أعمال سارية المفعول
إذا كان من سنة الله تعالى في الناس أن جعل لكل إنسان عمرا واحدا، ينتهي عمله فيه بتوقف دقات القلب، وخروج الروح من البدن، فإن الله منَّ على عباده بأبواب من الخير، تمد عمر الإنسان، يقوم بها من يشاء من أهل الخير في حياته، ليبقى أجرها ساريا بعد مماته، فأهل القبور قد انقطعت أعمالهم وهم يحاسبون، وهو ما تزال ترتفع درجاته، وتتزايد حسناته، فالحمد لله رب العالمين.
وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم. وفي حديث آخر: "سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" رواه البزار وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ولأننا ننتظر في هذه الأيام شهر رمضان، أسأل الله أن يبلغنا إياه، وفيه يرفع الله أجر الخصلة من خصال الخير إلى أجر الفريضة، أحببت أن نتعرف على بعض الأعمال التي يمكن عملها في رمضان يبقى أجرها ساريا لنا حتى بعد مماتنا إن تقبلها الله منا: ومن هذه الأعمال:
أولا: المساهمة في بناء بيت من بيوت الله، ولو بالقليل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة" رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع. والقطاة: نوع من أنواع الطيور. ومفحص قطاة: أي: العُش الذي يضع فيه هذا الطائربيضه. وكأن رسول الله يريد أن من ساهم في بناء بيت من بيوت الله ولو بشيء في حجم هذا العش، بنى الله له بيتا في الجنة، فساهم أخي بإنارة المسجد، أو وضع مصاحف بالمسجد، أو أو.. لتلقى أجر ذلك ما دام المسجد باقيا.
ثانيا: توزيع مجموعة من المصاحف على من يستطيع القراءة فيها، ولو أن تشتري مجموعة لهذا الغرض خاصة. وتذكر بأن هذا المصحف كلما قُرأت فيه آية، بل كلما قُرأ فيه حرف، بل كلما نُظر فيه، كنت مشاركا في الأجر. ولو استطعت أن تُحفظ أحدًا مجموعة من سور القرآن الكريم، كان هذا أعظم أجرا.
ثالثا: توزيع مجموعة من الكتب، والشرائط، والسديهات نشرا للعلم، ولتكون ممن ترك علما يُنتفع به.
ثالثا: يمكنك أن ترسل مواضيع نافعة، تحوي معلومات قيمة، أو أذكار نستخدمها في حياتنا اليومية، عبر بريدك الإلكتروني. أو أن تقوم بتحفيظ أحد دعاء أو ذكرا من الأذكار مثل أدعية دخول البيت والخروج منه، أو دخول المسجد والخروج منه، أو دخول الحمام والخروج منه..الخ. وكلما قرأ أحدهم هذا الدعاء كلما اكتسبت أجرا، وكلما علمه أحدهم لغيره شاركت الجميع في الأجر.
رابعا: زراعة شجرة في الطريق، أو أمام منزلك، أو بجوار مسجد أو مدرسة..الخ، حتى إذا مت جاءك أجر كل من استظل بظلها، أو أكل من ثمرها، سواء كان إنسانا أو حيوانا.
خامسا: صله الرحم وخاصة أهل ود أبويك، ويُعد هذا من البر بوالديك، حتى وإن كانا قد توفاهما الله.
سادسا: بإمكانك أن تقوم بتوزيع أكياس مليئة بالمواد الغذائية، على أصحاب الأسر الفقيرة. أو أن تمول الفقراء بمشاريع بسيطة مساعدة منهم في فتح باب لهم للرزق. أو أن تتخلص من الأدوات المنزلية الزائدة عن الحاجة، ولا تستعملها، وإعطائها للشباب الفقير المقبل على الزواج أو للعائلات الفقيرة.
سابعا: الاستفادة من الجانب العملي في حياتك، فإذا كنت طبيبا مثلا، تستطيع أن تخصص يوما من أيام الأسبوع للعلاج مجانا، أو تتخلى فيه عن أجرة هذا اليوم لتنفقه على الفقراء. وإن كنت مدرسا مثلا: أن تعطي من وقتك لتعليم أطفال الفقراء الذين لا يستطيعون دفع أجور الدروس الخصوصية..الخ.
ثامنا: من أهم الأعمال التي يمكن للإنسان أن يُخلد أعماله بها، وأن يبقى أجرها ساريا بعد موته، حسن المعاملة، وحسن الأخلاق، فكما قيل الدين المعاملة. وهو ليس بحديث كما يظنه بعض الناس، ولكنه من كلام العلماء ومعناه موجود في القرآن والسنة.
فالعبادات الإسلامية الكبرى ذات أهداف أخلاقية واضحة، فالصلاة شرعت لتنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة لتطهر نفوس الفقراء من الحسد والحقد، وتطهير نفوس الأغنياء من الكبر وعواقبه. والصيام طهرة من اللغو والرفث، والحج إمساك عن الجدال واللغو والرفث. ومن لم تنهه صلاته فلا صلاة له، ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه...الخ. فكن حسن المعاملة، حسن الأخلاق مع الآخرين لكي يبقى ذكرك بعد موتك.
وقد طلب إبراهيم عليه السلام بقاء الذكر الحسن له بعد موته، فقال تعالى على لسان إبراهيم {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}. وأعطاه الله ذلك، فقال عنه: {وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين}. وحسنة الدنيا هي الذكر الحسن، فنحن نطلب من الله في كل صلاة –في التشهد- أن يصلي على محمد وعلى آل محمد، كما صلى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم..
تاسعا: إن لم تكن قادرا على عمل من أعمال الصدقات الجارية، فأنت قادر على أن تضمر نية صالحة، بأنه لو كان لك ما تستطيع أن تفعل به عملا من الأعمال والصدقات الجارية، لفعلت، واصدق في ذلك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقه"، قال: "فهذا بأفضل المنازل" قال: "وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا ؟" قال: "فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان" قال: "فأجرهما سواء". رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فانظر كيف حصل صاحب النية الصادقة، على أجر صاحب المال والعلم والعمل، وهو لا يملك المال ولا العمل. وإنما امتلك علما ونية صادقة.
عاشرا: من الأشياء المهمة أيضا: أن تدل على عمل من أعمال الخير، وإن لم تفعله، فإن رسول الله قال: "من دل على هدى كان له مثل أجر فاعله".
أخي: هناك آلاف من الأعمال والأبواب التي يمكنك طرقها للحصول على الصدقات الجارية، أحببت فقط أن أدلك وأدل نفسي على بعض منها، فقط قم بعمل شيء وابدأ فالنية تجلب العمل، والله ابتلانا بأن يكون البدء منا، وعليه سبحانه التمام، فمن تقرب إليه شبرا تقرب الله إليه ذراعا...الحديث. فابدأ وعلى الله التمام.
وإياك أن تعتمد على غيرك، من أهل أو ولد، ليتصدق عنك بعد موتك، فإنما المال ماله، وإن ورثه عنك، فلا تنتظر أن يتصدق من ماله لك، وإن هانت عليك نفسك فلم تعمل لها في حياتك، فنفسك على غيرها أهون.
واعلم أخي أن نشر هذا المقال من طريقك، يمكن أن يكون نوعا من أنواع الدلالة على الخير، فلعل أحدهم يعمل بما فيه، فنشاركه أنا وأنت في الخير. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الله السُّكرُمي
التعليقات (0)