَـسالــْـمنا على إشاعة ثقافة المشترك، وإنزالها من رفوف التنظير إلى ميدان التطبيق فمثلما لا تقوم الحياة بعنصريها آدم، وحواء، ونظيريهما المُختلِف والمُؤتلِف لا يمكن أن يتحقق السلم الاجتماعي بالنتيجة. وهنا يدعونا القرآن الكريم لأن نـفيء إلى خيمة السلام حيث يقول تبارك وتعالى:

((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى  وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..))، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية التنافذ الحضاري بين اختلاف الالسنة والألوان والتعامل مع هذا الأمر على أساس التفاعل، والاستمرارية بين بني الإنسان.

ويترتب على كل ذلك أن يزاول الانسان في عيشه ثلاثة أزمنة هي الماضي، والحاضر، والمستقبل فلا ينكفئ على إطـار واحد، فدائماً في الحياة يحدث التغيير، ويتغير الحـدث وهذا يمنحنا القدرة على التواصل  دينياً ودنيوياً مع الأخ، والنظير فلاشك في أن هناك خلافات منصرمة تلقي بظلالها على الحاضر، وهذا أمر موجود في طفولة جميع شعوب الأرض، والشعب المتقدم هو من ينشغل بـ " الآني ، والراهن " وبصنع الحضارة  ولايكتفي بتذكرها ، وتأبينها والاحتفاء بها على أساس أنها ماض ٍتليد ليس كمثله شيء . وبما أن تلك الخلافات تشكل " أناتـَنا التاريخية " لاينبغي علينا في الظرف الراهن الاحتكام لها ، وإسقاطها على الحاضر ؛ لأن ذلك يعمل على إرباك البرامج الروحية ، والمادية المحيطة بنا ، والمحيطين بها .

ومن نافلةِ القول ، فإنه تجب الاشارة إلى أن ما تقدم ، وما يلي من طروحات يتطلب خطابا ينبثق من وعي المرحلة ، ووحيها ، وبالضرورة يستدعي هكذا خطاب  خطيبا يتحرك خطابه على حذر لإنجاز العبور السليم إلى الضفة الأخرى ، ولاسيما إذا عرفنا كما يشير الحـديث الشريف (إن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق) فتأمل ..

ولوضع النقاط على الحروف وفتح كوة على المستقبل من خلال الحديث في وحول موضوع الوحدة يضيء لنا الدكتور ابراهيم الجعفري الوجه الناصع للخطاب القرآني في تعامله مع هذه المفردة قولاً، وعملاً، والله من وراء القصد

يكتسب الحديث ، عن الأمة الإسلامية ، أهمية خاصة ؛ لأنه حديث عن أمة لها تاريخ موغل بالقدم ، وزاخر بالعطاءات ، كما انها أمة تحتل موقعاً استراتيجياً من الناحية الجغرافية ، مستقرة في قلب العالم ، وموزعة في قارات ثلاث: آسيا ، وأفريقيا، وأوروبا ، وممتدة الى حوالي 50 بلدا  اضافة إلى امتلاكها الكثير من الموارد الطبيعية ذات القيمة الاقتصادية وفي مقدمتها النفط  ؛ إذ يبلغ أحتياطيـــّها منه ثلثي احتياطي نفط العالم (احتياطي النفط في العراق 112مليار برميل، وفي السعودية 262مليار برميل، وفي ايران 116 مليار برميل)، كما خــــّرجت من الناحية العلمية أساطين العلم، ورواد المعرفة في ميادين الفكر المختلفة.

هذا على مستوى الفعل ، والإثراء ، أما على مستوى ردود الفعل، والمخاطر المحدقة بها ، فإن مفكري الليبرالية الأميركية بدأوا يدقون ناقوس الخطر إزاء الأمة الأسلامية ، ومن كل ما يمت لها بصلة من فكر، وامتداد ،  وآلية  ، وخطاب.

ولعل أحد نماذج هؤلاء المفكرين هو الاميركي (صاموئيل هنتكتون) حيث نظر إلى مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، وانتهاء الحرب الباردة ، وَعَدَّها إيذانا بِصِدام ٍحضاري سيحصل بين (الليبرالية الأميركية) من جانب، وبين الإسلام، والكونفوشيوسية، من جانب آخر.

 وهو ما يضع الأمة الاسلامية في موضع الشك ؛ و مما أسهم في تكريس هذه الشبهة موجة الإرهاب الحديث ، التي بدأت مشوارها بأميركا في ايلول (سبتمر) عام 2001 وامتدت إلى إسبانيا ، وأيطاليا، وبريطانيا ، ومصر، والسعودية، والعراق، وأفغانستان، وماليزيا، وباكستان، والكثير من بلدان العالم ، وهو ما يستدعي أن يبذل المسلمون عموماً - والواعون منهم خاصة - جهوداً ليكون هدفهم الاول هو تجلـيـة الوجه المشرق للإسلام ، والأمة الأسلامية.

