أوسلو في 9 يناير 2009
كل الطغاة يحرصون بين الحين والآخر على تلميع وجوههم حتى وهم ينهشون لحوم شعوبهم، إلا فرعوننا هذا الذي سيحتفل قريبا بيوم ميلاده الواحد والثمانين!
كل الطغاة على مدى التاريخ يجعلون استبدادهم رديفا لوطنيتهم، ظاهريا، ويعتبرون ملكية أرضهم كملكيتهم لرقيقهم، أي لشعوبهم، إلا مبارك فهو طاغية من نوع آخر.
سنوات طويلة ونحن نُحَرّض، وندعو للعصيان المدني، والانتفاضة، والغضب الذي هو أضعف الإيمان، فيتدافع المزايدون للدفاع عن قاتلهم بحجة أنْ لا بديل له، وأنَّ مصرَ عاقرٌ لم تعد تنجب رجالا، وأن قواتنا المسلحة الوطنية يمسك رقابَها شيطانُ قصر عابدين، وأنَّ الفقراءَ منشغلون بطوابير الخبز، وأنَّ شعبَنا غيرُ قادرٍ على تحمل واجبات الحرية والكرامة والعزة.
كل يوم تشرق فيه على استحياء شمسُ مصر التي غربت منذ سبعة وعشرين عاما يُخرج لنا إبليس لسانَه، ويتحدانا أنْ نحصي جرائم مبارك، فنبدأ في استدعاء مشاهد كارثية .. اغتيال 33 خبيرا عسكريا فوق نيويورك، احراق ملفات الدولة في مجلس الشورى، دفن مئات المصريين تحت جبل المقطم، سرطنة طعام المصريين، تفريغ مصارف الدولة من أموال الشعب وخيراته، تزييف إرادة الأمة في تزوير الانتخابات، صناعة غول الطائفية والفتنة بين المصريين، تقريب الفاسدين والمرتشين إلى صانع القرار الأوحد، تزويد إسرائيل بالوقود في انحياز كامل ضد الشعب العربي في فلسطين وفي كل مكان تطاله يد الغدر الصهيونية، صناعة الدولة الأمنية الحديدية التي يحاصر فيها سبعمئة ألف شرطي ثمانين مليونا من البشر، الاستهزاء بقدرة المصريين أن يخرج من بينهم زعيم أو قائد أو حاكم ليس من أسرة مبارك، استفزاز مشاعر الشعب لأكثر من عشرين عاما في اعداد وريث رغم أنف كل مواطن والايحاء بأن مصر بين خيارين لا ثالث لهما: الجحيم والفوضى أو جمال مبارك!
الاغتصاب المنهجي في أقسام الشرطة وفي السجون، احتقار السلطة القضائية وضرب ممثلها بالحذاء، اعتبار مجلس الشعب وممثليه رقيقاً ليس عليهم إلا طاعة ولي الأمر مع دغدغة مشاعر البسطاء والعامة والطيبين بأن الاسلام حريص أن لا يؤذي ظهرُ المسلمِ سَوْطَ حاكمه، وأنْ يشكر قفاه كفَّ الطاغيةِ لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله.
كل مشهد مصري في سبعة وعشرين عاما لا يحتمل غيرَ واحد من خيارين: إما أن يبصق على وجه كل جبان صامت، وإما أنْ يُعَجّل في لف حبل المشنقة حول عنق مبارك.
صانع للفتنة بين السُنّة والشيعة، وواضع لكل خطط ضرب الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في مقتل، ومتخاذل في المواقف الوطنية، وكاذب حتى النخاع منذ وعده بعدم ترشيح نفسه بعد الولاية الثانية، وهو الآن في الولاية الخامسة ومريض، وحريص على الغاء كل من يُطيل قامته أعلى من قامة ابنه الوريث.
كتيبة حمقاء من الجبناء وخصوم الشعب وأعداء الانسانية وطابور مصر الخامس تتحرك في لجنة السياسات، وفي الحزب الوطني برمته، وفي وسائل الإعلام، وفي اجتماعات ناهبي مصر من لصوص الوطن وحيتانه وأصدقاء ابنَيّه، رجال أمن قساة، غلاظ القلب تطلقهم في الشوارع لصد مظاهرات الغضب، فرق كاملة من المسجلين خطرين وتجار المخدرات والبلطجية وقبضايات أقسام الشرطة وقد قامت الداخلية بتوزيع عصى مطاطية عليهم لمطاردة أبناء الشعب.
