للذكرى ليس إلا
أكتوبر 1957
تحرير الساقية الحمراء واد الذهب والرد كان عملية إيكوفيون
في أكتوبر سنة 1957، قام جيش التحرير المغربي – المنطقة الجنوبية- بدعم من عناصر من جيش التحرير في الشمال لم تكن تريد الاستسلام والتخلي عن السلاح إلى أن يتم تحرير كافة التراب الوطني، وبعض القبائل الصحراوية، بتحرير واد الذهب و الساقية الحمراء من السيطرة الأسبانية. وكان الرد الاستعماري في فبراير 1958 بقدوم كل من فرنسا على إعداد جيش قوامه 15000 جندي مدججين بالسلاح والمدفعية الثقيلة والدبابات مدعمين بالسلاح الجوي والطائرات الحربية. وتحدد الهدف في القضاء نهائيا عن جيش التحرير وسحقه.
إن حدة المقاومة وكفاح عناصر جيش التحرير بالجنوب أدى بإسبانيا وفرنسا إلى التفكير بجدية في كيفية القضاء على تلك المقاومة التي كانت سائرة نحو التجدر وسط الجماهير ولذلك كان تنفيذ عملية إيكوفيون (المكنسة) سنة 1958، وإذا كانت هذه العملية العسكرية تطلبت اتحاد قوتين استعماريتين مع استعمال سلاحهما الجوي، فهذا يعني أن جيش التحرير بالجنوب كان قد عزم على المضي في الكفاح لتحرير الأرض. كما أنه يعني كذلك أن المعركة كانت ضارية وأن فرنسا وإسبانيا أقلقهما الأمر إلى حد توحيد الجهود للتصدي له.
فبعد الإحباط الذي امتلك أعضاء جيش التحرير الأوفياء للشعب عندما لاحظوا أن الاستقلال المعلن عنه استقلالا منقوصا ومبثورا ولم يشمل كل الأجزاء المحتلة قرروا الاستمرار في الجهاد والكفاح ورفضوا التخلي عن سلاحهم، ولذلك اتجهوا إلى الجنوب. وبالتالي فإن عملية إيكوفيون استهدفت بالأساس عناصر جيش التحرير الذين رفضوا التخلي عن السلاح والالتحاق بالجيش الملكي والاندماج فيه. وهنا تكمن نقطة الالتقاء بين فرنسا وإسبانيا والنظام المغربي.
إذن إن عملية إيكوفيون عملية فرنسية إسبانية مع تسهيلات منحها القائمون على المغرب لاستعمال طريق تندوف والتراب المغربي من طرف الجيوش الفرنسية وكان هذا في غضون شهر فبراير 1958.
آنذاك انطلقت العملية وارتكزت على التمشيط المنهجي قصد تطويق جيش تحرير الجنوب المكون من صحراويين وأعضاء جيش التحرير الآتين من الشمال والوسط. ومن المفارقات أن هذا الجيش ضم جملة من أباء وأقارب من هم الآن في صفوف الانفصاليين. ومن ضمن هؤلاء محمد ولد حمانة ولد الديوهي والد محمد علي بيبا (الوزير الأول السابق للبوليساريو) وسالك ولد عبدالصمد والد محمد سالم ولد السالك (وزير سابق للبوليساريو) وحدة والد سيد أحمد (مسؤول في البوليساريو) والصديق ولد البشير والد بوفتاح ماء العينين الصديق (وزير الخارجية بالبوليساريو) ومولاي أحمد ليلي والد محمد لمين (مستشار محمد عبد العزيز) والشيخ ماء العنين لاراباس والشريف الدليمي (عامل بوزارة الداخلية و والد الدليمي غيلاني الذي عين مؤخرا سفيرا في إحدى الدول الإفريقية) والزروالي بريكة عم زكريا جمال (ممثل البوليساريو بألمانيا) وحسنا الدوية عم محفوظ علي بدية (الوزير الأول بالبوليساريو) وامحمد عمر ولد امبارك والد عمر منصور (ممثل البوليساريو بمدريد).
وبسبب هذه العملية القمعية الهادفة لتصفية المقاومين، اضطر أكثر من 40 ألف صحراوي للهجرة نحو طانطان وكلميم. وهي العملية التي شاركت فيها وحدة المظليين الفرنسية المرابطة بالمستعمرات وهي نفس الوحدة المساهمة في "ديين بين فو" وهي معركة معروفة ومشهورة خلال حرب الفيتنام في أبريل 1954. وشارك فيها 15 ألف جندي و 130 طائرة حربية، وأسفرت على ما يناهز 15 ألف ضحية من شهيد وجريح ومغادر لأرضه رغما عنه.