فضلاً عن أن العمل؛ من أجل حفظ وحدة الأمة، وصيانة كرامتها، مما دلت عليه الأدلة العقلية، والنقلية بحيث لم يعُد أحد يناقش في مسألة (سر قوة الأمة في وحدتها) كما لم يناقش أحد من أن أخطر أعداء الأمة هو من يستهدفها تحت شعار (فرق تسد).

لكن المشكلة تكمن ، في أن الأمة لم تزل دون مستوى مسؤوليتها من الناحية العملية ، وهي تعاني من أزمات عدة : على مستوى الخطاب ، والمنهج ، والمؤسسة، والرموز ؛ ما يجعل البحث في كل ما يتعلق بوحدة الأمة أمراً ضرورياً، ويهم الجميع من دون استثناء ، فهي أضافة إلى كونها مسؤولية شرعية أرادها الله تعالى للمسلمين فهي ضمان لسعادتهم، وأمنهم، وهي سر قوتهم، و مصدر عزهم.

لم يعد اليوم أمر الوحدة الاسلامية شأناً إسلامياً بل أصبح شأناً عالمياً في وقت تضاربت فيه أطراف العالم، وامتزجت الثقافات، وتشابكت المصالح، ولاحت فيه المخاطرالمشتركة؛ وهو ما يجعل الأمم الأخرى أمام مسؤولية الانفتاح على الأمة الاسلامية، ونزع فتيل التوتر من الأوضاع التي استبدت بها ردحاً طويلاً من الزمن.

إن ما يمكن أن تقدمه الأمة الاسلامية من إثراء على المستوى الاقتصادي ، والحضاري، والفكري ، وما تسهم فيه من أجل إرساء قواعد الاستقرار، والطمأنينة يجـعلها محط احترام العالم كله ، كما أن عامل الأخطار المشتركة ، التي يعانيها العالم ، وتحدق بالأمة الاسلامية كذلك يدفع هو الآخر باتجاه عالمية الأمة الاسلامية ، وهنا علينا أن نميز بين العالمية للأمة الاسلامية ، التي تطل برأسها الحضاري البنــّاء والمساهم في إثراء الأمم الأخرى ، والمشاطر لها في همومها بكل ثقة ، وبين تدويل الأمة ، وجعلها رهينة حسابات دولية ، تبتز خيراتها ، وتعرقل حركة نموها ، وتنظر لها : (للأمة الأسلامية) من وحي العقدة الفوقية .

يجب ان يتجلى الحضور العالمي للأمة الاسلامية ، يتجلى في صورة التعاطي الفكري، والاقتصادي، والفني، والسياسي، بما يعمق موقعها المرموق، ويجعلها في الصدارة، للأخذ بزمام المبادرة في دعم الأمم الأخرى والاستفادة من تجاربها، في عالم يراد له أن يكون عالماً آمناً، وقوياً، ومزدهراً، بعيداً عن كل ما من شأنه زعزعة الأمن والسلم والاستقرار.

 

 

لماذا الوحدة الاسلامية في القرآن الكريم؟

 

إننا إذ نتناول الحديث عن موضوع (الوحدة الاسلامية) ، لأن الأمة لمــّا تزل تعاني من التفرقة والتمزق في الكثير من مجالاتها ؛ ولأن الترابط بين تماسكها الداخلي ، وأدائها الخارجي في سياقات التعامل - مع الأمم الأخرى - ترابط عضوي.

ومن خلال مصدر مقدس كالقرآن الكريم يحظى بتسليم كل المسلمين، ومن مختلف خلفياتهم المذهبية، وحيث إن موضوع الوحدة يستهدف الفرقاء المسلمين أنفسهم ؛ كان من الطبيعي أن ننطلق من كتاب الله الكريم عليهم ؛ لينفتحوا عليه جميعاً.

 فقد ينغلق البعض من أبناء المذاهب تجاه الآخرين من المذاهب الأخرى اذا ما تم الانطلاق من الأحاديث ، والروايات التي لا يسلــِّم المخاطب باعتبارها ولو الى حد ما تخص الآخر المذهبي ، بينما إذا سلــّم المسلمون جميعاً لمرجعـية القرآن الكريم على الحديث مهما كانت صحة سنده ووضوح دلالته ، قرَّبَ ذلك من دائرة المشتركات.

