تلك حزمة من الخلجات، والأفكار، والنصائح، والاقتراحات، لا ألزم بها أحداً، لكنني أضعها بين أيدي شباب الثورة المجيدة، لعلها تساهم ولو بمثقال ذرة في حماية مصر ما بعد الثورة.
1- الثورة التي أسقطت طاغية العصر ودفعتْ ثمنها من دماء وشهداء وجرحى هي السلطة الأولى التي ينبغي تنفيذُ مَطالبــِها كاملة قبل أن تعود للسلطات الثلاث أدوارُها في دولةٍ ديمقراطية وحرة ومستقلة
2- الثورة قبل السلطة القضائية، ومهمة رئيس المحكمة التي يقف أمامها عدو الشعب الطاغية المخلوع حسني مبارك هي محاسبته على جرائم ثلاثة عقود، وليس ثلاثة أسابيع. وأم الجرائم في حق المصريين هي اعتبار مبارك متهم فقط لعدة أيام في الحـُكم مما يعد إهانة لشعبنا، واحتقاراً لثورته، وازدراءً لقوانين العدالة، ورفضاً لاتهام الطاغية المخلوع عن أي فترة أخرى سابقة للثورة.
3- السيد المستشار أحمد رفعت أثبتَ أنه لا يصلح قاضياً للنظر في جرائم لو تم عرضــُها على محكمة الجنايات الدولية لاحتاجت لعشرات من المستشارين ذوي الخبرة والامكانيات، لذا فالثورة تطالب بعزل المستشار ولا ينتقص هذا من احترامنا له.
5- التهاون في إعادة أموال المصريين المنهوبة، وطلب قروض ومساعدات بالمليارات هي جريمة بكل المقاييس، فالمصريون في هذه الظروف القاسية أحق بأموالهم من البنوك في الخارج، وكل الدلائل تشير إلى أن من بيدهم الأمر يرفضون استعادةَ أموال مصر المحتجــَزة في الخارج.
6- خصوم الثورة وأعداؤها الذين فرّقوها جماعات وأحزاباً، ورفضوا الانضمام للثوار قبل نجاحـِها، وانفضـّـوا عنهم بعدما حصلوا على مقارات ومكاتب واعترافاً بالشخصية المعنوية. إنها وصولية وتسلقية وغشٌّ وخداع، فالثورة قامتْ، ونجحتْ، وأجبرت الطاغيةَ على التنازل، مخلوعاً، عن الحُكم لأنها كانت بهويـّة واحدة وهي المواطــَنة المصرية، أما ما يحدث الآن من الافصاح عن توجهات مختلفة قبل تحقيق أهداف الثورة فهو طعن فيها، وخيانة لمبادئها، وانحياز ضد الشعب.
7- إن سرية الجلسات، والاكتفاء بشهود تنتهي شهادتهم لصالح طاغية مصر الذي خلعه الشعب، والإخلال بمواعيد بدء الجلسات، ومنع عدد كبير من المحامين للدخول إلى القاعة، والانحياز الواضح من رئيس المحكمة، وضعفه في إدارة الجلسات، وقرارات حظر النشر لجلسات محاكمة هي قضية رأي عام، وازدراء رغبة الشعب في معرفة ما يدور داخل قاعة محاكمة هو الذي ضغط على السلطة لعقدها فحـَرَمَتْه من متابعتها .. كلها تؤكد أن الأمر برمته مسرح للعرائس يتلاعب في خيوطه الطاغية ورجاله، حتى أحمد عز يدير أعماله بالمليارات من وراء القضبان.
8- الذين قتلوا مئات من شباب الثورة لم يكونوا أشباحاً أو كائنات فضائية لكنهم موجودون بيننا، وتعرفهم أجهزة الأمن والمخابرات والمجلس العسكري، ولدى الدولة أفلام موثقة، والانتظار المتعمد لعدة أشهر في تسويف واضح كان لاخفاء الأدلة أو تسهيل هروب القتلة.