حرص شديد على اغتيال مصر، أو جعلها في ذيل ركب الأمم، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وإنسانيا وذلك بعد سنين طويلة من المحاولات المستميتة لتخريب الشخصية المصرية، وصناعة المصري السطحي، الفهلوي، غير المكترث بمصائب الوطن.
جرائم الطاغية حسني مبارك تحتاج إلى مئات من جلسات الاستماع في محكمة شعبية عادلة أغلب الظن أن قاضيها سيحكم عليه بالاعدام شنقا، أو رميا بالرصاص، أو رجما بحجارة المقطم، أو القاء لسمك القرش في البحر الأحمر، أو احراقا في مسرح أو قطار بعدما تجهش مصر كلها بالبكاء.
كتبنا .. وكتبنا .. وبكينا، واستصرخنا أهلنا المصريين في الوطن وفي الغربة، واستجدينا روح الشرف لدى المعارضة الوطنية، وحرّضنا قواتنا المسلحة على الانقلاب، وحلمنا بالبيان رقم واحد، وقبّلنا يدي البطل القادم الذي سيخرج من ثكنة عسكرية حاملا كرامة مصر وشعبها ليعلن من ماسبيرو عودة أم الدنيا إلى .. الدنيا.
قلنا بأن مبارك سيحرق مصر، وأنه سيُفرط في الوطن وأرضه ومياهه وقناة السويس وأرض سيناء التي يملكها غيلان المال الجدد ..
وقلنا بأنه مسؤول عن التفجيرات الارهابية، وتصفية قيادات في الجيش، وتحويل مباحث أمن الدولة إلى خصوم لشعبنا، والاستهانة بجهاز الاستخبارات، فوضع رئيسَه وسيطا بين الاسرائيليين والفلسطينيين في محاولة خبيثة لنزع روح المقاومة الاستخباراتية من أعضاء جهازنا الوطني الكبير.
قلنا بأنَّ من لا ثأر له مع مبارك فلن يشم ريحَ الجنة أو رضا الله ولو قضى حياته كلها معتكفا في مسجد أو كنيسة!
الآن فقط اكتشف متابعو العدوان الهمجي الفاشي الصهيوني على أطفال غزة أن مبارك عدو لله وملائكته ورسله وكل مصري يشرب من نيلها الخالد ويبكي على حالها البائس.
لا فائدة في الكتابة والتظاهر والتجمعات المتفرقة والسخرية والنكتة والشعر والخطابة والانترنيت والمنتديات وكل المواقع وعشرات الآلاف من الكي بورديين الذين اكتظت بهم ساحة النت وعالم الديجيتال ما لم تصمت الأمة، وتسكت كل الألسنة التي ترى في مصر عدوا آخر للمصريين غير مبارك وأسرته ورجاله.
إذا أراد المصري، ولو عن غير قصد، أن يرى بلده قاعا صفصفا تذروه رياح الفقر والذل والتسول، وتجوس في أرجائه قوى الاحتلال الخارجية، وينتهي العصر المصري إلى الأبد، فعليه أن يشارك في معارك حمقاء، وساذجة، ومتخلفة، وبلهاء عن المخطيء والمصيب في جحيم مصرنا الغالية.
عندما يقول لك المصري بأن خصمه هو المسلم أو القبطي أو الاخواني أو الشيوعي أو الملحد أو السلفي أو السني أو الشيعي أو الناصري أو العلماني فتأكد بأنه منحاز لعدو الشعب ولو أقسم لك بأغلظ الإيمانات أنه يحب مصر.
عندما تسأل: وهل هناك بديل للطاغية، فأنت في الواقع مع العدوان سواء في دبابة اسرائيلية أو في لجنة السياسات التابعة للحزب الوطني أو في مكتب رئيس تحرير صحيفة قومية يكذب على السماء والأرض، ويطعم أولاده من بيع دماء أولادنا.
إذا ابتسمت وأنت تقرأ هذه الكلمات فقد أطلت عمر مبارك يوما جديدا، أما إذا انزلقت دمعتان على وجهك الكريم، وأبديت استعدادا للخروج بأي ثمن في يوم الاضراب العام والعصيان المدني والانتفاضة ويوم الغضب المصري فقد ساهمت في نهضة مصرنا الجديدة بعد غياب شيطانها.
أفكر كثيرا وجديا في تجديد الدعوة لانتفاضة يخرج فيها المصريون على اختلاف مشاربهم وأنماطهم وتوجهاتهم، لكنني أخشى أن تقاطعها قوى المعارضة الشريفة وخصوم مبارك بحجة أن أحدا لم يستشرهم، وأنهم لا يريدون اسقاط مبارك خوفا من مجهول قادم، وأنهم سيقدمون للطاغية طلبا ليّنا، لطيفا، رقيقا أن يغادر القصر، ويعود إلى صفوف الجماهير!