 

 

عناصر الوحدة الإسلامية في القرآن الكريم

 

1 - المعرفة التربوية:

 

قال الله (تعالى شأنه):

((وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون))

                                                                   (سورة المؤمنون/52)

المظهر الوحدوي للأمة الاسلامية على المستوى البنيوي ، والأداء الوحدوي على مستوى الآلية، وكذلك الخطاب الوحدوي على مستوى التوصيل للمتلقي ، كلها لم تنفصل عن القاعدة العقيدية بكل ما زخرت بها من مفاهيم ؛ وهي ما تعطي كل هذه النمطيات قيمة معنوية ، وفهماً معنوياً للحياة؛ لذلك يقول (عزوجل): (( وأنا ربكم فاعبدون))، ((وأنا ربكم فاتقون))، وتكرار (أنا ربكم) يفيد حقيقة التربية، والتغيير، وأنه (سبحانه وتعالى) جهة التشريع المعنية بإحداث التربية؛ وهو ما يضفي على الوحدة قيمة عبادية كبيرة، ويحذر من مغبة احداث الفرقة؛ ما يـخـرج وحدة الأمة من الحيز الكمالي، ويدخلها في دائرة المسؤولية الكبرى، والتكليف الشرعي.

 

2 - المرجعية القرآنية:

 

((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به  ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً))

                                                 (سورة النساء/60-61)

كل أمة من الأمم ، مهما تماسكت أطرافها، وتعمقت جذورها تبقى عرضة للاختلاف، ويبقى باب الاختلاف مفتوحاً، وقد يكون طريقه طويلاً لا يقف عند حد الحوار، والتفاهم بل قد يتطلب الاحتكام لحسم أمر من أمور الأمة، ووحدتها، ومصيرها، ومقدراتها، لمرجعية ما.

فـمن هو المرجع الحاكم، الذي بيده ناصية الأمر، والذي يفترض أن يكون واجب الطاعة ؟

 لم يترك  الله (سبحانه وتعالى)، عباده دون توجيه، بل أمرهم بالرجوع إليه ، وأنهم حين يتجاوزون ذلك معناه : أنهم اتبعوا الطاغوت ، وهو ما يعني أنهم رموا أنفسهم في أتون المحنة وانساقوا وراء الشيطان الذي سيوغل في ضلالتهم.

 

 

 

3 - المنهجية الوسطية:

 

قال الله (تعالى شأنه):

((وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً))

                                      (سورة البقرة/143)

إن دور الشهادة ، المزمع ممارسته من قبل الأمة على الآخرين من الناس ، مرتبط عضوياً بمحتواها الداخلي الذي يتميز بالوسطية . هذه الوسطية لا تكون من وحي المردود الاجتماعي والذي ينحى منحى التوفيق بين المتخاصمين ؛ فيتحرك ؛ ليقارب الوسط العرفي، ولو على حساب الحقيقة؛ لأنه انطلق في هذه القضية ، أو تلك في مسار ما ، واختاره لمجرد أنه بين طرفين، بينما قد يكون أحد أطراف الخصومة مطابقاً لخط الحقيقة فيما يكون الآخر مجانبا لها.

إن منهجا كهذا ، لا يقوى على ممارسة دور الشهادة ، إنما الوسطية القرآنية المطلوبة هي التي تنطلق على الناس ، لا من الناس ؛ فهي فعل ، ومبادرة مستوحاة من المبدأ ، والعقيدة ، والرؤية التي تصل حد الوضوح ، وليس من ردود فعل أطراف التخاصم.

 من هنا تكون (الأمة الوسط) ، قد أخذت حصة من التشبع بالقيم ، والمبادئ، التي أرادها الله (سبحانه وتعالى) لها ومن ذلك الموقع المتجرد؛ لتأخذ دورها الشاهد، والوسطي على الموقع المعني؛ مثلما تكون هي الأخرى محط شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وهذا ما يجعل مفهوم الوحدة الإسلامية أمام مستلزم أساس ، ألا وهو التوافر على البراهين، والأدلة الكافية، والتي تبرئ الذمة بعيداً عن العواطف من جانب حيث إن شهادتها على الناس نقطة ارتكاز أساسية، وهي تتوافر على الارتباط بخط الرسالة الذي يمثله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجانب الآخر.

لذا فإن أي ابتعاد عن هذا الخط يفقد الأمة تماسكها الداخلي، ويستفرغها من محتوى التأهيل لممارسة دور الشهادة عليها وعلى الأمم الأخرى.

((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم))

                                                 (سوة آل عمران/ 105)

4 - المشاعرية:

 

((.... و لكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون))  (سورة الحجرات/ 7)

صحيح أن الإيمان بجانبه العقيدي هو من مقولة العقل ، ولكن الله (سبحانه وتعالى) أنزله من عالم العقل إلى عالم القلب ، وجعله محبباً للنفس؛ لتزدان به.

إ ن ما يترتب على الإيمان من حب ينعكس على أمة المؤمنين، وعلى منهجهم، وأعمالهم، وهو ما يجعله من ثقافة الحب؛ لتكون هي السائدة ، والطاردة ، لثقافة الكراهية، حيث يجد المؤمن نفسه أمام رابطة عاطفية مُشرعنة، لايتكلف حين يتعامل الآخر مع الآخر وممن يتحرك ضمن منظومته الفكرية ، ويمضي في ذات السبيل.

