لامناص لنا – كمواطنين - من الإحتفال ، والإحتفاء بأعياد أوطاننا ، ولامهرب لنا من تحمل ضجيج تلك الإحتفالات ، حتى ولوكانت لاتعبر عن فرحتنا بالضرورة .. ورغم مشاعر (الوطنية) التي تختلج صدورنا تجاه تلك الأوطان ، إلا أننا لسنا سعداء بأعياد هي أبعد ماتكون فيه من إبداءٍ لمظاهر الإحتفال الحقيقي ، أولمشاعر حب – من المفروض أن يكون متبادلا - ما بين الوطن والمواطن ، لسبب بسيط لكنه من الأهمية بمكان ، وهو أن الوطن يحتفل باستعراض (قِواه القمعية) ، ويختال بها أمام المواطن ، في حوار رمزي يهمس من خلاله في أذنه : إفرح بالفرجة على ماأستجمعه من قوىً للدفاع عنك ، وللذود عن حريتك و (كرامتك) ، لكن لاتنسى بأنها (كرامة ممنوحة) ، ويجوز لها أن (تُهان) حين يتعلق الأمر (بمصلحة الوطن) العليا ، أو (الدنيا) على حد سواء ، وفوهات البنادق تلك ، وحتى خراطيم مياه ( الدفاع المدني) كلها ، إنما هي موجهة نحو رأسك ، فيما لو حاولت رفعه فوق مستوى رؤوس(العامة والعامية) ، أومددته خارج دائرة (الإمعة الشعبية) ؟!..
هذه هي حقيقة أعياد أوطاننا ، والتي يكتفي فيها (قادتنا ومسؤولينا) باستعراض القوات البرية ، والبحرية ، والجوية ، أمامنا كمواطنين ، في مظهر أقرب مايكون إلى (السادية) .. ومع أن الصورة (البريئة) التي رسموها في أذهاننا عن تلك الإحتفاليات ، هي طمأنتنا بأن أوطاننا (واقفة) بجميع إمكاناتها البشرية ، والحربية للذود عن حريتنا وعن حياتنا ، إلا أن الصورة (الماجنة) والحقيقية هي أن تلك الإستعراضات ، ماهي إلا (مناشير طويلة جدا) لما يكدسه الوطن من عتاد ، وأسلحة ، وجيوش جرارة - فقط - لكبت أنفاسنا ، وتقييد إراداتنا ، وهي إعذار ممنهج بالقدرة (السلطوية) على إجهاض أي أصوات منادية بحقها في التحرر من (الدكتاتوريات) التي تمتلك (وحدها) إيعاذ دفع تلك الجحافل إلى الشوارع للتنكيل بالمواطنين واضطهادهم ، وإقرارها لقوانين (الطوارئ) ، التي تحرسها و(حاشيتها) في مخادعهم ، وتمنع النوم عن أجفان (المظلومين) الذين امتلأت بهم السجون والمعتقلات ؟! ..
وحين نأتي على ذكر الديكتاتوريات ، (فيجب) أن نركز على دكتاتورياتنا العربية ، لأنها (النموذج الأسوأ) لها في العالم .. والدليل هو أن اليابان يحكمه نظام ديكتاتوري ، وكذلك بريطانيا العظمى ، و .. و ، ودول كثيرة ، لكن نظمها تلك لم تقف حائلا دون إبداعات شعوبها ، ولا دون نضوجها الثقافي والأخلاقي .. بل بالعكس فقد تمعتت تلك الشعوب بفسح أوسع للديمقراطية ، حتى أنها تتناسى – في خضم ثورتها العلمية والتكنولوجية البعيدة عن التسييس والبيروقراطية - بأن هناك (إرادة سياسية) تشرف على تسيير أوطانها ! .. وهذا ما جعل من إحتفالياتها بأعيادها الوطنية ، إحتفاليات حقيقية بأوطان أشعرتها بالأمن والأمان الحقيقين ، ووفرت لها أجواءا من السكينة التي فتحت المجال واسعا لتفجر ملكاتها ، لتساهم في النهوض بتطوير أوطانها بحب صادق ، ومتبادل ، ما بين الأوطان والشعوب ..
هذا هو الفرق في درجات (الإحساس بالوطنية) ، بين المواطن العربي وبين مواطن من اليابان ، أو من بريطانيا ، أو من أي ديكتاتورية أخرى (بغير المعايير العربية) ، لأن الديكتاتوريات العربية جعلت العلاقة بين المواطن ووطنه (علاقة طردية) ، وجعلت بالتالي من إحتفاليات الأعياد الوطنية مناسبة لجعل فرائص المواطنين ترتعد بمشاهدة القوات المجندة خصيصا لـ (قمع حرياته).. هي نفسها القوات التي تبقى (إستعراضية) ، ولاتستطيع خوض غمار الحروب الحقيقية ، وعاجزة عن تصويب معداتها الحربية نحو الأعداء الحقيقيين لهوية الشعوب الوطنية والعقائدية.
ـــــــــــــــــــــ
تاج الدين: مدون خارج دائرة الإمعــة.
التعليقات (0)