مواضيع اليوم

ألبير كامي .... فيلسوف المحال . العبث والتمرد

mohamed ch

2011-04-29 21:31:02

0

ألبير كامي .... فيلسوف المحال . العبث والتمرد "الجزء الأول"

مدخــــــــــل
المقال هو ملخص لحياة وفكر الفيلسوف الفرنسي الجزائري ألبير كآمي (1913-1960)و محاولة لدراسة أفكاره في العدل والمساواة وعبارة "فيلسوف المحال , العبث , والتمرد " مستمدة من بعض كتبه وهي كتاب" العبث " , "الإنسان المتمرد " و "المحال"مستعملا هنا بعض الأقاويل التي قيلت فيه أو بعض العبارات التي استعملها منهجا لدراسة فكره

ألبير كآمي
فيلسوف المحال, العبث, والتمرد

يوم الاثنين في الرابع من يناير1960 في الثانية والربع ظهرا , جاء ت سيارة فائقة السرعة واصطدمت بشجرة على طريق سآنس- باريس وأسفر الاصطدام عن حادثة مروعة عثر فيها على امرأتين في حالة إغماء وسائق توفي بعد الحادث بثلاث أو أربعة أيام انه الناشر الفرنسي الشهير "ميشيل جاليمار " وشخص رابع مات للحظته والدم ينزف من رقبته و على وجهه إمارات الدهشة وحين فتشوا جيوبه ليعرفوا هوية هذا الرجل وجدوا بها بطاقة شخصية وعليها هذه الكلمات : " ألبير كأمي.. كاتب ولد في 7 نوفمبر 1913 , في مندوفي مديرية قسنطينة "
جون كروكشانك /"مات عبثا وهو الفيلسوف الذي عاش طوال حياته ينادي بفلسفة العبث "