وهكذا تدخل الأمة في مجال التعاطي العاطفي على أساس الإيمان؛ نجدها لا تتكلف التعامل من موقع الانسجام ، والتماسك ، كما لا تستثني شريحة اجتماعية من  أن تتغلغل في أوساطها ، وتبث فيها روح المحبة ، وتقوي فيها أواصر العلاقة . ولعل من ظواهر الروعة في القرآن الكريم هو مزج العاطفة بالفكرة ، والذي تجلى في أكثر من مفهوم:

((الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.....)) (سورة الحديد/16)

((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...))

                                                                                            (سورة الانفال/2)

((وجعل بينكم مودة ورحمة....)) (سورة الروم/21)

((.... رحماء بينهم)) (سورة الفتح/29)

((إلا المودة في القربى)) (سورة الشورى/23)

إن لغة الحب المعقلن ، والتعاطف المشروع، أسرع تأثيراً، وأوسع انتشاراً في أوساط الأمة، وأعمق أثراً في نفوس أبنائها، وهو الذي يهبها ما لم يهبه الطرح الفكري المجرد الذي قد يقتصر على الخاصة من الناس، وقد يصلح لأن يكون قاعدة؛ للتنظير، لكنه لا يتكامل إلا من خلال إجادة مخاطبة عموم الناس والنفوذ إلى وجدانهم، و هو ما يؤمن للأمة، حركة حية، بكامل أطرافها.

 

5 - الانطلاقة المشتركة:

 

وعي المشترك يلعب دوراً مهماً في إحداث التقارب، وكلما زادت مكونات الأمة ، وتعددت أطرافها ، زادت الحاجة لوعي المشتركات بينها ؛ للانطلاق منها ، وإحداث الوحدة . وقد أكد القرآن الكريم على أهمية المشترك مع أبناء الديانات الأخرى ، وأراد لنا أن ندعوهم إلى المشترك الكتابي :

((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا...))

                                                                    ( سورة آل عمران/ 64)

فكيف إذا نقلنا التعامل من الآخر الديني على قاعدة المشترك الكتابي، إلى الآخر المذهبي على قاعدة المشترك القرآني؟.

إن المشترك الكتابي مع أبناء الديانات عامة هو: (عبادة الله وعدم الشرك به) إجراء من شأنه أن يؤمن قاعدة انطلاق مشتركة ، فكيف إذا وضعنا المشتركات الإسلامية التي يصعب حصرها عددياً في مجالات القبلة، والكتاب الكريم، والرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغالبية  العظمى من مفاهيم العقيدة من الناحية الكلامية، والأحكام الشرعية، فكم ستكون قاعدة الانطلاق ثابتة؟.

إذن لابد من إشاعة (ثقافة المشترك) ونشرها؛ لأن ثقافة المشترك من شأنها أن تضع الفرقاء المسلمين أمام (مشترك الشد ، والتفاعل)، وإحداث الوعي لدى كل المسلمين بضرورة وضع أمتهم أمام قاعدة بناء عريضة ، يمكن أن يُشادَ عليها صرح العلاقات، والتي من شأنها أن تخنق الاختلافات في أضيق دائرة ممكنة ، وتضفي عليها طابعاً تكاملياً.

إن التحرك من المشترك على المختلف ، يضمن مواصلة المسيرة بالعلاقات ، أما البدء بالاختلافات وتجاهل المتفق عليه، فقد يجعل المختلف عليه رامياً بظلاله حتى على المتفق عليه، ويدق إسفيناً يحول دون أي نوع  من أنواع التعاطي البناء. إن الأوساط الاجتماعية التي استعرت فيها نيران النعرة الطائفية، جعلت أطراف الاختلاف يعرفون على ماذا يختلفون لكنهم يجهلون ما يتفقون عليه.

وعليه فإن ثقافة المشترك (ثقافة الاتفاق) سرعان ما تتحول من أطرها النظرية إلى المجتمع ؛ لتوجد عرفاً اجتماعياً يتجاوب مع الوحدة ، ويعمل على تضييق هوة الاختلاف.

 إن الناظر للتجربة الاجتماعية في العراق يجد ذلك واضحاً بأجلى صورة، فكل مدن العراق فيها تنوع مذهبي ؛ بل إن أغلب عشائر العراق فيها تنوع مذهبي، ويبقى التعايش صورة بارزة في مجتمعات المدن العراقية، ولم يسجل تاريخ العراق احتراباً أهلياً، أو حتى طائفياً بين ابناء المدن .

وحين بذل أعداء الأمة جهودا ؛ لإحداث الفرقة ، والإحتراب استطاعت الأمة أن تفشل جهود الأعداء ، وتقف متماسكة بوجهها . وقد لعبت المرجعية الدينية ، وعلماء الدين وقوى اخرى دوراً مشرّفاً في ذلك.

