زعموا أن " أسود الأطلس" ذاهبون إلى الغابون لافتراس كل من يقف في طريقهم من صقور وفهود وفيلة...وصدق كل المغاربة أن موعد الفرح قد حان وأن كأس أمم إفريقيا لكرة القدم تنتظر الأيادي المغربية لاحتضانها بعد تمنع استمر لست وثلاثين سنة... فاز المغاربة بالرهان قبل بداية النزال. لكن أسودهم كفت عن زئيرها كالعادة. "وعادت حليمة إلى عادتها القديمة".
لقد أصبحت نكبات الكرة المغربية في السنوات الأخيرة أمرا مألوفا وعاديا، لكننا تعودنا على النسيان بسرعة وكلما حل موعد كروي جديد نبدأ في صناعة الأوهام وتصديقها. لذلك نسلي أنفسنا بالأماني التي سرعان ما تصطدم بحقائق الميدان فنستيقظ من سباتنا ونشحذ سيوف النقد والإستنكار والتأفف... ثم ننسى من جديد. وربما كان النسيان نعمة، لأننا تعلمنا أن " البكاء على الميت خسارة ". ورغم ذلك فإن المسؤولين عن كرة القدم في بلادنا لا يسارعون إلى دفن الميت إكراما له، بل يعمدون إلى إنعاشه ب" السيروم". وفجأة تدب الحياة في الجثة بقدرة قادر، فتنطلي علينا الحيلة كالعادة و ندخل مسلسلا متجددا من الأماني والأوهام. ومن المؤكد أن هذا السيناريو سيتكرر بالتفاصيل ذاتها في المستقبل إلى أجل غير مسمى.
المغاربة يبحثون عن لحظة فرح في ظل هذا الواقع البئيس الذي يحيط بهم. إنهم يبحثون عبر كرة القدم عن آفاق أخرى لتعويض الإخفاق الذي يلازمهم في صراعهم مع متطلبات الحياة اليومية. لكن هيستيريا الكرة والمتابعة الواسعة لمباريات المنتخب الوطني هي في العمق تعبير عن مدى التعلق بهذا الوطن. ذلك أن هذه الرياضة الشعبية الواسعة الإنتشار في مختلف مناطق العالم ليست مجرد وسيلة للمتعة والفرجة فحسب. إن كرة القدم أصبحت قوة اقتصادية وسياسية كبرى نظرا لحجم المتابعة الجماهيرية التي تحظى بها، ونظرا أيضا لحجم معاملاتها المالية الضخمة التي جعلتها تقف في وجه عواصف الأزمة الإقتصادية التي يعرفها العالم خلال السنوات الأخيرة. وفي بلد فقير كالمغرب لم يعد مقبولا أن تظل كرة القدم - التي تحظى باعتمادات مادية ضخمة من ميزانية الدولة - في منأى عن المحاسبة. لذلك فإن الغضب الواسع الذي عبرت عنه مختلف الشرائح الإجتماعية بعد العودة المخيبة لعناصر النخبة الوطنية من الغابون، يأتي في سياق احتقان اجتماعي حاد على وقع البطالة وغلاء الأسعار وانسداد الآفاق، في الوقت الذي ترصد فيه لجامعة كرة القدم أموال ضخمة لا يظهر لها أي أثر على مستوى النتائج. ولعل لغز أجرة "غيريتس" يعتبر نموذجا صارخا على طبيعة التعاطي الإستعلائي الذي يميز سياسات تدبير الشأن العام في هذا البلد. فكيف يعقل أن لا يعرف المغاربة القيمة المالية التي يتقاضاها مدرب المنتخب مع العلم أنها جزء من الأموال العمومية؟. ألا يدل هذا التكتم الشديد على أن القضية فيها " إن"؟.
الجمهور المغربي غاضب هذه الأيام. وهو يطالب بإقالة " غيريتس" واختيار ناخب وطني من أبناء هذا البلد... لكن الواقع أكبر من أن يختزل في شخص المدرب. المشكل هيكلي بالدرجة الأولى. ولو كنا نعيش في بلد يؤمن بالديموقراطية والمحاسبة لبادر المكتب الجامعي إلى الإستقالة فورا. وذلك أضعف الإيمان. لكن لا شيء من ذلك سيحدث عندنا، وبشأن المدرب سنسمع السمفونية ذاتها التي تعودنا عليها عقب كل نكسة: فالسيد " غيريتس" يجمعه عقد محدد بالجامعة، ولا يمكن إلغاؤه في المرحلة الحالية بسبب قيمة الشرط الجزائي الذي سيترتب عن فسخ العقد ( لعنة الله على الشرط الجزائي). فماذا تبقى إذن؟. طبعا لن تستطيع الوزارة المعنية القيام بأي شيء، فقد عجزت حتى عن الإفراج عن الراتب الحقيقي للمدرب. وهي لا تمتلك الحق في إقالة الجامعة لأن " لالة فيفا " تعتبر ذلك تدخلا سافرا في شؤونها الخاصة. لذلك ستظل الأمور على حالها. وسينسى المغاربة كل هذا اللغط بمجرد أن يفوز " الأسود" على فريق من الدرجة الثالثة في مباراة ودية. وبعد ذلك ستبدأ الأماني من جديد... محمد مغوتي.03/02/2012.
التعليقات (0)