لاتزال كثير من المفاهيم الخاطئة التي عمل نظام البعث في العراق وفقها مستخدمة حتى اليوم رغم صدور أكثر من تشريع لألغاء تطبيق تلك المفاهيم أو الحد منها..واحد من هذه المفاهيم المجحفة التي عمل بها ولازال يعمل التفرقة بين موظفي دوائر الدولة في سلم الرواتب الحكومي الذي يفترض أن يكون موحدا..
لازالت الفوارق بين رواتب موظفي الدوائر في العراق فوارق هائلة..وهيي للأسف ليست مبنية على فوراق الكفاءة والخبرة وسنوات العمل لكنها فوراق مبنية على أساس الوزارات والدوائر الحكومية وعلى أسس ساذجة لايقبل بها اي عاقل..
فعلى سبيل المثال لي قريبان مهندسان..ألأول يعمل في دائرة الكهرباء وله 4 سنوات خدمة والآخر له خدمة تتجاوز23 عاما ويعمل في الشركة العامة للأتصالات والبريد..يستلم الأول راتبا يزيد عن راتب الثاني بحوالي (50%).
المثال الذي ذكرته هو مثال واحد عن مئات حالات التفرقة بين الدوائر..
فمثلا لايتجاوز راتب المعلم أو المدرس الذي يوشك على التقاعد بسبب بلوغ السن القانونية في العراق لايتجاوز راتبه راتب موظف في وزارة النفط له خدمة سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر..رغم خطورة الدور الذي يلعبه المعلم والمدرس في بناء جيل كامل..
في العهد البائد كان تبرير صدام لقلة رواتب بعض القطاعات ومنها قطاعا التعليم الأولي والعالي بقصر دوامهم الذ لايمتد ليشمل ساعات اضافية ووجود عطلة صيفية لكلاهما تتيح لمنتسبي تلك القطاعات ألعمل في مهنة أخرى خارج أوقات الدوام..وهو تبرير أقل ما يقال عنه أنه ساذج وغبي ومهين (أهانة متعمدة) لتلك الشرائح التي يشعر صدام بعقدة نقص تجاهها.
بعد التغيير استبشر العراقيون خيرا وفعلا عملت سلطة الأئتلاف ايام الحاكم المدني بول بريمر على رفع وتوحيد الرواتبلموظفي القطاع العام..ولضيق الوقت والأنشغالات الأخرى المتعددة أمام السلطة وضع جدول بسيط ومؤقت أعتمد على ثلاث درجات مقسمة بحسب سنوات الخدمة ولم يأخذ بالأعتبار الشهادة والمؤهلات الوظيفية ووعدت الحكومة الأنتقالية بالعمل بنظام جديد حال توفر البيانات الملائمة.وبعد عدة تغييرات مؤقتة أصدر البرلمان العراقي الحالي سلما موحدا لرواتب القطاع العام وبوشر في تطبيقه الا ان المرونة أو الميوعة التي تميز بها هذا القانون أعادا التفرقة الى الرواتب من جديد بأوجه أخرى..
التفرقة هذه المرة صارت بشكل صريح بناء على تقسيم مؤسسات الدولة الى مؤسسات انتاجية وأخرى أستهلاكية(يقصد بها المؤسسات الخدمية) وبأستثناء وزارة الكهرباء تمتاز رواتب المؤسسات الخدمية بتدنيها عن المؤسسات الأنتاجية..ونظرا لأن الأقتصاد العراقي اليوم معتمد بشكل شبه كلي على الواردات النفطية تجزل الدولة العطاء لمنتسبي هذه الوزارة حتى وصل الأمر ببعض منتسبي الدوائر الأخرى الى وصف موظفي النفط بأنهم أشبه بحائزي النفط وليس موظفوه.
الأجحاف في الرواتب يتعدى ذلك وصولا الى التفريق بين مؤسسات الوزارة الواحدة نفسها..فمثلا الفروقات شاسعة بين موظفي دائرة الموانئ والخطوط الجوية من جهة..وبين منتسبي مديرية السكك الحديدية من جهة أخرى..
نظام الحوافز والمكافآة هو الآخر كله حيف وأجحاف ففي الوقت التي تمنح دوائر منتسبيها مكافآت ثابتة بصورة دورية كل أسبوعين أو عشرة أيام كحد أقصى( مكافآت عامة لكل الكادر وليس لمجموعة متميزة أو ما شابه)..في الوقت نفسه هناك مؤسسات لايشتمل نظامها المالي على مكافآت أو حوافز مهما كد وعمل الموظف (التربية على سبيل الماثل).
أن هذا الأهمال وقلة المساواة في الفرص تنافي الدستور العراقي وتنافي مبدأ المساواة بين الموظفين خاصة أنهم يعملون جميعا لدى الدولة العراقية وليسوا تابعين لشركات خاصة..
كما أن مايدعوا للسخرية أعتبار قطاعات آساسية وهامة قطاعات (استهلاكية غير منتجة) مثل التربية والثقافة والصحة..وبالتالي تعتبرها وزارة المالية عبئا على النفقات العامة وتضعها في أسفل قائمة المرتبات الوظيفية..
لنا أن نسأل هنا هل وزارة التربية فعلا غير منتجة؟؟
اليست هي المسؤول الأول عن أعداد الثروة البشرية العراقية وتثقيفها وتعليمها؟؟
اليست مهام تلك الوزارة بالخطرة أستراتيجيا على مستقبل العراق؟؟
هل وزارة الصحة غير منتجة؟؟
اليست تلك الوزارة هي الضمانة الأولى لبناء شعب تقل فيه نسبة الأمراض والعاهات وتزداد فيه نسبة القادرين على العمل؟؟
هل وزارة الثقافة غير مهمة؟؟
اليست هي الوزارة الأكثر تماسا مع وحدة العراق وأرثه وتاريخه وهويته الوطنية؟؟
الكثير من المؤسسات التي يفترض أن تكون أنتاجية تعامل نفس المعاملة بحجة توقفها عن الأنتاج..
نعم هي متوقفة عن الأنتاج لكن من المسؤول عن توقفها؟؟
هل هم منتسبوها أم اهمال الجهات العليا التي تركت منشآت صناعية ضخمة للأهمال والتدمير (البتروكيمياويات..الأسمدة..الزجاج..الصناعات الألكترونية..الخ)؟؟
ما ذنب الموظف الذي يعمل في مؤسسة تعرضت للتخريب وترفض الدولة تجديدها اليوم؟؟
أن كان ذنب الحكومة فلماذا لايعامل على قدم المساواة مع أقرانه الموظفين؟؟
وأن كان القصور منه فلماذا لا يحاسب؟؟
ثم أي دور أنتاجي لمجالس المحافظات وللبرلمانيين كي تعتبر مرتباتهم أعلى المرتبات في البلد؟؟
مسألة الرواتب يجب أن تخضع للمراجعة..فالسلم الوظيفي يطبق حسب الأجتهادات المختلفة لكل دائرة مما يلحق غبنا بشرائح واسعة من الموظفين العراقيين.
التعليقات (0)