إن مثل هذه الحقيقة القرآنية في الأخوة الإسلامية تحولت الى حقيقة عرفية بالمدن مثلما تمظهر التجاور المذهبي على شكل تعايش جواري في السكن، وتعايش قبلي، وتعايش مناطقي وصل الى حد التزاوج بين أبناء المذاهب في العراق بنسبة تصل الى 26.8%.

 

6 - الموضوعية:

 

كثيرا ما يكون التنظير تحت تأثير السلطان (للنعرة) ؛ لتبرير حكمه ، وإدامة سطوته . ومن أشد ما يمنى به الفكر، والثقافة حين يكون الفكر واجهة لنزعة السلطان، وهو ما ظهر في عصر(معاوية)، حين فسر ولايته السياسية بأنها من مصاديق القضاء ، والقدر، وأنه أمر ليس للعبد فيه إرادة . موظفا ذلك المفهوم ؛ لتبرير حكمه على الناس . ولتعزيز ادعائه ؛ استشهد   بظواهر الآيات القرآنية الكريمة:

((ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى)) (سورة الانفال/ 17)

((يضل من يشاء ويهدي من يشاء)) (سورة النحل/93)

وقد أراد بمثل هذه الآيات الإيحاء بأن الله (سبحانه وتعالى) فرض السلطان (الحاكم)، كما هو، ولا شأن للعبد في أن يعترض عليه!

وكذلك كانت الفتنة التي أشعلها البلاط  العباسي في زمن (المأمون العباسي)، والمتعلقة بمسألة (خلق القرآن)، وقد قتل فيها عدد كبير من الأبرياء ، حيث إن أحمد بن داوود في عصر المأمون كتب إلى الولاة في العواصم الإسلامية ، أن يختبروا الفقهاء ، والمحدِّثين في  مسألة  خلق القرآن ، وفرض عليهم أن يعاقبوا كل من يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة. وجاء (المعتصم)، و(الواثق) ، فطبـّقا سيرة (المأمون) ، وسياسته مع خصوم المعتزلة. وبلغت المحنة أشدها على المحدِّثين ، وبقي (أحمد بن حنبل)، ثمانية وعشرين شهراً تحت العذاب فلم يتراجع عن رأيه.

 ولما جاء (المتوكل العباسي)، نصر مذهب الحنابلة ، وأقصى خصومهم . فعند ذلك أحس المحدِّثون بالفرج ، وأحاطت المحنة بأولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوة السلطان .

                                                       (حسن محمد العاملي، الإلهيات، ج2ص220).

إن مثل هذا التسييس للفكر ، ومحاولة (أدلجة التسلط)  كان موضع رفض لدى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ؛ فقد روى  ، محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ،  أنه كتب للإمام علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) إلى بعض شيعته في بغداد : ( نحن نرى أن الجدال في القرآن، بدعة اشترك فيها السائل ، والمجيب ؛ فيتعاطى السائل ما ليس فيه ويتكلف المجيب ما ليس عليه . وليس الخالق إلا الله عزوجل ، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله.

                                                                      (المصدرالسابق )

وحدث سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : قلت ، لأبي الحسن موسى بن جعفر(عليهم السلام) : يابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم : إنه مخلوق ، وقال قوم : إنه غير مخلوق ، فقال(عليه السلام) : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله.

وهنا نرى: أن الإمام (عليه السلام) يبتعد عن الخوض في هذه المسألة ؛ لما رأى أن الخوض فيها ليس لصالح الإسلام ، وأن الاكتفاء بأنه كلام الله (سبحانه وتعالى) حسم لمادة الخلاف ولكنهم (عليهم السلام) عندما أحسوا سلامة الموقف ؛ أدلوا برأيهم في الموضوع ، وصرحوا بأن الخالق هوالله (جل وعلا) وغيره مخلوق والقرآن ليس نفسه ( سبحانه وتعالى)، وإلا يلزم اتحاد المُنــزِل، والمُنزَل، فهو غيره فيكون لا محالة مخلوقاً (المصدرالسابق ذكره).

إن مثل هذا التعامل الحكيم مع المسائل المطروحة في أجواء الفتن ، والابتلاءات، يفتح لنا باباً واسعة؛ للحذر من سعة التآمر الذي يحدق بالأمة، على أننا يجب ان نذكر في مثل هكذا أجواء أننا أمام مسؤوليتين: مسؤولية تحديد الجواب، والفهم الصحيح حيال أي مشكلة أوتساؤل ، ومسؤولية اختيارالظرف المناسب للطرح؛ لنبلغ بذلك الحكمة المطلوبة، ونفوت على الآخر فرصة الإضرار بمصلحة الأمة.

