لاأعتقد بوجود منطقة في العالم عبث بها أباطرة الإستعمارات القديمة والحديثة كما فعلوا بأفريقيا .. ولا أعتقد أيضا بوجود تركيبة بشرية قادرة على التحمل والصبر والجَلد ، كما تركيبة الإنسان الإفريقي ، وسُمرة جلدته التي كانت ولازالت ، مدخلا رئيسيا لإستباحة خيرات أراضيه ، بل وحتى كرامته ، لأن تلك السّمرة تظهر لأجناس أخرى على أنها منزلة دون البياض ، وأنها لاتصلح سوى للإستعباد والإضطهاد ، وهي فلسفة مقنعة للرؤساء الأفارقة وأباطرتها ودكتاتورييها على الأقل ، لذلك تجدهم يوظفونها بإمتياز ، فلا يكفون عن ضرب محكوميهم بالسياط طيلة حكمهم الذي يطول ويطول ، ولا يزول إلا على وقع أصوات الرصاص والدبابات ، وبإراقة الكثير الكثير من الدماء !.. الدماء التي أصبحت على ما يبدوا شرابا مستساغا لدى مسامات الأرض الإفريقية ! ..
أما المستعمرون والمهندسون والمتحضرون البيض ، فهم يكتفون بالفرجة على تركيبة بشرية يعتبرون تقاتلها وتناحرها جزءا لايتجزأ من مشهد غرابتها ، وتخلفها ، وبدائيتها ، وأطماعهم تزين لهم أن أجواء تشتت الأفارقة وإنشغالهم بالتناحر فيما بينهم ، تتيح لهم فرصا أوفر للإستنزاف ! .. كما أن لهم حصصا دورية من الخيرات الإفريقية التي يدفعون فيها أثمانا بخسة ، ويجنون منها ثروات طائلة !..
يتقدمون هم ، وتبقى إفريقيا تراوح مكانها ، متخبطة في مستنقعات الفقر ، والأوبئة ، والحروب ، والنزاعات ؟! .. فأين العدل يا دعاته الذين يقومون بتسييس القضايا ، لجعل حكام أفريقيا دمى ً يحركونها كما يشاؤون ؟! .. وأين حقوق الإنسان يا دعاتها الذين يتنعمون بخيرات أفريقيا ، ويدثرون بجلود حيوانات أفريقيا بما فيها حيوان الإنسان البدائي ، بل وليعش في جحيم وليذهب حتى بعد الممات الذي يحيط به من كل حدب وصوب إلى الجحيم ؟! ..
أفريقيا الصومال الذي لم يعد يذكر العالم تاريخ آخر يوم عاش شعبه في سلام ! .. الصومال المشهور بسوق بكارة الذي يجسد النزاع في أوجّه من أجل البقاء ، ولا شيء غير البقاء ! .. الصومال الذي تناقلت وكالات الأنباء خبرا طريفا لكنه ذا أبعاد عميقة عن زيارة سائح أجنبي إلى أراضيه مؤخرا ، فرفض المغادرة بعد محاولة السلطات تسفيره ، وعدم السماح له بالبقاء خوفا على حياته ، وصرح السائح بأن الشعب الصومالي ظريف ، لأنه كلما سأله أحدهم عن وجهته ، يخبره بأنه سائح ، فيستغرق في الضحك ! ..
أفريقيا السودان الواقف على عتبة الإنتحار !.. السودان السلة الغذائية العربية العملاقة التي ظل العرب يحملقون فيها ، ويعاينونها حتى أصابوها بالعين ولم يأكلوا منها شقفة بصل ! .. السودان أرض (الزول) الذي ركن إلى دهاليز قصر حكمه ، وقبع في إحدى غرفه بانتظار المحتوم .. الزول الذي قصوا له أجنحته ولسانه بإسم العدالة ، ليمد لهم رقبة السودان ويمتصوا خيراتها ودماء شعبها ! .. السودان مطمع الإيديولوجيات ، وضحية ضغوط نافذيها في العالم ، الذين نسفوه بمساعدة قوى السودان الداخلية التي لاتختلف دوافعها كثيرا عن دوافع أي قوى سياسية إفريقية أخرى مطحونة تحت الإستعمار الخفي والممنهج ! ..
أفريقيا ساحل العاج الواقف على فوهة بركان الحرب الأهلية ، ربما هي المليون في تاريخ ما يعرف بـ (الديمقراطية الدموية) في أفريقيا ! .. ساحل العاج (حسن وترة) الذي فاز بالرئاسة في إنتخابات نزيهة وشفافة ، لكنه حرم من حق ممارسة مهامه ، لأن الرئيس المنتهية ولايته كشر عن أنيابه بعدما تأكد بأنه سيفارق مركز سلطته الشكلية ، وأنه سيفقد سطوته في العبث والدموية والفساد ! .. ساحل العاج التطاحن الذي سيروح ضحيته آلاف الأبرياء ، ولن يكون موتهم سابقة تفض مضاجع الهيئات العالمية أو المنظمات الإنسانية ؟! ..
أفريقيا الجزائر المكابرة ، أم هي المغرب المكابرة ؟! .. أيهما على خطأ وأيهما على صواب ؟! .. أيهما عربية وأيهما موحدة وإسلامية ؟! .. وأيهما تدرك معنى حقيقة الأخوة ، وحق الجار ؟! .. أعذروني يا جزائريين ، واعذروني يا مغاربة ، لأنني لا أستطيع أن أنحاز إلى أي طرف ، لأنني في رحلتي التنويرية تعلمت أن أوسع آفاقي ما إستطعت ، وبرأيي وبحسب قناعاتي أن الإنسانية أوسع وأشمل من الحدود الضيقة التي تغلقها سلطات البلدين في وجه بعضهما ! ..
أفريقيا القارة الجنة النازفة تحت أقدام العالم ، والقارة الصامدة رغم التمزيق ، نحبك رغم النزيف ، ورغم الحرقة ورغم الألم .. بل حتى إن الألم أصبح نكتة الصوماليين .
ــــــــ
تاج الديــن : 12 ـ 2010
التعليقات (0)