9- أي متابع جيد، ومشاهد حصيف لن يخفى عليه أن أجمل وأرقى وأطهر ثورات العصر تتم سرقتها في وضح النهار، وفي استفزاز صريح لملايين المصريين، وفي تحدٍ مباشر لأبطال ميدان التحرير، والسرقة ليست لصالح قوى جديدة، لكنها لاعادة النظام السابق في صورة جديدة ومخادعة.
10- إنهم يراهنون على أن الثورة تقوم مرة واحدة، وأن جمعة المليونية ليست أكثر من تكدس شبابي لعدة ساعات، وأن غياب الاخوان المسلمين والسلفيين والأقباط والوفد وبعض الجماعات الأخرى سينهي إلى غير رجعة قوة شباب الثورة خاصة بعدما بدأت دول كثيرة في التردد لدعم الثورة المصرية السلمية التي انفضت وانفصلت عنها فصائل كانت تخفي أيديولوجيتها وأفكارها حتى تنجح الثورة ثم تقطف ثمارها وتجري بعيداً.
إننا ننادي كل عشاق مصر ومحبيها أن يعودوا مرة أخرى إلى الثورة ونقائها وعــَلــَمـِها الموحد وسلميتها، فهي ليست يسارية أو يمينية أو ناصرية أو اخوانية أو قبطية أو سلفية أو علمانية، إنما هي غضبة شعب يريد أن يُحاكم قاتلي أبنائه، وناهبي ثروته، والمفرّطين في استقلاليته، ومنتهكي كرامته، ومفسدي حياته اليومية.
عبقرية الثورة في سلميتها، وأي اعتداء على ممتلكات الدولة هي سرقة من ممتلكات الشعب الذي سيدفع ثمنها من عَرَق أبنائه، وتحطيم المحلات وسيارات الشرطة واستخدام أسلحة نارية أو بيضاء لا يمكن فهمه إلا أنه من قوى معادية لمصر، ومناهضة للثورة، ومتعاطفة مع الطاغية المخلوع.
محاكمة مبارك باطلة ما لم تتحول إلى محاكمة طاغية ورجاله على عصر كامل يمتد لثلاثة عقود، وجرائمه لا يمحوها نفي بعض القادة أنه أعطى أوامر أو أنهم لم يحضروا الاجتماعات ولم يتناهى إلى أسماعهم رتوش كلام، فالثورة أكبر وأعظم من أن تنتهي هكذا، كأنها ضحت بشبابها، وأخرجت مصر كلها عن بكرة أبيها لجريمة سرقة أبقار أو عجول أو سيارة قديمة.
إنه وطن من أغلى الأوطان، ومركز الثقل في المنطقة، ورأس التسامح الديني في أفريقيا والعالم العربي.
عندما نطلب مساعدة مالية أو قرضا ونغض الطرف عن مليارات من أموالنا في بنوك خارجية فنحن نستحق الوضع الكارثي الذي تتوجه إليه مصر.
الاستقرار لن يحدث إلا بعد تحويل المحاكمة من جنائية بسيطة إلى محاكمة نظام ارتكب آلاف الجرائم التي تكفي الواحدة منها للف حبل المشنقة حول عنق مبارك .. وكل الذين ساندوه.
إنهم يراهنون على أن الغضب المصري لن يحرك جناح بعوضة، وأنهم مستمرون في قوانين الطواريء، واعتقال الأبرياء، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والعسكريين ورأس النظام الفاسد أمام محكمة مدنية.
فلتنته كل الشعارات الأخرى، وأخصّ منها الشعارات الدينية التي يمكن أن تعود مرة ثانية أو ثالثة عندما تعلن الثورة أنها نجحت نهائيا، وأن هناك حكومة مدنية منتخب رئيسها كنتيجة لتصويت عادل ونزيه وشفاف.
إن استعراض القوى الدينية في وضع ترتيبات السياحة والبنوك والتهديد بالهجوم على الكنائس واشتراط التمييز في مناصب الدولة وفقا لخانة الديانة في البطاقة الشخصية، ثم النفاق المصطنع باعتبار المجلس العسكري خطاً أحمر في مقابل مساحة أوسع لتلعب فيها على الساحة السياسية لن يؤدي إلا إلى عودة مبارك وتحويل مصر الآمنة إلى ساحة يمنية ليبية سورية.
الآن .. الآن فقط يعرف كل من يحب مصر ماذا يفعل، وإلى من ينتمي؟
المتفرج كالمتواطيء، والصامت كالمتآمر، والمنفصل بأيديولوجيته وعقيدته كالمنحاز لوطن منقسم ومجزأ، والمؤيد لمحاكمة مبارك عن جرائم عام 2011 فقط كمن يتعاطف مع نهب وطن لثلاثين عاماً.
الطائفية لها صور عدة ووجوه كلها قبيحة، ومن يرى أخاه المصري كأنه الآخر لاختلاف في العقيدة أو المذهب أو الجماعة أو التوجه الفكري كمن يفتح جبهة حرب داخل الوطن تصب في النهاية لصالح الطاغية مبارك.
أعمى البصيرة فقط هو الذي لا يرى المشهد المصري ومبارك يتحكم فيه وهو على الفراش، فانقذوا ثورتكم العظيمة، ولا تخونوا شهداءكم الأبرار، واسدلوا الستار على هذه المسرحية السخيفة، ولا تكترثوا للشهود الكبار في جلسة سرية مغلقة يديرها قاض أصغر من أن يمثل عدالة لقضية وطن و .. عصر.
الشهود المعتمدون الذي يمكن إحضارهم هم ثمانون مليوناً بالتمام والكمال، والثورة قامت من أجلهم، ومن أجل آبائهم الذين رحلوا ولم يشاهدوا نهاية الطاغية.
ثورة مصر الشبابية تــُجـِبّ ما قبلها، وتقف فوق رؤوس الجميع، وتأمر ولا تؤمر، وهي السلطة الأولى والوحيدة حتى يستتب الوضع، ويعود المصريون وشبابهم إلى بيوتهم وأعمالهم وجامعاتهم.
لا لسرقة الثورة لحساب أي جهة، ولا لتأجيل الحــُكم على المجرم حسني مبارك وابنيه، ولا للعفو غير المبرر عن السيدة سوزان مبارك، وإذا لم يلتف حبل المشنقة في وقت وجيز حول أعناق مبارك وولديه والعادلي وزكريا عزمي وصفوت الشريف وأحمد فتحي سرور وأحمد عز وغالي وحسين سالم فقــُلْ على الثورة السلام وترحم على 25 يناير!
المشهد المصري القادم هو التصويت الوحيد العملي في حب مصر أو كراهيتها، وخروج المصريين كلهم، بدون استثناء، واختلاط اللونين الجميلين، الهلال والصليب، رجال الدين الإسلامي والمسيحي، سيعيد لثورة مسروقةٍ بهاءَها ورونقـَها وعظمتــَها.
المشهد المصري القادم يحتمل واحداً فقط من اثنين: إما أن نحتفل بنجاح ثورتنا المسالمة، ومساواة الفرحة بين الجميع مهما كانت انتماءاتهم، وإما أن يبصق علينا مبارك كما فعل طوال ثلاثين عاماً.
من لا يغضب لمصر الآن فلن يغضب لأهله ولأولاده ولكرامته، ولا حاجة للـه في صلاته وصيامه، ولا حاجة للمساجد والكنائس في مؤمنين جبناء يبيعون الدنيا والآخرة بثمن بخس.
الغضب هو حالة حب الوطن الوحيدة التي تخترق حُجبَ السماء، ويرضى اللــه بها صلاة مشفوعة برحمته وعفوه.
حماية الثورة وحماية مصر والتعجيل في إصدار الحُكم العادل على عصابة مبارك، كلها وجوه واحدة للتطهر المصري، والدعاء إلى اللـه أن يرحمنا لصمتنا ثلاثين عاما، ثم لسذاجتنا عندما فرّطنا في أعظم ثورات العصر.
أيها الشباب المصري الوطني الثوري الرائع،
لم تنتقص سرقة ثورتكم من محبتي وتقديري واحترامي وفخري بوعيكم الأصيل، فتوكلوا على اللــه، فما اشد حاجة مصر إليكم الآن أكثر من أي وقت مضى.
وسلام اللــه على مصر.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو 26 سبتمبر 2011
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)