 

7 - فاعلية الآلية:

 

((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداءً فألف بين قلوبكم))

                                                        (سورة آل عمران/103)

الآية القرآنية الكريمة أعلاه هي التي حددت مفهوم الوحدة القلبية للأمة، والتي يترتب عليها وحدة الموقف ، ووحدة المسار، ووحدة المشاعر، ثم أردفها القرآن الكريم بآية أخرى في السياق نفسه ، لكنها تتناول آلية الحفاظ على الوحدة، كأنها تشير إلى سر الوحدة في (التآلف بين القلوب)،  كما أن سر الحفاظ على الوحدة هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال تعالى :

((ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف  وينهون عن المنكر وأولئك هم  المفلحون))

                                        (سورة آل عمران/ 104)

حيث نقرأ في الآية الشريفة، ما يفتح عقل المسلم على أهمية الالتزام بفريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بشكل عام، وعلى المجالات الاجتماعية؛ لتحقيق الوحدة وتجنب تفتيتها بشكل خاص.

 

8 - حل النزاع:

 

إن واقعية القرآن الكريم في مجال التعاطي الاجتماعي تذهب إلى أقصى مدى حين تشير إلى احتمالية الاقتتال بين طائفتين من المؤمنين . فماذا ستكون المسؤولية؟ وما هي؟ وعلى عاتق من تقع؟

يقول تعالى: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)) ( سورة الحجرات/9)

من هنا يأتي دور الاصلاح، وتجنب كل مظاهر الفساد جراء الاقتتال ، فإن تعذر ابتداء عملية الإصلاح  بسبب أحد أطراف الاقتتال ؛ لبغيه . حينئذ ، تقاتل الطائفة الباغية حتى تفيء. وعندها تتواصل عملية الإصلاح ؛ لتحقيق الوحدة، حيث لا يكتفى بإحداث الهدنة، والوقف المؤقت للقتال.

إن افتراض الاختلاف الى حد الاقتتال بين المسلمين، أمر واقع. وآلية مواجهة مثل هكذا مواقف بصريح القرآن الكريم هو الإصلاح:

((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم))

                                                      (سورة الحجرات/ 10)

 

9 - الخطاب:

 

للوحدة خطابها، وللخطاب ثوابت ومتغيرات، وهذه كلها مستوحاة من المبدأ والواقع حيث إن المبدأ يلبي متغيرات الواقع كما يراعي طبيعة المتلقي، ومستواه.

فخطاب الفرقة مرة يشير إلى الاختلاف السياسي، وأخرى إلى الاختلاف التاريخي بعكس الخطاب الوحدوي الذي لا يمر على هذه المحطات مروراً عابراً من دون أن يتعامل بمدى فكري عميق وواقعية غير متناهية معها؛ فترى الخطاب الوحدوي، يوجه بالرجوع إلى أصحاب الاختصاص في الأمور المختلف عليها ، أو غير المعروفة :

((.... فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))

                                                       (سورة النحل/43)

حيث يجعل من الأمور التاريخية مادة لا تستدعي التوقف، والتدوير إلى الحاضر مرة، ومرة اخرى يجعل من الاختلاف الفقهي أمراً طبيعياً فرضته ظروف تأريخية تركت آثارها على حاضر الأمة، وفي أحيان أخرى يفتح باب الحوار، على المختلف عليه ضمن منظومة أخلاقية، ومعرفية، ومرة يجعل من الخلافات السياسية حقاً طبيعياً ضمن الدائرة الترخيصية ، ومثلما يكون للخطاب مضمون وحدوي ، قد يكون للفرقة ، والتمزق خطاب كذلك . الأمة الحية لها تلقيات لخطاب الوحدة ولها صدود عن خطاب الفرقة، و إذا كان قد تعذر علينا أحياناً أن نمنع خطاب الفرقة فبإمكاننا تعميق الوحدوية لدى الأمة التي يختنق عندها خطاب الفرقة.

 

10 - الرمزية الوحدوية:

 

 مثلما يكون للوحدة خطابها ، يكون للوحدة رمزها ، وخطيبها ،  ومثلما لا تكون ثورة ولا دولة ، ولاوحدة من دون خطاب ، كذلك الحال لاثورة ولا دولة ولا وحدة من دون خطيب . والأمة ، وإن كانت  تتأثر كثيراً بالخطاب لكنها لا تستغني عن الخطيب (الرمز) الذي يجسد وحدتها، ويتسع لمجمل مكوناتها.

إن دعوة الوحدة ، تحتاج إلى خطاب الوحدة ، وتحتاج إلى رموز وحدودية . الرموز الوحدوية من كلا الخلفيتين المذهبية (الشيعية والسنية) ؛ فلا يكفي أن يكون الرمز الشيعي مقبولاً شيعياً فقط، أو الرمز السني مقبولاً سنياً فقط؛ بل علينا أن نطرح رموزاً شيعية مقبولة لدى ابناء السنة، ورموزاً سنية مقبولة لدى الشيعة كذلك.

إن التعاطي السني - الشيعي على مستوى الرموز المقبولة لدى الوسطين من شأنه أن يُحدث آثاراً بالغة في طريق الوحدة.