ولم يكن أمام كل المثقفين عالميا ’ إلا أن يعلنوا الحداد الفلسفي والروحي على مفكر فلسفتي "العبث والتمرد" الذي عانى أمراض عصره وحاول أن يجد لها الدواء , وعلى رجل السياسة والأخلاق الذي طالما ناضل من اجل العدالة والحرية, وعلى الأديب الروائي المسرحي الذي أثقل ضميره بالبحث عن مصير الإنسان وعلى الكاتب الصحفي الذي عاش وقلبه ينبض بمأساة الجبل
لم يجد المثقفون كلمات عزاء يعزون بها أنفسهم إلا تلك الكلمات التي يحبها ألبير أكثر من غيرها وهي " العالم , العذاب , الأرض , الأم , الناس , الصحراء , الشرف , البؤس , الصيف ,و البحر "أو في الكلمات الثلاث التي لخصت حياته وفكره الفلسفي وهي "العبث , التمرد , والثورة ".
"آلام الإنسانية موضوع هو من الضخامة الخوض فيه , بحيث لا يعرف أحد كيف يعالجه "
ألبير كامي
كانت حياة ألبير كآمي وكتاباته وجهان لحقيقة واحدة , أو وجه واحد لحقيقة واحدة , فحياته هي حياة أبطاله حيث من غير الممكن أن نفرق بين الإنسان ألبير كأمي الذي حمل آلام العصر على كتفيه , وتحملها بكل شجاعة وشرف , وبين أبطال أمثال سيزيف وكالييف و ميرسو وريو ممن مضوا في طريق الأمانة والعدالة إلى أقصى مدى ’ وتحملوا ببطولة لا تخلوا من تضحية عذابات الطريق .
ولقد قذف بألبير كأمي وسط صراعات العصر’ وهو عصر مزقه التناقض’ وانفصلت فيه السياسة عن الأخلاق ’ والقيم عن المجتمع ’ والفكر عن الحياة , وبالتالي بات العصر يؤمن بموت القيم التي تعتبر بمثابة الوسيط بين الله والإنسان ’ والتي كان من شأنها جلب الطمأنينة إلى ما سبق من تمرد إنساني ’ فليس فهم العصر مجرد القول بأن بعض القيم قد أصبحت عارية من كل معنى ’ بل راح ينزع إلى نبذ احتمال وجود القيم على أي صورة من صور المطلق ’ ولهذا كانت القضية الكبرى التي واجهت ألبير كآمي هي خلق قيم جديدة في عالم متناقض ’ دون بعث الحياة في القيم التقليدية القديمة , التي عفا عنها التاريخ .
وأما عن دنيا ألبير كأمي .. هي تلك الدنيا التي عاشها ميرسو .. الغريب والتي عاشها دكتور ريو الذي يصارع طاعونا لا تزال طبيعته رمزا مجهولا ’ وهي الدنيا التي يرمز لها بصور البق ’ والحجر الصحي , وحالة الحصار , إنها الدنيا التي قضي على كل فرد فيها كما قضى على سيزيف أن يدفع بحجر العبث إلى أعلى سفح شديد الانحدار ’ ليعود فيندفع مرة أخرى فيدفعه من جديد. وبنفس الدرجة التي لا يتنكب بها كآمي دليل التناقض أو ما يسميه العبث , لا يقنع بمجرد السخط أو الاستسلام , فنرى البحر الشاسع كما نرى السجن الرهيب رمزين أساسيين في فكره وأدبه ’ لهذا كان لزاما عليه ’ وقد حمل في كيانه كل صراعات العصر ’ أن يتجاوزها بحماسة عاطفية متوهجة والحس الأخلاقي الشجاع ’ فتنكر كل فعل يؤدي إلى عذاب الإنسان ’ ويوقظ في النفوس معنى العدالة والأمانة والشرف ’ ويعمل على إعادة السياسة مرة أخرى إلى حرم الأخلاق ’ ويقف في صف الأخلاقيين الفرنسيين الكبار في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر’ ويكون كما وصفه سارتر بحق ’ آخر خلفاء شاتوبريان وأكثرهم حكمة وشجاعة .
ولما قال ألبير في مقدمة كتابه الأول "الظهر والوجه ": (منعني البؤس من أن أعتقد بأن كل ما تحت الشمس وكل ما في التاريخ حسن , الشمس علمتني أن التاريخ ليس كل شيء ) نفهم منه أنه عاش حياة قاسية , مارس فيها مختلف الحرف الممكنة , واضطر ان يستقيل من عمل في بلدية مدينة "تيزي وزو" بعد أن كتب تقريرا عن حالة سكان المنطقة من بؤس وتخلف وجوع حيث رأى ذات صباح في نفس المدينة كيف يتصارع أطفال عرب مع الكلاب من اجل محتويات ما في قمامة الفرنسيين البرجوازيين , وتبين له الفرق الشاسع بين هؤلاء وأولئك , وراح يعلن أن من المخجل بأن الجزائري يعرف كيف يتكيف مع البؤس , ومن الخزي الزعم بأنه لا يحس بنفس الاحتياجات التي يحس بها الأوروبي , وتردد صدى هذا النداء الإنساني في الأسماع , وأتيح للناس أن يقرؤوا لرجل يطالب بالعدل والمساواة بين العرب أو الأحرى بين الجزائريين والفرنسيين , ويرفض أن يعيش أولئك على الصدقات التي ينعم بها عليهم هؤلاء , ويستنكر الجور من بلد تعلن أنها تحارب الظلم في غيرها من البلاد ’ونشر التقرير في سلسلة المقالات الصحفية في جريدة فرنسية كانت تنشر في الجزائر قفي صحيفة "ألجيري بيبليكان " التي اشترك مع باسكال بيا في تأسيسها سنة 1938 , والتي وقفت بشجاعة في وجه السياسة الفرنسية الرسمية في الجزائر آن ذاك , وطالبت بين المساواة والعدالة بين الجزائريين والمستوطنين , حيث لم يكن الأمر فيلا هذا التقرير أو في غيره من المقالات التي نشرها بالجريدة أمر رثاء أو تعاطف مع المغلوبين على أمرهم فقط ’ أو مجرد الدفاع عن المظلومين والمذلولين في وطنهم, بل شيئا مختلفا كل الإختلاف , فليس في الوجود شيء أهدر للكرامة من رؤية إنسان يعامل معاملة منحطة خالية من الإنسانية , ولكن المستوطنين الذين أعماهم التعصب لم يستطيعوا أن يفهموا رسالته ’ أو يدركوا الأخطار التي يندفعون لها بوحشيتهم وأنانيتهم ’ فراحوا يطالبون بإبعاده عن الجزائر , حيث قال الرؤساء أن التقرير لم يكتب بأسلوب إداري ووقع الحاكم العام لجزائر بصرفه وطرده إلى فرنسا .
واتجه ألبير الى باريس عاصمة فرنسا حاملا معه توصية من قبل زميله باسكال بيا إلى صحيفة "باري سوار " التي عين فيها محررا صحفيا , حيث كان ذلك سنة 1940 وكانت الحرب العالمية قد اشتعلت وأوروبا قد أذهلها الزحف الألماني الذي يضرب بلدا بعد بلد , واحتل الألمان فرنسا , وانتقلت الصحف إلى داخل البلاد , وانسحب محررو صحيفة "باري سوار " نحو "كليمو فيرون " في مقاطعة "الأوفيرن " ومعهم ألبير الذي كان يحمل في حقيبته مخطوطة روايته الأولى "الغريب " التي كان يريد أن يطبعها بباريس , وما لبث أن تخلى عن عمله الصحفي , لرفضه القيام بصف حكومة "فيشي" المؤقتة الذليلة ’ أو يتعاون مع نظام يكرهه من أعماق قلبه , فترك صحيفة "الباري سوار" وراح يبحث عن مأوى في مدينة "ليون " حيث أقام فيها حوالي ثلاثة أشهر , ثم بعدها رجع إلى الجزائر , ليعيش مع أسرته في مدينة وهران , واستقبلته المدينة في غير اكتراث , لا عمل , ولا مال وسخرية القد ر المعتم على التكفين ... من ثم سافر مرة أخرى إلى باريس ويستمد من وحدته القوة في إتمام أعماله , وانتظار النصر الأدبي الذي يقترب منه..

بقلم الكاتب والشاعر الجزائري : جلول رفيق




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !