أغنى أغنياء العالم .... ثم مــاذا ؟
كارلوس سليم
أصدر موقع فوربس الألكتروني قائمة بالأغنياء العشرين لعام 2010م من أصحاب البلايين وعلى رأسهم هذه السنة البليونير المكسيكي كارلوس سليم بثروة مقدارها 53.5 بليون دولار من خلال الاستثمار في مجال الاتصالات . وجاء بعده البليونير الأمريكي بيل جيتس بثروة مقدارها 53 بليون دولار ..... وشملت القائمة بليونيرات ذكور وإناث من الشرق والغرب وقد بدأ كل واحد منهم في اللقطة التي وضعت إلى جانب رقم بلايينه فرحا سعيدا بها . وهو يحسب أن البقية من الأثرياء قبل الفقراء يحسدونه على ذلك .....
وبالفعل وكما يتردد على لساننا العربي فإن كل صاحب نعمة محسود ولكن الحمد لله إننا لم نقل في أدبياتنا وثقافتنا أن كل صاحب مال محسود.
وهناك بعض الجهلاء ممن يظن أن المقصود بهذه المقولة (كل ذي نعمة محسود) أن النعمة هنا هي المال السائل والمنقول والثابت وحده ..... في حين أن الذي يجب أن يفهم هو أوسع وأعم وأشمل من ذلك بكثير. وذلك من وحي أن قوله عز وجل (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) (18) النحل .... أو بما معناه أن المال ليس هو النعمة الوحيدة وإنما هناك نعم كثيرة يغفل الناس عادة في زحمة الحياة عن الإحساس بها ، وتقييمها التقييم الصحيح الجدير بها .... ولأجل ذلك فإن الإنسان لا يحس على سبيل المثال بنعمة الصحة والعافية إلا عند المرض .. ولا يحس بنعمة البصر إلا عند الإصابة بالعمى .. ولا يحس بنعمة المأوى إلا عند التشرد ..... وهكذا دواليك وفق قوله عز وجل المشار إليه أعلاه.
ثم أنه وعند الغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم فإن الإنسان ساعتها فقط وحين لحظة الحقيقة والحد الفاصل بين الحياة الدنيا والآخرة ,,,, يحس الإنسان وقتها بنعمة الهداية والعمل الصالح وخشية الله في هذه الدار الفانية.
ولكن وبرغم ذلك فإن الإنسان قد جبل على حب الخير .. كل الخير .. ويرجو منذ نعومة أظفاره لو حيزت له الدنيا بحذافيرها ينعم فيها بالخير الوفير .... ولو أعطاه ربه هذه الدنيا وجعلها كلها في قبضة يده لطمع في أخرى .... ولا يملأ جوف آدم إلا التراب.
وبعض الشعراء ممن تعرض لتجربة شخصية أو من خلال أغلب مشاهداته من حوله قال:
رأيت الدراهم في المواطن كلها ..... تكسو الرجال مهابةً ووقار
فهي اللسان لمن أراد فصاحةً ...... وهي السلاح لمن أراد قتال
وهذه الأبيات ومثلها ؛ وإن كانت إستنتاجات من واقع المشاهدة والإحتكاك والتمعن الشخصي لما يعج به المجتمع البشري من قيم وسلوك وأخلاقيات ؛ فإنها بلاشك لا تصور الأمر من كافة جوانبه وأبعاده الثلاثة الأخرى .... فالمال قد يكون نقمة على صاحبة ليس في الدنيا خاصة وإنما في داخل قبره وفي الآخرة أو يوم القيامة تحديدا، وحتى يحين دوره للحساب أمام الله عز وجل ... وهي الفترة الزمنية التي حددت بيوم كان مقداره 50,000 سنة.
...............
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنـزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون (35) } التوبة
ووفي آية أخرى يقول الله عز وجل : {ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } 180 آل عمران
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم ، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أٌعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار"
وبالطبع فإن التوجيه هنا بالنسبة للمال المكتسب من مصدر حلال فما بالك بالمال المكتسب من مصدر حرام ؟ ... وهو الذي بات المصدر الأغلب الأعم حيث الرشاوى والعمولات المقدمة على شكل سافر أو هدايا للحصول على التسهيلات والإمتيازات والرخص والهبات الحكومية المجانية من المال العام وحقوق الشعب .. إلخ هي لعبة الأغنياء مع أصحاب النفوذ.... وساء أولئك رفيقا.
..............