 

ما الذي يهدد الوحدة الإسلامية؟

 

1 - النعرة الطائفية:

 

هنا ينبغي أن نميز بين الانتماء المذهبي، والنعرة الطائفية . فالانتماء المذهبي تعبير مشروع عن ارتباط المسلم بمذهب فقهي معين، يعتقد هو ببراءة ذمته حين يعمل بموجبه.

فيما تكون النعرة الطائفية، حالة من العصبية، تنطلق من تعصب مقيت يولد كراهية لأبناء الطوائف الأخرى. ففي الوقت الذي يعزز فيه الانتماء المذهبي روح الأخوّة الإسلامية بين أبناء المذاهب الإسلامية كافة ، نجد النعرة الطائفية تكون على عكس ذلك ؛ إذ تطرح نمطية الاحتراب ، وثقافة التشاؤم بين أبناء الأمة الإسلامية ، حتى أنها قد تصل : أي ( النعرة الطائفية ) إلى أسوأ مدياتها في استباحة دماء المسلمين من أبناء الطوائف الأخرى فضلاً عن غير المسلمين.

وقد تفرز هذه النعرة رموزاً طائفية، وخطاباً طائفياً، وفقهاً يعطي للنعرة الطائفية مبرراً شرعياً، ويعبئ أبناء الطائفة بالاتجاه المضاد. وهنا لابد من أن نشير إلى حقيقة الحوار المفتوح بين أبناء المذاهب، المنطلق من ذات المثقف الذي يستهدف الوصول الى الحقيقة كما إننا يجب أن نعتبر أن المؤسسات ذات الطابع التعريفي لكل مذهب من المذاهب هي الاخرى أمر مشروع مادامت تتحرك في أروقة فكرها ، ولا تمس فكر الآخرين بسوء، أما المؤسسات ذات الطابع الكيدي ، التي تكرس كل جهودها؛ من أجل النيل من فكر الآخرين  فهي  - بلاشك - تدخل في نطاق النعرة الطائفية.

 

2 - التسييس الطائفي:

 

ونقصد به: النظرة إلى الأفكار  والمفاهيم في كل مذهب من المذاهب من منظور سياسي وليس من منظور معرفي محدد. وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعارف الإيجابي بين أبناء المذاهب، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكل المختلفين من أبناء الشعوب، والقبائل أن يتعارفوا على بعضهم، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل.

((ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.....)). (سورة الحجرات/ 13)

 

3 - العقدة الماضوية:

 

إن قراءة التاريخ قراءة متأنية تعبر بجيلنا الحاضر الى الاجيال الماضية؛ لاستلهام التجارب والاستفادة من العبر أمر مطلوب إلى حد كبير، بيدَ أن تحويل التأريخ الى عقدة ماضوية تؤثر في حاضرنا تأثيراً سلبياً، وتجعله حاجزاً يحول دون التعامل بين أبناء الأمة الإسلامية أمر مختلف.

من هنا كان علينا أن نقرأ التأريخ قراءة مستقبلية، بمعنى : أن نستفيد من نجاحاتنا في التأريخ مع نجاحات الآخرين؛ لدفع عجلة التعاون في مجال الوحدة نحو الأمام، كما يجب علينا أن نستفيد من أخطائنا التأريخية لتلافي تكرارها، وعدم تحولها الى عقبات في الطريق.

هناك الكثير من المواقف المشرفة التي أقدم عليها أهل البيت (عليهم السلام)، والتي تدفع باتجاه الوحدة، وتجعل من أصحابها منفتحين على أبناء المذاهب الأخرى.. فعلى سبيل المثال ما نصح به الامام الصادق (عليه السلام) أبان بن تغلب وهو يحدّث في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك)، وهو ما يعني أن الامام يأمر أصحابه بالانفتاح، والتعرف على المذاهب الأخرى كما أنه يحثهم على احترام ما يعتقدون به ليجيبهم وفق ما يعتقدون.

 

4 - الانكفاء الذاتي:

 

تميّز بعض الفرق الاسلامية في التأريخ ، بالانكفاء الذاتي، والذي أضفى عليه نمطية باطنية في الأداء، وجعله يعيش حصاراً داخلياً ربما يولد في لاشعوره، وشعوره كراهية عارمة تجاه الآخرين كما أنه أصبح يعاني حالة من عقدة الاضطهاد بسبب عزلته عن الآخرين.

والإنكفاء الذاتي هذا؛ تسببت فيه عدة عوامل: منها ما ينطلق من الظرف الاجتماعي الضاغط على مجموعة ما، أو فرقة معينة، ومنها ما ينطلق من ذات المجموعة، أو أبناء هذه الفرقة أو تلك، ومن أجل التخلص من هذه الظاهرة السلبية لابد من أن تتوافر أجواء الصحة الاجتماعية الكافية التي تحترم كل معتقدات أبناء الفرق الأخرى ومتبنياتهم، كما لابد لذات الفرقة من أن تتمتع بالثقة الكافية ؛ للتخلص من الشعور بعقدة الاضطهاد، وتطوير خطابها؛ للتعامل مع الوسط الاجتماعي الذي تتحرك فيه.

