أفكارك تسبق اسمك
A young man thinks doggedly at such times …. 19. STEPHEN CRANE.
لها سحر لا ينتجه إلا بارع، و لها جمال لا يقدر على زخرفته أي صانع، و لها قيمة لا يدرك قيمتها حتى الصائغ، و لها قدرة لا يملكها حتى السفاح الكاسح، و من هنا سميت بالأرقام.
إنّ لهذه الرموز معان جمة، فهي تختزل كل الأفكار في سطر واحد، و تجعل من الحديث معدوم القيمة، بالقياس إلى قيمها الكبيرة، بل و إنها تجعل المشاعر فضاء رحبا للتجارب، فتلعب بالإنسان كما تشاء، بعيدا عن الرغبة الدافعة، و بين هذه الأحكام يستقر صيام المنطق و الرياضيات بشكلهما الرمزي، بحيث ينتجان صورا، خفيفة الاستهلاك، لكنها فاعلة التأثير، في الجوانب الدقيقة للحياة، و بما أن الدنيا تأخذ من البشر أعز ما يملك، و تدخله المتاهات التي يخشاها كثيرا رغما عنه، إلا أنها تبقي ذلك الحبل الموسوم بعناصر الأمل متدليا من أجل نجدته. فالصلة الموجودة بين الفكرة و الرقم، هي التي تأخذ من الشرعية كالتي تغلف صلة البعل بزوجه على سنة الله و رسوله، بحيث أنّ الفكرة تظهر بجسدها العاري، و بوضوح حين تتخذ من الرموز لغة، و تظهر كل ما لها، و ما عليها، حينما تترك الأشكال تتكلم نيابة عنها، بل و أكثر، فحين نخلص إلى النتيجة، و التي نعتبرها من القوانين الصارمة، و الخارقة لكل نظم التحكم في الطبيعة الحيوانية، أو النباتية، و حتى البشرية، فإننا نلمس تلك الفكرة الجد فعالة، في ثياب رقم دقيق، و صريح الصدق، على أن تبقى حبيسة حروف و أشكال الموجة المتصلة، لكنها تؤول و تفسر على حسب الاندفاعات الشخصية، و هنا تتحول الفكرة من الصورية الباقية، إلى المادية الزائلة، و منه فإنّها تأخذ حكم المؤبد، لتموت بعيدا عن الحياة و معاركها، مما يولد جنة جديدة للانتهازيين الذين دفعوا بحالة الاستقرار في سنفونية المعاني ثمنا لأرواح أمجادهم المزيفة، لا لشيء، و لا لمبدأ، سوى من أجل إنزال الإرسال الساحق إلى مرتبة اللغم المؤقت، فيبطلون كل مفعول، و يسود الجمود، مما يتولد الصمت، و يجتاح الكبت عصارة القيمة الحقيقية، لكن الصندوق الصغير لرسائل المطلق، ما يزال يستقبل كل تهاني شرفاء الفكرة، و يأخذ بيد كل عامل في مصنع الإنتاج الفكري، حتى أنه يعمل من أجل ما يؤمن به، و كل طاقته لما هو متأكد من صدقه، و لو كان الثمن فقدان حياته. فالأرض لها معطياتها و الأرقام لها صلابتها، لكن المعرفة هي الساحة المثلى لاحتضان الصراع التفكيري، و الميدان الأفضل لتشغيل محرك البحث الإبداعي، بدل أن نخنق قوانينها قبل أن نجعلها شاهدة على باب جفائنا لواقعنا. فعندما يعجز العقل، يموت الإخلاص و كل ما يرتبط به، لكن هذا مستبعد الحصول ما دام أنّ هناك كيانا موجودا، و يحارب كل ما من شأنه أخذ الإنسانية ناحية الحرب المدمرة، و هنا نحن نقصد هلاك الحضارات بعد تصادمها بشكل رهيب، فالعصر أصبح لا يحتمل مقدار الجهل الموجود فينا، حتى أنّ المشاريع الرقمية، أصبحت تنهار أمام أعين من بعثها إلى الوجود، و ما من أحد أدرك سقوط هذه الأنظمة، و ما من قائد جعل من أولوياته بعث الأفكار من جديد، لأنّ الأفكار التي خذلت نفسها، هي عبارة عن قنابل موقوتة الانفجار، قد تتسع دائرة تدميرها و تشمل كل العالم المعرفي العربي و الإنساني، و حتى تلك التي يزعم أنها تحت السيطرة، فهي تحت سوط لا يعرف مدى ما يوجد تحت جلد مجلود. و لهذا كان من المفيد التذكير بالصلابة الفكرية التي يجب علينا إلصاقها بكل فكرة جديدة، لتنعش الميّت من بقايا المبادئ القديمة، و ما علينا سوى إبقاء جهاز التحكم بعيدا، لنضمن و لو بنسبة قليلة، عدم انبعاث تلك الموجة الهائلة التي ستجرف العقل البشري، و لكنها ستبقيه بعيدا عن أصله الإنساني حتما.
و بهذا نتفادى الكارثة المعرفية لكل فرد، و بالتالي نتجنب انقراض الأفكار المصنعة محليا، فكم نحن بحاجة إلى أفكار تولد من عقولنا، بدل أن نستقبل بحفاوة ليس لها مثيل، أفكارا ولدت في ما وراء البحار، و صدروها إلينا و هي مجردة من الكرامة و العذرية.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
التعليقات (0)