هل الرابع من مايو، يوم ميلاد شيطان مصر، يمكن أن يكون ردَّ اعتبار للشعب الذي سيتخلص منه في ذكرى ميلاده المشؤوم؟
ألم يأن الوقت الذي يضع فيه كل مصري يده في يد أخيه دون أن يسأله عن هويته ودينه ومذهبه وأيديولوجيته وتوجهه وحزبه وجماعته؟
مبارك مستمر في دهسنا واحتقارنا وازدرائنا والتهكم علينا ونهبنا وانتهاك كرامتنا طالما ظل المصري يظن أن معركته الحقيقية ضد ابن بلده، فإذا تحرر من مشاعر الكراهية للآخر المختلف عنه دينيا ومذهبيا وفكريا وحزبيا وطبقيا فقد اختصرنا ثلثي الطريق إلى تحرير قريب من أسرة مبارك.
ومبارك مستمر فوق رقابنا مادامت الكتابة حالة من العبثية، و كلمات التحريض والتشجيع على فك القيود وكشف فساد الطغمة ليست أكثر من شعارات جوفاء يمر عليها المصري، وتسقط من ذاكرته قبل الانتهاء من آخر سطر فيها.
فهل نبدأ تحركاتنا في الداخل والخارج والفيس بوك وفي الجامعات والمدارس وبين العمال وربات الأسر المكتوية بنار الغلاء وبين رجال القانون والقضاء وأساتذة الجامعات والصحفيين الأشراف والمواقع والمنتديات على النت وكل وسائل الاتصال وبين ثمانية مليون من العاطلين عن العمل وبين كل أهالي من مروا على سجون مبارك وأقسام الشرطة وانتهكت كرامتهم وحرماتهم ، أم أن الأمر يحتاج لتدبر، وتأمل، وتفكير، واجتماعات، وتشاورات، وموافقة رؤساء الأحزاب، وضمان لقمة العيش، والتأكد من أن أعين الأمن لن تراقب الثائرين، أم نتوكل على من ينتظر غضبنا ليرضى عنا؟
هل نبدأ الدعوة على أساس الرابع من مايو 2009 لتكون مصر كلها، من ثكنات الأبطال الوطنيين في جيشنا الذي أهانه مبارك لسنوات طويلة إلى كل من يبحث عن الشرط الوحيد ليرضى الله تعالى عنا ولا نقف بين يديه قائلين بأننا كنا مستضعفين في الأرض؟
مجزرة غزة لم تترك مكانا للشك بأن مبارك ليس منا، لكنه نبتة شيطانية ارتوت بصمتنا الطويل، وظلت شوكة في عيوننا بفضل خوفنا، وعدم قناعتنا أن مصر بلدنا، وأيضا لتفسير كتيبة إبليس أن طاعة ولي الأمر واجبة حتى لو كان ظالما، ومستبدا، وساديا، ولصا، وابن ستين ألف كلب!
معذرة فلم يعد لدى جهازي العصبي كلمات جديدة تثير غضب المصريين على مبارك، أو اقناعهم بأن مصر بلدهم!
من لا يزال يظن أن ليس بينه وبين شيطان قصر العروبة ثأر شخصي وعائلي ووطني وديني وإنساني ، فلا حاجة لله في صلاته وصيامه وحجه ودعائه ودخوله مسجدا أو كنيسة.
أكاد أرى رؤي العين غضب الله تعالى على من لم يغضب بعد.
رغم القبضة الحديدية التي يعتقل بها مبارك جيش مصر العظيم، والاعتقالات والاعدامات والتنقلات والتقاعد والرقابة الصارمة والشكوك في أي جماعة صغيرة من كبار الضباط تجتمع أكثر من مرتين، فإن الدلائل والتسريبات تؤكد أن ثورة قواتنا المسلحة قد تسبق غضب الشعب، والبيان رقم واحد أقرب إلينا مما نظن.
أيها المصريون،
الصور المؤلمة التي شاهدها كل منكم لأطفال غزة ستكون أقل قسوة ووحشية من صور لأولادكم إذا تركتم مبارك عاما آخر أو أقل!
أرواح شهداء غزة ستستريح في جنة الخلد عندما تعلم أنكم غضبتم من أجل مصر قبل أي مكان آخر.
وسلام الله على مصر.
التعليقات (0)