اقتلْ وابتسمْ، صوّب رصاصتك جيداً؛ فالهدف فلسطيني..!! امنعوا الإسعاف من الوصول؛ فلا يزال دمه ينزف، أطلقوا المزيد من الرصاص، ربما يعيش ويفضح جريمتنا... لا ضير فلا يوجد هناك من ينتقدنا والعالم "الأعمى" كله في صفنا".
ك لمات لخّصتها جريمة جديدة. ضحيتها لقمة العيش، والمجرم أسوأ احتلال في تاريخ البشرية. أما الإنسانية فإنها باتت في ذاكرة الزمان، بينما يصبح موت الفلسطيني مجرّد "أداة تسلية"، وهدفاً للقنص يتسابق الجنود على إصابته: "مَن منهم يقتله أولاً، من منهم يصيبه في قلبه، في رأسه، في صدره، في ظهره، في جميع الأحوال يريدونه ميتاً". وكأن هؤلاء الجنود يردّدون فيما بينهم: "ابتسمْ، صوّبْ، أطلقْ النار، إنها فريسة جديدة والتهمة "فلسطيني".
لم يكن ذاك البريئ ذاك الرجل المسكين مطلوب على قوائم الموت الاحتلالية بتهمة نشاطه في عملٍ عسكري أو سواه. لكنه -وككل فلسطيني- كان مطلوباً بتهمة فلسطينيّته، كان كذلك لأنه خرج من منزله باحثاً عن لقمة عيش وقوت يومه. لم يدرك أن خروجه من البيت لهذه الغاية سيجعل منه هدفاً لقناصة ينتظرون ضحيتهم بفارغ الصبر.
دق جرس الهاتف المحمول الخاص بالشهيد ، والذي كان يعمل سائقاً لسيارة نقل ركاب عمومية، بينما المتصل مجموعة من الشبان، وطلبة الجامعة يريدون الخروج من مدينة نابلس إلى بلدتهم طوباس. أجاب على هاتفه، وأخبرهم بأنه سيأتي بعد قليل إليهم عبر طريق الباذان قرب نابلس. وصل إلى هناك، حاول أن يستطلع الطريق فتفاجأ بوجود جنود الاحتلال خلف أحد أكوام التراب التي وضعوها لمنع دخول السيارات إلى نابلس، حاول العودة إلى سيارته. لكن حقد الاحتلال لم يمنحه فرصة الالتفاف، فكان صدره هدفاً لتلك الرصاصة القاتلة...!! ما رواه شهود العيان يؤكد عمق جريمة الاحتلال وبُعدها لقتل واستهداف كل ما هو فلسطيني. فحسب أحد هؤلاء الشهود لم يشكل زكريا خطراً على الجنود، ومجرد أن شاهدهم حاول العودة من حيث أتى، إلا أن رصاصهم كان أسرع من كل رغبات البقاء على قيد الحياة، وتأمين رزق الأطفال وقوتهم اليومي.
"وكأنهم كانوا ينتظرون وصوله" هذا ما يقول شاهد عيان عاصر جريمة القتل البشعة، مضيفاً: "وكأن أيديهم كانت جاهزة على الزناد تنتظر خروج أي فلسطيني من وراء تلك التلة، وعادة ما يسوّغ جنود الاحتلال جريمتهم بأن الضحية كان يحمل في يديه شيئاً مما أثار شكوك الجنود، واشتبهوا أنه يحمل السلاح، لكن هذه المرة لا يوجد أية مسوّغات؛ فلم يكن زكريا يحمل أي شيء مطلقاً، وأسقط باستشهاده كل الذرائع وحجج الموت الإسرائيلي".
وما يضيف إلى ذلك-تعزيزاً على عمق الحقد وشغف القتل الإسرائيلي- منعهم لسيارة الإسعاف من الوصول إلى زكريا بعد إصابته بتلك الرصاصة، انتظروا حتى تأكّدوا من وفاته وبعد ذلك: " سمحوا لطواقم الإسعاف، وأخذوا الجثة إلى المستشفى".
الصحفي علاء بدارنة الذي تابع جريمة الموت هذه يقول: "على طريق الباذان هناك ما يُسمّى بصخرة الموت، والتي يقول أجدادنا إنها كانت تُستخدم في الماضي للانتحار، وما أشبه اليوم بالأمس فالمرور من هنا هو انتحار!!".
ويضيف بدرانة: "زكريا آخر العابرين، إنه ببساطة سائق تاكسي جاء إلى السدة اليوم، خرج من سيارتهن انتظر رزقه من العابرين من سدات الموت، طال الانتظار لم يأتِ أحد بل جاءه الموت من رصاصة حاقدة".
ويؤكد "بدارنة" الذي يعمل في مجال التصوير الصحفي أن مشهد زكريا في ثلاجة الموتى بمستشفى رفيديا لم يكن غريباً عليه ويقول: "زكريا الأب في ثلاجة الموتى التي أزورها كثيراً، ومللت من تلك الزيارة، متى سيتوقف هذا الموت المرعب لهؤلاء الآباء والأمهات؟! كثيراً ما أخاف وأرتجف وأنا ذاهب إلى هناك لألتقط صوراً لأناس لا أعرفهم. خوفي هو أن أجد بداخل تلك الثلاجة من أعرفه".
زكريا ينام براحة بعد يوم شاق ومتعب في البحث عن لقمة العيش، بينما الأبناء والأحبة انتظروا رحلة العودة الأخيرة لمنزل العائلة في طوباس، لكنْ هذه المرة عاد محمولاً، وليس حاملاً لما ينتظره الأبناء...!! فحسبنا الله و نعم الوكيل.
التعليقات (0)