أطلال.. بلا أوصال!
بقلم : حسن توفيق
ذات مرة سألوا الكاتب الساخر جورج برنارد شو عن الفارق بينه وبين شكسبير.. فأجاب سائليه قائلا: إن شكسبير عملاق، ولكنني أقف على كتفيه!! وكان شو يعني بهذا أنه أرفع قامة من شكسبير، بينما واقع الحال أنه ليس كذلك، لأن شكسبير عملاق بإمكانياته وبعبقريته الخلاقة، أما الكاتب الساخر فإنه قد اعترف بأنه ارتفع عندما وقف على كتفي عملاق، أي أنه لم يعتمد على إمكانياته الذاتية، وإنما تسلق، وكان صنيعه هذا أشبه بما تفعله النباتات المتسلقة التي تظل على الأرض إذا لم تلتف على قامات الأشجار الشامخة!
تذكرت هذا.. وأنا أستمع إلى "الأطلال".. أطلال أخرى غير الأطلال التي تغنيها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. إنها أطلال بلا أوصال.. أطلال تؤديها مطربات، ليست لهن ما لدى أم كلثوم من قدرات ومن إمكانيات.
الأصالة وحدها هي التي تبقى وتترك أثرها في العقول وفي النفوس، أما التقليد فإنه قد يعجبنا وقد يضحكنا..لكن الإعجاب لا يبقى طويلا.. وسرعان ما ننسى الذين يقلدون وننسى ما حاولوا تقليده، تاركين إياه يهوي إلى بئر لا قرار لها.
منذ سنوات عديدة كانت "لبلبة" (هل تذكرونها!؟) تقلد في بعض الحفلات أداء محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية ونجاة الصغيرة.. ولكن من منا يحاول الآن أن يتذكر هذا التقليد؟.. لا أحد فيما أتصور.. لأن الإنسان يبحث دوما عن الأصيل الذي يتميز بشخصية أسرة مستقلة، نستطيع من خلالها أن نميزه عن سواه وعما عداه.
ولكن هل هذا يعني عدم تقليد العمالقة والعظماء؟! إن الإنسان يتعلم من غيره طالما أنه يبدأ مسيرته ويطمح إلى أن يكون له شأن في عالم الكبار ذات يوم.. فالشاعر الشاب يبدأ أولى خطواته بالتأثر بمن سبقوه ممن أعجبوه، لكنه إذا كبر في العمر ولم يستطع أن يكون شاعرا مستقل الشخصية وبالتالي فإنه لم يستطع أن يكبر في عالم الشعر، فإنه يحكم على نفسه بألا يقرأ نتاجه أحد، ويصبح من الخير له وللقراء أن يتوقف عن مواصلة الرحلة.. لأنها رحلة لا غاية وراءها إلا التقليد، ومن يقلدون لا يخلفون للحياة أثرا يستحق الذكر كما قلت.
أترك القلم الآن.. متناسيا أطلال المطربات المقلدات، لأنها – كما قلت- أطلال بلا أوصال.. وأعود لأستمع إلى أم كلثوم.. أعود إلى أصالة الصوت.
يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
وحديثا من أحاديث الجوى
magnoonalarab@yahoo.com
التعليقات (0)