سمعنا من بعض الكتاب والسياسيين كلمات اليأس والقنوط من الوضع العربي,
وانه لا أمل في إحداث تغيير ينقذ الأمة من هذا الهوان والضياع, وفقدان الأمة دورها الحضاري والإنساني. بالمقابل قلة من الناس من كانت لهم ثقة بهذه الأمة ,
وبشبابها. في حين أن الفكر القومي كان وما زال يؤمن أن الأمة العربية أمة حية , وأنها لم تعش تاريخها في خط مستقيم , بل عاشته في حالات مد وجزر , فتارة تصعد وتبني وتشيد حضارة إنسانية راقية , وتارة أخرى تهبط وتذوي جذوتها مدة من الزمن , ذلك بفعل وجود حكام ضعفاء , أو مرتبطين بالأجنبي , أو بفعل غزو أجنبي يذبح الإنسان العربي من الوريد إلى الوريد , وفي كل الحالات كانت الأمة تنهض من بين الرماد وتشعل جذوة الأمل من جديد , وهاهي تنبعث من جديد من بلاد المغرب العربي مرورا بمصر , ولابد أن تصل إلى المشرق العربي .
اهتمت الدول والمنظمات بما يجري في مصر , أكثر من اهتمامها بما حدث في تونس , وذلك عائد لمكانة مصر ودورها السياسي والحضاري في التاريخ الماضي والمعاصر , وموقعها الاستراتيجي الحاكم بين قارات العالم القديم , وأثرها في مسار الصراع العربي ـ الصهيوني ولاسيما بعد أن وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد . وقد كانت مصر في الماضي والحاضر نقطة ارتكاز بين المشرق العربي ومغربه ,كما كانت صمام الأمان في الدولة العربية الإسلامية زمن الخليفة عمر ابن الخطاب , عندما فتحها عمرو بن العاص , وكانت نقطة انطلاق جيوش إبراهيم باشا زمن حكم محمد علي باشا عام 1830 ـ 1840 ,نحو بلاد الشام لتوحيدها , واليوم ظلت مصر قاعدة للنضال العربي القومي زمن عبد الناصر ,وصارت علامة ضعف الأمة في عهد السادات وحسني مبارك , بسبب موقفهما من قضية الصراع العربي ـ الصهيوني , ورضوخهما لإرادة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية .
من هذه الأهمية السياسية والإستراتيجية تحضي أحداث مصر بأهمية بالغة من قبل الحكومات الأجنبية والعربية, وبعضها يرتجف من مآل الأحداث وسقوط نظام حسني مبارك, ومن هذه الأطراف:
1 . الإدارة الأمريكية ,يأتي قلقها وخوفها من تسلم الإخوان المسلمين الحكم بعد سقوط نظام حسني مبارك , , وعندها سوف تضطر للتفكير بصيغة جديدة لتغيير النظام الجديد ولو بانقلاب عسكري , كما حصل في الجزائر في أوائل عقد تسعينات القرن الماضي , وهو ما لا تتمناه حتى لا تقع في حرج جديد , ويظهر زيف ادعائها بأنها حامية الديمقراطية في العالم الحر . ولهذا اضطرت إلى إعلان مواقف تدعو تارة إلى الانتقال السلمي للسلطة فورا, وتارة أخرى أن تنتقل السلطة بسرعة , مع رغبتها بأن يتمكن مبارك من استرضاء الشعب ويبقى في السلطة أو يبقى ازلامة في قمة السلطة.
كما تتخوف الإدارة الأمريكية من العهد الجديد ,واحتمال أن يتنكر لمعاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني , ومن ثم يتوتر الوضع في منطقة ( الشرق الأوسط ) .
2 . الكيان الصهيوني , وهو الأخر شديد الخوف من سقوط نظام حسني مبارك , لنفس الخوف الذي أبدته الإدارة الأمريكية من قبل ,وإذا جاء نظام يرفض السلام المزعوم مع الكيان الصهيوني , فان الجبهة المصرية قد تشتعل من جديد , أضف إلى ذلك قرب الحدود المصرية من قطاع غزة , الذي تحكمه حماس . ولهذا طلب نتنياهو من الدول الغربية أن لا تدين مبارك وتحرض الشعب للاستمرار في الإضرابات ويكون مصير مبارك التنحي عن الحكم مجبرا .
الحكومة الصهيونية كانت تستعد منذ أيام عسكريا لشن عدوان جديد على قطاع غزة
لتحجيم حماس وشل قدرتها الكفاحية ضد قواتها العسكرية . وعندما يتغير النظام في مصر فان فكرة العدوان سوف تتلاشى ولو لوقت محدود.
أما التخوف الأهم لدى الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية هو احتمال تنامي قدرات المنظمات الإرهابية في المنطقة وخاصة في مصر , وعندها سيكون الإرهاب على مقربة من الكيان الإرهابي في تل أبيب , وهذان التخوفان هما ما كان يتذرع بهما حسني مبارك أثناء حكمه مدة ثلاثين سنة الماضية , وعلى هذا الأساس كان الدعم لنظامه طيلة المدة الماضية , ورغم ذلك فقد سقط القناع عن النظام الديكتاتوري
وثار الشباب المصري ضده وقدم عشرات الشهداء وألوف الجرحى , ويتواصل نضالهم حتى يتحقق هدفهم بإسقاط نظام مبارك . وقد استخدم أعوان مبارك كل سبل البلطجة لإخافة الثوار في ساحة التحرير , ولكن كانت إرادتهم أقوى من الجالسين فوق كراسي الحكم ,وعليه اخذ مبارك وأعوانه يقدمون التنازل تلو الأخر , وفي النهاية سوف يضطر مبارك لترك الحكم , إن لم يحصل شئ أخر مثل نهايات الطغاة في العالم .
3 .الأنظمة العربية المماثلة لنظام مبارك, فهي تنتظر دورها في عملية التغيير, في إطار ثورة الشباب العربي, ومن يظن انه في منأى عن هذا المصير فهو مخطئ ولا يقرا الأحداث بصورة واقعية ودقيقة, كما انه لا يقرا التاريخ جيدا, وقد قدم الرئيس علي عبدا لله صالح تنازلات كبيرة أمام المعارضة اليمنية خوفا من أن تنتقل عدى الثورة إلى اليمن .
علمنا التاريخ أن الحكام المستبدين مصيرهم الزوال أو القتل أو الهروب من البلاد. وهذه الأنظمة لا تتعلم من الأحداث القريبة , حيث تتخلى الدول الغربية عن حلفائها وأعوانها وعملائها في اللحظة التي ينتهي دورهم السياسي , والأمثلة كثيرة منها ماركوس في الفلبين , والشاه في إيران ,وأخيرا زين العابدين بن علي في تونس .ومن أمثلة التاريخ أيضا أن كل الأنظمة التي مارست الظلم الاستبداد والعمالة للأجنبي والابتعاد عن الشعب , والعيش في القصور الفارهة , قد سقطت وذهبت إلى مزابل التاريخ . واعتقد أن هذه المزابل ما زالت تتسع لكثير من العملاء والمستبدين والراكضين وراء ملذاتهم وشهواتهم , وما أكثرهم في بلادنا .
لقد بدأت الثورة في البلاد العربية ولن تنتهي حتى ينتهي الظلم والفساد والفقر والحرمان , ويتمكن أبناء الشعب من حكم أنفسهم ومن خلال ممثليهم الحقيقيين .
وهذا بات قريب المنال, وان غدا لناظره قريب.
كتب في 8 / 2 / 2011
التعليقات (0)