أقصوصة أولى
من أقاصيص الغدر والخيانة في ظلال زيف الإيمان
قصّة واقعيّة ليس فيها إلاّ الأسلوب من الخيال
بقلم: حسين أحمد سليم
وحمت بها أمّها كيدا شيطانيّا, منذ لقاح نطفتها الأولى, وهي جنين في ظلمات رحمها الثّلاث... فأتت طبق ما وحمت بها ربيبة الشّيطان, وأرضعتها على ذمّة النّفّاثات في العقد, حليب الكيد والحقد والحسد والغيرة, والضّغينة والفسق والعهر والفجور... تلك بعض ما أغناها به ربّها الشّيطان, الذي ما انفكّ يُوسوس قهرا لها بالزّور والزّيف والظّلم والبهتان... وتشي ما تشي حولها, بفصام نفسها الموبوءة المرذولة السّاقطة, دون وازع من ضمير, أو رادع من وجدان, أو خوفٍ من رحمن... تتظاهر نفاقا بالإيمان, وهي ليس لها من ذرّة إيمان, بل الشّيطان, يلعنها ليلا ونهارا, وفي كلّ ومضةٍ, يسخط عليها ويلعنها الرّحمن...
أغواها الشّيطان وأغراها, فغدت لا ترى إلاّ بعينيه, ولا تُفكّر إلاّ بعقله, ولا تتكلّم إلاّ بلسانه, ولا تشعر إلاّ بمشاعره, ولا تراودها إلاّ أحابيله, ولا يتراءى لها إلاّ الشّرور؟!... فتقنّعت بنقابها الحوّائيّ نفاقا, ولفّت رأسها بما يُشبه زيف الحجاب, وتجلببت بشادورها الأفعويّ, وراحت تتلوّى ليونة في الملمس, وتخفي في أنيابها السّمّ, تتربّص غفلة فريستها للفتكِ بها... تمارس الرّياء والنّفاق والخداع, تملّقا ومحاباة وتزلّفا, يحدوها الوسواس الإبليسيّ, لتحقيق غايتها الحقيرة, كما حقارة نفسها الوضيعة الذّليلة المهينة... ذلك هو الغنى الذي اكتنزت به على ذمّة وسواسها الخنّاس؟!... وغدت كما السّعلاة تتنزّى شهوةً لشرب نخب الدّماء؟!...
أعلنت له أخوّتها وصداقتها وأشهدت ما أشهدت على ما أعلنت, وعكست له حرصها عليه, وأفصحت له عن غيرتها الإيجابيّة نحوه, وأوهمته بطيب قلبها وسريرتها له, ونقاوة وصفاء تفكيرها به, وطهارة أحاسيسها ومشاعرها نحوه, مؤكّدة له على اهتمامها النّبيل به, وبذل قصارى جهدها للمحافظة عليه, وصون مكانته المرموقة, والوقوف إلى جانبه, درءا لكل طاريء, واتّقاء لكل معتد ظالم ومتطاول, وتقديم يد العون له, وتذليل كلّ العقبات أمامه, وتسهيل ما ينوي العمل به أو الإقدام عليه... سيّما تحقيق تلك العلاقة الخفيّة, التي ما زالت مغمورة, وبعيدة عن الأضواء, مُدّعية أنّ لها يد الطّول في ضمان استمراريتها, وأنّها الكفيلة بتحقيقها دون سواها؟!... وأظهرت ما أظهرت من المحبّة والفرحة, إذا ما تجسّدت وتوكّدت, وبانت جليّة ساطعة للنّاس؟!...
صدّقها... قداسة إيمان, وطهارة سريرة, وطيبة نفس, ونبل أحاسيس, بما عكست له, لأنّ ظاهرها يُوحي بالإيمان, فاطمأنّ لها بما طمأنته, وهو غافل عمّا تُخفي في صدرها من غلّ وحقد وكراهية وحسد نحوه... وراحت تستدرجه, إطراء ومحاباة ورياء, تُحاول كشف ما خفي عنها من أسراره, دون أن توحي له بكيدها الحوّائيّ الموروث, جاهدة الوصول إلى غايتها التي وسوس لها الشّيطان بها, وهو مُدركٌ لما ترمي إليه وتتوق... وما أن أسرّ لها ببعض ما يحمل في كنهه, وما أسرّ لها إلاّ ببعض الفقاعات الهوائيّة, حتّى تلقّفت ما تناهى لمسمعها, دون التّأكّد من صحّته, وكأنّها اكتشفت المستحيل؟!... والتفّت فجأة على محورها الرّقّاص, وانقلبت على عقبها غدرا وخيانة, وتحرشفت كما الثّعبان الهائج, وراحت تلدغه بوحشيّة دون رحمة ولا شفقة, وتنهش به وتأكل لحمه, وتنفث سمومها في أوصاله, وتمارس فحيحها المسموم في جرح كرامته وثلم شرفه, مُجيزة لكيدها فضح أسراره بهتانا وزورا وبغير وجه حقّ؟!... ولم تُوفّر وسيلة كيديّة, إلاّ واستخدمتها في هتك أستار حبيبته والنّيل منها, لا لشيء, ولا لثأر ما, إنّما غيرة وحسدا وكراهيّة, لأنّه سيصنع من حبيبته اسما لامعا في الخلق والإبداع والإبتكار, ممّا يكشف حقيقتها المُزيّفة في اللصوصيّة والسّطو, وانتحال الصّفات والألقاب, زورا ونفاقا وظلما وبهتان... فما كان منها إلاّ الكيد واللؤم, وافتعال ما افتعلت, واتّهام ما اتّهمت, وهدم ما هدمت, وتقويض ما قوّضت, وتهديد ووعيد, اعتداء وظلما وعدوان؟!... وخلقت ما خلقت من شرخ, باعد بينه وبين حبيبته, التي أحبّها وأحبّته برضى وتقوى الله, وعدا وعهدا وميثاقا وعقدا وقسما؟!...
هذا لعمري, عصر القهر والكفر والعهر والرّوغان, وزمن الكيد وفعل الزّور والبهتان, والتّنافخ بارتكاب الظّلم والإعتداء واللفّ والدّوران, وممارسة الجور والطّغيان, والتّعالي والإستكبار بألقاب وصفات خاوية فارغة, وأوهام من مواريث بني عثمان؟!... وتحت ستائر ودثائر, وأوشحة وشادورات وأثواب, ومظاهر من الإيمان؟!... فتبّا وكرها وبعدا ومقتا ورفضا لهذا الزّمان, ومن فيه من أشباه النّساء والرّجال وبني الإنسان... الغارقون في مستنقعات اللغو والتّجديف والدّجل, والهرطقة والهلوسة والوسوسة, والتّنجيم والرّجم بالغيب, والطرق في كثبان الرّمال, واللعب بالأصداف, وقراءات الكفّ والفنجان, على ذمّة العرّافين الكاذبين المنافقين, وشمشريخ ملك الجان؟!...
وما على المظلوم في غربة هذه الحياة الصّبر, وأن يمتطي صهوات الشّكّ وصولا للإطمئنان بالآخرين, واليقين بمطاوي النّاس في مسارات هذه الحياة, وألاّ يطمئنّ لأحد من النّاس, كائنا من كان, إلاّ بعد تجربة وبرهان وإمتحان... ومهما المرء حاول اخفاء ما ينتحل, ويدّعي من صفات وألقاب وخصال وأخلاق, وإن خالها على النّاس تخفى, تتكشّف يوما بعد يوم من فلتات لسانه, وتُعرف من تقلّبات مزاجيّاته... فإمّا يرقى سموّا وعروجا للعلا بمكارم أخلاقه, وسموّ مناقبه ورفعتها, ويرود الفراديس الإلهيّة, أو يسقط انحدارا في دركات الظلام والظّلم, بمساويء ما يتخلّق به من صفات ما أنزل الله بها من سلطان... وليس الغنى بأسماء تُسمّى على رؤى الآباء والأجداد, وليس بانتحال الصّفات والألقاب كفرا وزورا وبهتان على ذمّة أحابيل الشّيطان, بل الغنى الأشفّ, غنى الوعي الباطنيّ, والعرفان الذّاتيّ, وعقلنة القلب, وقلبنة العقل, والإستنارة في البصيرة, وصدق الإيمان, والإخلاص بالتّقوى بين النّاس, وعدا وعهدا وبيعة لوجه الرّحمن...
التعليقات (0)