 

5 - عقدة الإقصاء والتســّيد الطائفي:

 

حاول بعض السلاطين ، أن يقصي أبناء المذاهب الاخرى ، ممن لا ينتمون الى مذهبه ؛ وقد أدت هذه النعرة إلى وقوع ضحايا كثر، وإلحاق الظلم بأبناء المذاهب الأخرى ، كما حاولت ذلك الدولة الفاطمية في مصر في تعاملها مع بعض أبناء المذاهب السنية . وعند سقوط الدولة الفاطمية ؛ لتحل محلها الدولة الأيوبية مارس الأيوبيون  - بالمقابل - ضغوطات، وسلوكيات قاسية على الفاطميين؛ للدوافع، والأسباب نفسها، ولتحقيق النتائج ذاتها.

إن مثل هذه السياسات ، والممارسات - وإن كانت تحقق نتائج شخصية لواضعيها - لكنها وبلا شك - مضرة بمصلحة الأمة، وإنها لا محالة زائلة في حسابات الأمة ، وعلى مدى عمرها الذي يتجاوز عمر واضعيها.

 

خطوات في طريق الوحدة

 

أولاً- اعتبار القرآن الكريم المرجع على كل ما دونه من الأحاديث، والرجوع إليه في صياغة العلاقة بين أبناء المذاهب، وتربية أبناء الأمة على المشترك القرآني في شتى مناحي الحياة.

ثانياً - التأسي بالسيرة المطهرة، وما تعكس من صورة رائعة في حفظ وحدة المسلمين.

ثالثاً - التعامل مع المذاهب الإسلامية بطريقة تحفظ لها كرامتها، وكرامة معتنقيها، وتحرم دماءهم، وأعراضهم، وأموالهم، وكل ما يتعلق بهم.

رابعاً - إيجاد أجواء الحوار، والتلاقي المستمر؛ لتداول شؤون الأمة؛ والوقوف على مصالحها لتحديد المخاطر المحدقة بها.

خامساً - الامتناع عن لغة الفتاوى التكفيرية، والتحريضية التي تدفع باتجاه إثارة النعرة الطائفية واستباحة الآخر المذهبي.

سادساً - نشر ثقافة التقارب، وإلقاء الضوء على المشتركات المذهبية في وسائل الإعلام المختلفة مثل الفضائيات، والصحف، والمؤتمرات.

سابعاً - تجنب البحث في الإختلافات العقيدية، والتأريخية، والفقهية، وجعل مثل هذه الموضوعات حصراً بيد العلماء والمختصين.

ثامناً - طرح هموم إسلامية عامة، وأهداف ترتبط بمستقبل الأمة الإسلامية كلها، والنظرة إلى العالم الإسلامي على أنه عالم يهمّ جميع المسلمين حاضراً ومستقبلاً.

تاسعاً - التأكيد على الوحدة الوطنية في كل بلد، وتعميق الوشائج بين أبناء الشعب الواحد لتعزيز وحدة الأمة بكل شعوبها.

عاشراً - طرح مشاريع وحلول إنسانية من وحي الفكر الإسلامي، والتي من شأنها أن تقلــّص المسافات بين الأمة الإسلامية، وبقية أمم العالم.

أحد عشر - تبني اللغة العربية ليس من منطلق عنصري، إنما إنطلاقاً من الحرص على فهم القرآن الكريم فهماً عميقاً، وفهم الحديث الشريف، وما كتب من كتب قيمة مرتبطة بالتراث الإسلامي بهذه اللغة، وجعل اللغة العربية لغة التداول الفكري المعمّق، ولغة الاستنباط  مع الاحتفاظ  بحق الاحترام لكل اللغات الأخرى غير العربية مثلما احترمها الإسلام، ورعاها، وحافظ عليها على مدى التأريخ.

اثنا عشر - جعل الوحدة الإسلامية بين شعوب بلدان العالم الإسلامي همّاً حقيقياً تتصاغر دونه باقي الهموم، وتجنب النعرة العنصرية التي ثارت في بعض بلدان الغرب.

وأخيراً تبقى الوحدة الإسلامية نمطية عمل، وليس مجرد تنظير. ويبقى الوحدوي العامل منظــّراً مرة، ومطبـّقاً مرة ثانية ، ومضحّياً من أجلها مرة ثالثة، ولعل أروع من جسد الوحدة الإسلامية المعاصرة في العراق تنظيراً، وعملاً، وتضحية هو السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) والبيان الثالث الذي أصدره السيد الصدر عام 1959 شاهد على ذلك. ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !