خلال الأيام القليلة الماضية، تابعنا جدالا ونقاشا قويا وصداعا في الرأس بلغ مداه ما بين الشيعة والسنة الى درجة أن أقدمت بلدان عربية ذات الأغلبية السنية ، ومنها المغرب، الى قطع علاقاتها مع إيران الصفوية المجوسية التي تتحين الفرصة للانقضاض على أهل السنة والجماعة أحفاد معاوية بن أبي سفيان من السلفيين والتكفيريين وكل من لا يؤمن بإمامة أهل البيت عليهم السلام، الجانب السني والذي يؤمن بالخلافة الراشدة ويعتبر أن الخلفاء الأربعة كانوا إخوة متحابين ومتوادين فيما بينهم، الى أن تحولت الخلافة الى ملك عضوض مع بني أمية، يكذبون الشيعة ويتهمونهم بتزوير التاريخ وتحريف العقيدة الصحيحة للأمة، ودليل البعض أن أئمة الفقه يقفون مع الثوار من آل البيت، فقهاء الحديث وقفوا بسلاح القلم، وآل البيت وفقوا بسلاح السيف كما قال علي الوردي في كتابه"وعاظ السلاطين"
في يومنا هذا الذي نحياه لا أحد من الفرقتين حاول أن يتفهم الآخر، وكل من وقف موقفا وسطا اتهم في دينه وعقيدته من كلا الطرفين وألبوا عليه الناس، وكأني بهم يقولون" اتركونا وشأننا لا يفل الحديد إلا الحديد .. لا نود أي فرقة تتدخل بيننا.. ولا توجد طائفة من هي أكثر إيمانا منا.. نحن الفرقة الناجية"
وإذا ما ساروا على هذه الوثيرة فلن يبقى أي أحد منهم، ولم ينج منهم فرد !!
لقد نسي هؤلاء، أي السنة والشيعة أنهما تواطآ على الخوارج وجعلوهما فرقة ضالة، وكل فرقة منهما لا تتردد في شيطنة الخوارج ولي عنق أحاديث نبوية شريفة من اجل النيل منهم، ويختصرون الخوارج في عبد الرحمن بن ملجم قاتل سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الشريف كما عند الشيعة والسنة معا، وكأن الخوارج كلهم يقرؤون القرآن ولا يتجاوز تراقيهم عند الطائفتين معا كذلك!!
خلال 16 ماي الأليمة انبرى محمد عابد الجابري خطيبا في أربعة من مقالاته يلعن الخوارج ويسبهم حين شبههم بالقوى الحاقدة على المشروع المجتمعي المغربي الذي كان يقوده رفاقه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية آنذاك، وهو ظلم من مفكر متنور وحداثي نسي مشروعة النقدي في رباعية العقل العربي، وأصبح سلفيا ضد السلفية وهو لا يدري، وشيعيا مع الشيعة ينتقم للتاريخ والحاضر معا. مما جعل السيد أحمد الدغرني، وهو الأمازيغي الأصولي يرد على الجابري الأمازيغي الكافر بأمازيغيته ،حسب تصنيف بعض الجمعيات الأمازيغية، يقول بأن مذهبه من الخوارج !! ويضيف السيد أحمد الدغرني بأنه لم يعد معنيا لا بالمذهب المالكي ولا المذهب الشيعي، فمذهبه من الخوارج، ولا ضير أن نجده دوما من الخوارج عن إجماع المغاربة حين لا يتردد في زيارة العدو رقم واحد للأمة العربية والإسلامية...
عفوا سامحني يا سيد الدغرني، ربما كنت تقصد أنك لا تؤمن بما يسمى بالفقه السياسي لما يسمى بآل البيت الذين يرون أن الإمامة فيهم وحدهم، وأن الأئمة عندهم 12 كلهم من قريش، وكذلك أهل السنة لا زال منهم من يؤمن أن الخلافة يجب أن تكون من قريش، وليس للأمة خيار غيرهم !!
لقد حفظنا عن الخوارج، فقط ما قاله عنهم كتاب الملل والنحل، وحفظنا أحاديث تدعونا للطاعة للإمام سواء كان برا أو فاجرا، فلا بد من بيعته وإلا متنا ميتة جاهلية، والشيعة يطلبون منا أن نبايع الإمام الحجة الغائب في السرداب الذي تركنا وهرب ويتوعدنا أنه حين سيرجع سينتقم منا جميعا، وإلا متنا ميتة جاهلية كذلك... ها أنت ترى أن الفرقتين متواطئتين على عقولنا وخياراتنا في اختيار من يمثلنا بشكل حضاري وحضوري، أي ليس غائبا عنا ولا نعرف مكانه ولا وقت قدومه، وليس ديكتاتورا ينهل من الثقافة الفرعونية " لا أريكم إلا ما أرى " وضع كهذا جعل الأمة تعيش في جمود قاتل وفاقدة حاسة الحركة والنشاط متأسية بالأمم التي عرفت نهضة حضارية شاملة.
لنسمع الى مفكر مدقق ومجتهد ومتنور من قامة أحمد أمين ماذا يقول عن الخوارج : " لقد كان في الخوارج كل العناصر التي تكون الأدب: عقيدة راسخة لا تزعزعها الأحداث، وتحمس شديد لها تهون بجانبه الأرواح والأموال، وصراحة في القول والعمل لا تخشى بأسا، ولا ترهب أحدا، وديمقراطية حقة لا ترى الأمير كأحدهم، ولا العظيم إلا خادمهم، ورسم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه رسما مستقيما، واضحا لا عوج فيه، ولا غموض، يجب أن يعدل الخليفة والأمراء ....ويجب أن يسلك السبيل من غير تقية ، ومن غير مجاملة أو مواربة ، ويجب أن يقابل الواقع كما هو، ويشخص كما هو، ويعالج كما هو، على طريقة عمر بن الخطاب، لا على طريقة عمر بن العاص...من هذا كله نرى الخارجي قد اجتمعت له العاطفة القوية ، والأداة الصالحة للتعبير عنها" ضحى الإسلام/ج:4 ، ص ص : 244-245.
أن تكون من الخوارج ليس أن تكفر الناس، ولا أن تدعو لقتال البعض ومنازلته، فالإباضية ،في الجزائر وتونس الآن على سبيل المثال، هم أناس مسالمون، لم نسمع أحدا منهم فجر نفسه، أو كفر حاكما، أو خرج حاملا سيفه، أو ركن الى ظالم من الشعب أو من الحكومة،بل الخوارج مصطلح أو مفهوم أصبح فضفاضا، وان بقي يحمل معنى الخروج. في الماضي تم تضييق المعنى وحمله محملا سياسيا، أي الخروج عن السلطة السياسية، أما اليوم فحتى مفهوم السلطة قد اتسع معناها كما عند المفكرين المعاصرين، هناك السلطة المعرفية والسلطة الحزبية والقبلية والنقابية ...الخ. فأن تخرج عن السلطة كيفما كان نوعها، فأنت من الخوارج.
وحين تخرج أو تكون من الخوارج، فأنت حر، وحين تكون حرا، فأنت من الخوارج، ولذلك فها أنا أعترف أمامكم، وأقولها بالفم الملآن : أنا من الخوارج!!!
أنا مستعد أن أعطيكم جميعا قلبي، ولا أستطيع أن أعطي عقلي/ راسي لأحد.
أنا خارجي خرجت من رؤسكم جميعها ....
و
" داخل سوق راسي".
التعليقات (0)