فى عام ألفين وأربعة بدأ العالم يشهد مرحلة جديدة من وجوده الإنسانى من خلال التقدم العلمى والتكنولوجى السريع الذى أنعكس بصورة إيجابية على البشر فى مجالات كثيرة ، إلا أن هناك صور سلبية لهذا التقدم وهى إفراز طبيعى لتقدم الأمم والشعوب ، تلك السلبيات التى تظهر بوضوح فى إختفاء القيم الإنسانية البناءة وأستبدالها بقيم أخرى هدامة تستلهم وجودها من قيم العصور الجاهلية التى كان ينعدم فيها القانون وكان يسودها قانون الغاب .
تميزت هذه السنة بأن أستحوذ على ساحتها العالمية شخصية عالمية هى شخصية الإرهابى العربى بكل جدارة ، بما قامت به من أعمال بطولية أذهلت الفكر البشرى ، وتستعد الكثير من المؤسسات العربية للأحتفال وتكريم هذه الشخصية العبقرية الملهمة فى السنة القادمة .
من المشاهد المألوفة والمحببة على قلوب وعقول المشاهدين العرب فى عام ألفين وأربعة كانت مشاهد الخطف والجثث والدماء تسيل منها والحرائق التى تدمر سيارة بها كفار أو منزل بسيط أو سيارة حربية أو أنبوب نفط ، وهى مشاهد بلا فخر أستحقت أن تختزنها العقول العربية فى ذاكرتها الحديدية وتاريخها التليد ليكون ميراثها للأجيال الصاعدة .
فى هذا العام لفتت العرب إليها الأنظار وهم يتحدثون عن ضرورة وأهمية العودة إلى الأصول والجذور والعالم يعمل على التقدم إلى المستقبل بعقل متفتح مستوعب لماضيه وحاضره ، بل وصل الأمر إلى حدوث إنفصام فى الشخصية العربية التى يتم تربيتها وتعليمها على أفكار وتاريخ يتم فبركته لإعلاء الشخصية العربية بأعتبارها نتاج خير أمم الأرض ، ثم يصطدم الفرد العربى بالواقع العصرى الذى يظهر له أن ذلك التاريخ العربى قام على سفك الدماء ونهب ثروات الشعوب الأخرى وأستعمارها وأستحمارها أيضاً ، ويكتشف أن العرب مع كل هذا يتأخرون ويتقهقرون إلى ماضيهم الدموى يتحسرون عليه ويعملون على أسترجاعه، أما بقية شعوب الأرض تتقدم وتواكب عصرها ومنجزاته ، لهذا أفرز هذا الإنفصام العربى فكر غيبى تدميرى للآخر ولكل من يتشبه بالآخر .
أمتلئت المنطقة العربية بأنظمة تفتقر إلى المصداقية وتراوغ شعوبها بشعارات الإصلاح والتطوير والتنمية ، ولا يهمها الأنعكاسات السلبية التى تنتج عن تلك المراوغات التى طالت سنوات عديدة ، بل أوهمت تلك الأنظمة شعوبها بأن هناك ضغوطاً أجنبية لتحقيق مطالب الإصلاح وأستغلوا الشعور الدينى لدى عامة الشعب لرفض تلك الإصلاحات والتغييرات بحجة أن لديهم خصوصيات تختلف عن شعوب العالم .
ساد أيضاً فى هذا العام وكالأعوام السابقة الفكر الأحادى الذى يرفض تعددية الثقافات ويخلق صراعات تستفيد منها الأنظمة الحاكمة لتظل سنوات طويلة فى الحكم ، الكل يتغير من حولها لكنها تبقى كما هى حتى لحظة الوفاة .
صنع الإرهاب الفكرى عالماً جديداً ظهر إلى الوجود بفضل الإعلام الرسمى ، وأكتشف الناس فجأة أن هناك أفكار عنصرية حاقدة أقتحمت عليهم حياتهم ومشاعرهم ووضعتهم أمام إعلام حديث يستخدم تكنولوجيا المعلومات ويروج للإرهاب بدون أن يفطن المشاهد العادى البسيط إلى ذلك ووقع فى فخ الإعلام الأيديولوجى الذى يقف وراءه مؤسسات وأنظمة بأكملها ، مما أوجد ظواهر مثل التواكل وفقدان الهوية والأغتراب فى الأوطان واللجوء إلى التطرف والعنف والأصولية الفكرية والرغبات التدميرية .
أنتهى العام وأقبل عام جديد ولم يتغير نهج السلطات العربية التى تراقب وتحجب وتحظر وتمنع وغير ذلك من حقوق شعوبها
أنتشرت المآسى العربية حتى أصبحت مآسى مقدسة بدءاً بقضية فلسطين المقدسة وأنتهاءاً بقضية العراق المقدسة وقضية دارفور المقدسة وقضايا حقوق الإنسان التى تنتهك يومياً وهى القضايا الوحيدة الغير مقدسة فى نظر الحكام العرب العباقرة !
لا داعى للدهشة والأستغراب ، لأن التربية والتعليم العربى هما قمة الإعجاز البشرى الذى أبدعه العرب فى تاريخهم الطويل ، والذى يحسدهم عليه الغرب ويحاولون بشتى الطرق القضاء عليه لأنهم فشلوا فى نقله إلى مدارسهم المتخلفة الكافرة ، التربية والتعليم الذى يتجاهل الجميع دعوات تجديده خوفاً من أن يأتى هذا التجديد بالتخلف على شعوبهم .
هناك أشياء كثيرة حفل بها عام ألفين وأربعة منها الأيجابية ومنها السلبية ، لكننى أريد أن أنسى كل ما هو وراء وأمتد إلى قدام إلى المستقبل بعيون جديدة تكتشف الخير الحقيقى المختبئ فى داخل نفوسنا وأن نترجم هذا الخير على أرض الواقع لخير المجتمعات التى نعيش فيها وأن نتغير عن شكلنا الحاضر بتغيير أذهاننا للأفضل .
أتمنى فى العام الجديد ألا يستهلك العرب أعصابهم فى الدعاء على الكافرين بخراب البيوت ، وأتمنى أن يقتنع العرب بأنهم بشر مثلهم وأن يتعلم العرب التعايش الحقيقى دون أستخدام الفصل والتمييز العنصرى للأديان وأتباعها ، أتمنى أن يبتعد العرب عن المشاعر اللامعقولة التى تفصله عن إنسانيته وتقلل من إنسانية الآخرين .
لنعمل بصدق على كسب أصدقاء جدد وليس كسب أعداء جدد ، وأن نرفض جميعاً أفكار الكراهية السامة التى تكدست فى الأجواء العربية ونعمل بجد على نقاء صدورنا ونفوسنا منها ، وأن يكون شعارنا للسنة القادمة " السلوك بالمحبة بين الناس " بأن نضع قول المسيح الخالد فى إنجيله المقدس " أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لإجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات " .
2004 / 12 / 26
التعليقات (0)