والطريف أن الإنسان الذي يتورط في جمع المال بطرق غير مشروعة سواء أكان تاجرا ورجل أعمال أو صاحب نفوذ وسلطة . فإنه يدّعي ولغرض إنامة ضميره وتسلية نفسه ، إنه إنما يفعل ذلك من أجل أبنائه وزوجته حتى لا يتشردون من بعده . وينسى أنه لم يخلق نفسه ولم يخلق أبنائه أو زوجته وبالتالي فهو غير مسئول عن أرزاقهم ... كما ينسى في خضم إنشغاله بالركض لاهثا خلف الدنيا أن هؤلاء اللذين يسرق وينهب ويرشي من أجلهم لن يكونوا مسئولين معه أو عنه أمام الله عز وجل . بل ولن يساندوه أو يؤازروه ويقفوا إلى جانبه يوم القيامة . وذلك مصداقا لقوله عز وجل: [يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) ]عبس
والبعض الآخر من التجار ورجال الأعمال الذين يضحكون على أنفسهم ويسلونها بالزعم أن التجارة والبزنيس تتطلب تنازلات في جانب الذمة والضمير. وأنه لا يمكن الحصول على عطاءات ورخص إستيراد وتصدير وأراضي وجني ارباح وتنمية مشروعات .. إلخ إلا بدفع رشاوي وإتاوات وعمولات وإكراميات وهدايا للمسئولين ... وأن هذه هي سنة التجارة . فإنه ولهؤلاء نقول أنه وعند ساعة الحساب سيؤتى بهم فيقال لهم:
- لماذا دفعتم الرشَى ولماذا غششتم في بضاعتكم ومارستم الإحتكار والطرق الملتوية المحرمة جملة وتفصيلا في أعمالكم وتجارتكم؟
فيرد هؤلاء وقد ظنوا أنهم أمام قاضي من قضاة الدنيا:
- يا رب إنما فعلنا ذلك لأنها سنة التجارة .
فيقال لهم :
- كذبتم .
ثم ينادى على الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم .. وهم من العشرة المبشرين بالجنة . وكانوا من كبار التجار واصحاب الملايين في زمانهم. والتي تعادل المليارات بأسعار اليوم فيقال لهم:
- كيف جمعتم أموالكم ؟
فيقولون :
- الله يشهد وهو أعلم كيف جمعناها بالحلال وبالبيع والشراء وبما يرضي الله ووفق شريعة الإسلام دون أن نأكل ربا أو نرشي أحدا أو نستغل النفوذ أو نغرر بوالي كي يبيح لنا سرقة أموال بيت المال وحقوق العباد.
فتكون مقولة هؤلاء شهادة تدحض كل صاحب ثروة يدّعي أنه لم يكن بالإمكان جمع المال وممارسة التجارة سوى بتقديم الرشاوي.
...............
ومن المآسي التي تعرض لها بعض أصحاب الملايين في بلادنا. أن رجل أعمال كبير أصيب بآلام حادة في بطنه خلال تواجده في مكتبه . فنقل إلى المستشفى من فوره .... وحين قرر الأطباء إجراء عملية إزالة الزائدة الدودية له وصل أحد أبنائه ممن يعمل معه في الشركة إلى المستشفى وهو يركض ويسأل عن مكان غرفة والده بلهفة وجزع . وتصادف وصوله مع إخراج أبيه على النقالة المتحركة نحو غرفة العمليات . فإذا بالولد بدلا من أن يرتمي على أبيه يحضنه ويقبل أقدامه ويذرف الدمع ويبكي ويرجو له الخروج بالسلامة ... إذا به يخرج بعض الأوراق من حقيبته ويطلب من والده توقيع بعض الشيكات ويلح عليه في ذلك ... فإنتهره الأطباء بشدة . وكان موقفا غريبا شاهده البعض بأم أعينهم ولا يزالون غير مصدقين.
.................
وهناك مليونير آخر دخل في غيبوبة واعتقد الأطباء بعد مرور فترة أنه لن ينجو منها . وعندما علم أولاده الكبار بذلك شرعوا في تقسيم ثروة والدهم الكبيرة وإنشغلوا عن الحضور للمستشفى لإستقبال الزوار بالإجتماعات المتواصلة ليل نهار مع المحامي لترتيب العقودات . ثم قاموا بتوقيعها وطلبوا من محامي الشركة (صديق والدهم) رفع دعوى إلى المحكمة للحكم لهم بالحق في تقسيم التركة رسميا ..... وخلال نظر الدعوى التي واجهت عوائق شرعية وطبية خرج الأب فجأة من غيبوبته وعاد افضل مما كان عليه ، وكأنه قط بسبعة ارواح . فكان موقفا محرجا للجميع ... ولكن ربما كان فيه بعض العبرة والعظة لهذا الأب الذي قد يكون من أولئك البعض الذين إستباحوا العديد من الموانع الشرعية لجمع جزء أو معظم ثروته لأجل ابنائه ....
......................
وفي الختام ينبغي الإشارة إلى أن البعض ممن أخذته العزة بالإثم يدعي أن الإنسان مغلوب على أمره مجبور في حبه للمال والشهوات فيردد قوله عز وجل من سورة آل عمران : [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ] الآية {14}
ولأمثال هؤلاء نوضح أن التزيين مرادف لحال الكفر وإستعداد الإنسان لإرتكاب المعاصي وسيء الأعمال وليس للجبرية والتسيير..... وأن التزيين والوسوسة عادة ما تكون من الشيطان الذي يزين للناس سوء عملهم ....... ثم أن الحلال بين والحرام بين ... وبينهما متشابهات .. وكل شاة معلقة من عصبتها ولله الأمر من قبل ومن بعد........... اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا.
التعليقات (0)