عندما نصنع الفراغ يملؤه غيرنا، ولأننا لا ننتج شيئا غير الكلام، اخترع لنا الغرب الطائرات والبواخر لنؤدي فريضة الحج، والحنفيات لنتوضأ للصلاة والبنوك لنقدم الزكاة، وحتى الحلوى لنفطر بعد الصيام، وطالت صناعتنا للفراغ تاريخيا، فما صرنا نتكلم عن عيسى وموسى وبقية الأنبياء عليهم السلام إلا بعد أن تصلنا سيرتهم وأفلامهم من غيرنا، وما صرنا نتحدث عن آل البيت من أحفاد الرسول الكرام إلى زوجاته الطاهرات حتى تأتينا صور تقديسهم وأيضا الإساءة لهن من غيرنا، في مشاهد نحن فيها على الدوام المتفرجين، وغيرنا من يكتب السيناريو ويقوم بالإخراج .
وإذا كانت التُهمة الموجهة لنا أننا نمارس رد الفعل على أفعال الآخرين، فإن هذه التهمة قد سقطت أيضا، لأننا ما عدنا نقدر على ردّات الفعل الإيجابية فتركنا لغيرنا الفعل الحقيقي، ورد الفعل الحقيقي وغرقنا في لعاب وحبر وعرق الأعصاب، نتهم غيرنا بمعاداة ديننا الحنيف ولا يوجد من حرّف دين العمل بكسلنا مثلنا ودين العلم بجهلنا مثلنا ودين العزة بذلّنا مثلنا .
وإذا كان فاروق الأمة عمر بن الخطاب قد شرح حال العرب في قوله بأنهم كانوا أذلاء فأعزهم الله بالإسلام، ورأى أنهم سيعودون للذل إن أرادوا العزة بغير الإسلام، فإن رؤياه تحققت منذ أن ارتضى المسلمون لأنفسهم تسميات أخرى غير الإسلام وفرائض أخرى غير التي أنزلت وسنن أخرى غير التي أتى بها خاتم الأنبياء والمرسلين، فالذين أرادوا أن يكونوا شيعة لعلي وبنيه رضوان الله عليهم ابتعدوا عن الشيعة الحقيقية لرسول الإسلام، فصاروا يحجّون إلى قبر الحسين في كربلاء وقبر علي في النجف أكثر من حجهم لروضة المصطفى، والذين أرادوا أن يكونوا شيعة للسلف الصالح رضوان الله عليهم صاروا يتبعون هندام الأفغان ويستاكون بأعواد الأراك أكثر من إتباعهم لما جاء في الكتاب الخالد من عزة معنوية قوامها العلم، فتفرّق المسلمون بين شيعي وسلفي، وتجرأ الغلاة في الإساءة لزوجة المصطفى وأيضا لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم .
معروف عن الأعياد في كل دول العالم وفي الإسلام بالخصوص أنها جامعة للناس، فهي تذوّب الخلافات، وتئد الفتنة، ولكننا في عيد عاشوراء نجدها استفزاز للآخر من منادب تُذرف فيها الدموع على حفيد الرسول الذي قُتل منذ أربعة عشر قرنا، ولا تُذرف الدموع على العراق الموطن المدفون فيه سيدنا الحسين الذي قتل منذ تسع سنوات بقنابل امريكية وصمت إسلامي، ووطن كبير مزقته الفتنة وابتغى غير الإسلام دينا ودنيا، بين فرق أنتجت الإرهاب باسمه وفرق طلّقت العلم باسمه، وأعياد زادت من خلافاتنا، ففي عيد الفطر نختلف في الرؤية وفي عيد الأضحى ننحر بعضنا وفي مظاهر البدع في عاشوراء ندفن كل آمال العودة ... أو بعضها .
التعليقات (0)