وعموما كانت عملية إيكوفيون في وقت انطلقت فيه تحركات وانتفاضات سنة 1957 في الريف، وفي وقت تطورت فيه حرب العصابات بالجنوب والتي أجبرت الإسبانيين على التراجع إلى مواقع ساحلية كما أرغمتهم على مغادرة السمارة. ولابد في هذا الصدد، وفي إطار الموضوعية التاريخية الإشارة إلى افتعال تنظيم مؤتمر لجيش التحرير بالجنوب بمدينة إنزكان لتدارس الوضع وفعلا حضر الكثير من أعضاء جيش التحرير إلى عين المكان إلا أنهم فوجئوا بحضور فيلق من الجيش المغربي الذي أرغمهم على التخلي عن أسلحتهم. و حسب أكثر من مصدر، تمكن المقاوم سعيد بونعيلات من الفرار وقصد الرباط بنية اغتيال الملك.
وقد تساءل الكثيرون عن سر تغييب هذه الحادثة وباستمرار عند دراسة تاريخ المغرب المعاصر أو الحديث عنه ولم يذكرها إلا القليلين جدا ومن بينهم أبراهام السرفاتي الذي اعتبر أنه تم السماح للجيوش الفرنسية باستعمال طريق تندوف التي كانت تحت السيادة المغربية.
و ضحايا عملية "إيكوفيون" هم من كانوا موضوع الخلاف بين المغرب والانفصاليين حين إعداد لوائح الاستفتاء بالصحراء. فالبوليساريو ظل متشبث ومتمسك بإحصاء إسبانيا، لسنة 1974 كأساس لمن له حق الإدلاء بصوت. والرباط وردا منها على هذا المعطى، ووفق ظروف إجراء الإحصاء الكولونيالي شككت في هذا الإحصاء، وعارضته بداعي أن عددا كبيرا من ساكنة الصحراء مورس في حقهم التعذيب والإبادة جراء معركة “إكوفيون، إظطروا على إثرذلك، إلى الهجرة نحو شمال المغرب الأكثر أمنا للاحتماء من بطش الآلة العسكرية (الإسبانية الفرنسية). ما حدث في منتصف الخمسينات من انخراط فئات عديدة من أبناء القبائل الصحراوية في المقاومة المسلحة ضد المستعمر الاسباني ، وما تعرضت له قطعان الماشية خلال عملية " إيكوفيون" من شبه إبادة ، كل هذا أرغم الكثيرون على الرحيل . وبالتالي، فإن هؤلاء المبعدين قسرا لم يشملهم هذا الإحصاء، وهم كذلك صحراويين لهم الحق في التسجيل والإدلاء بصوتهم في أي استفتاء يجري فوق أرض الصحراء . لذا طالب المغرب بتسجيل 120 ألف إسما صحراويا سبق للاستعمار أن أبعدهم و كنموذج من الفارين من تنكيل الاستعمال رئيس جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز الذي عاش مع والديه داخل المغرب.
وفي غضون شهر يونيو الماضي، أعلنت السلطات عن العثور على جثت وبقايا عظام بشرية قديمة بمدينة طرفاية، يرجح أنها لضحايا عملية "إيكوفيون التمشيطية" الشهيرة.
وقد سبق المقاوم محمد بن حمو – وهو أحد رموز ومؤسسي جيش التحرير وقاداته، و كان من بين المشرفين على جيش التحرير بالجنوب و رفض التخلي عن سلاحه والالتحاق بالجيش الملكي ما دام أن استقلال المغرب لم تكتمل – أن كشف أن عدد أفراد جيش التحرير
لا يتجاوز 3000 فردا، غير أنه عندما تم تشكيل جيش التحرير في الصحراء وصل عدد جنوده إلى 12 ألف فردا مع احتساب جيش التحرير بالمغرب الشرقي الذي كان يضم 4000 جنديا تقريبا الذي كان يقوده محمد الفكيكي بوراس، المساند القوي للثورة الجزائرية. أما جيش التحرير الجنوب فكان يقوده محمد بن حمو المسفيوي، وكانت قيادته على المستوى السياسي تتكون من : محمد بنسعيد أيت يدر، عمر المسفيوي. وكاتب القيادة العليا لجيش التحرير بالجنوب كان هوالمرحوم محمد باهي.
التعليقات (0)