أطفالك بذرتك، فتعاهدها

عبد الله السكرمي 
 

إن التربية السليمة تبدأ اول ما تبدأ من البيت، من الأب والأم، فالأطفال بذرة الآباء والأمهات، والبذرة إن أُهملت لم يرج منها ثمرة.
(والبذرة ينبغي أن تُتَعهد من أول يوم، بالسقاية والرعاية وتنقيتها من كل حشائش ضارة تفسدها، أو ديدان تقتلها، أو حشرات تأكلها.. لا بد من الرعاية الدائمة لهذه البَذرة حتى تُنبت وتُورق وتُزهر وتُثمر، وتؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها).
وينبغي أن يعلم الأمهات والآباء أن الطفل الصغير يدرك بالفطرة أشياء لا تُدرك بالعقل المُمَيِّز. فحين يرى الطفل أباه يصلي يقوم ليُقلد أباه، ويصلي بجواره، ويركع بركوعه، ويسجد بسجوده. وإن رأت البنت أمها تصلي مرة بعد مرة، دعاها ذلك لأن تقلدها وتصلي بجوارها.
إخواني وأخواتي من الآباء والأمهات:
تعاهدوا أطفالكم، واعلموا أن الطفل الذي يعيش في بيت تقام فيه الصلاة، غير الطفل الذي لا يرى أباه يوما راكعا، ولا أمه يوما ساجدة.
وليس الطفل الذي يسمع آيات الله تتلى في بيته، كالطفل الذي لا يسمع إلا الأغاني، ويرى الصورة الخليعة، أو شبه الخليعة.
فمن أهمل أطفاله في صغرهم، فلا يعجب إن عقُّوه في كِبره. فقد عقَّهم قبل أن يَعُقُّوه. وكما قال الشاعر:

إهمال تربية البنين جناية...عادت على الآباء بالويلات

إن الشر عادة والخير عادة، ومن تعوَّد الشر شبَّ عليه، ومن تعود الخير شب عليه أيضا، وكما قيل:

وينشأ ناشئ الفتيان منا... على ما كان عوَّده أبوه

فعلى الآباء والأمهات أن يحرصوا على أن ينشئوا أولادهم النشأة الربانية، وأن يعلقوهم بالله، وأن يورثوهم الخير، وأن يعلموهم التوحيد، فإن أول من يجني ثمرة هذه التربية الآباء والأمهات أنفسهم، ولنا في نبي الله إبراهيم الأسوة الحسنة، فإن الله يذكر لنا في القرآن الكريم دعاءه، فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)، فقد أشرك في الدعاء بنيه؛ لأنه كان حريصا على أولاده وذريته أن ينشأوا على التوحيد، وبهذا دعا ربه. وقال أيضا: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}. وذكر القرآن من دعاء الصالحين: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}..

هكذا ينبغي أن يكون الآباء والأمهات، حريصين على تنشئة أولادهم النشأة الإسلامية، وتربيتهم تربية ربانية..

{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}