طأطأت رأسها حينما جلست أرضاً بجانبه ... المعذرة والدي ... إشتقت إليك كثيراً، فيما تدلّت نفحات من الدموع تجمعت في مقلتيها وأكملت هامسة .. لكن ليس الشوق من حملني اليك بل هي سفينة الحياة المثقلة بالهموم إنها من جاء بي إليك ... وأطلقت لهنيهة مشاعرها وصرخة لم تسمعها سوى أذنيها ... لكن طائر القبّار مرّ قربها وألقى عليها نظرته مبتعداً وكأنه يمنحها وحدةً سعت يوماً إليها ... لا تدري أهو البكاء ما بها أم أنه قهر الزمن وحزن مخيم ألقى بظلاله عليها فيما بدت عيناها حمراوتان أثقلت جفناها حبات الدموع كغيم اثقل حمله حبات المطر ... وأردفت وهي تنظر إليه : أعلم أنني لم أزرك مذ عدت من رحلتي وكم كنت أتمنى أن آتيك بمثل ما تتمنى ولكن بابا ... أنا آسفة ... وقد أرخى لها الصمت كعادته دون أن يقاطعها ... أسرّت له بأحاديث شتى ... سرّبت اليه أوجاعها المبطنة والمعلنة ويداها تتعاونان في تنظيف بعض العشيبات التي نمت منذ زيارتها السابقة ...
لم يكن أباً فحسب بل كان صديقاً ورفيقاً لها ... كان يتوكأ عليها في أرذل عمره ... يشكو لها تصاريف الزمن ... يأخذها الى تاريخ كان فيه الإنسان بشراً قبل أن تلوثه ماديات الحياة إحساساً وسلوكا ... ذكريات تعود به معها إلى الزمن الجميل ... لِمَ تغّير كل شيىء ؟؟... لمَ تلبّست الحياة تشوهات وعاهات وأقنعة ..؟؟....همست بينها وبين نفسها ....
إسترسلت في الحديث إليه ... أخذت نبرة صوتها ترتفع بوتيرة أعلى ... شجعها إنصاته وصمته وسكون المكان من حولها ... إستدركت القول :" المعذرة بابا إن أثقلت عليك "... لم تنتظر منه جواباً بل شرّعت نوافذ قلبها ... تحكي ... وتسرد ... ثم إنكفأت عليه تبكي ... عانقت قبره بكل شوق وإشتياق .... لم تركتني بابا ... تساءلت ..
لملمت أشلاء نفسها .... وعادت بعد أن حطت عنها حمولتها ... نعم سأعود ... وسآتيك بأخبار تسرّك بابا ... أعدك بذلك ....
جرّت ساقيها خارج المقبرة لكن ظلّت عيناها متسمرتين على قبر والدها ......
التعليقات (0)